
هذه نصوصهم تدل عليهم!
رجاء النقاش - مصر
كلما أمعنت في قراءة تاريخ الصهيونية, وتاريخ دولة إسرائيل
تبين بوضوح تام أن إسرائيل والعرب لم يصلا أبدا إلي نقطة
التقاء مشتركة حتي الآن, فالعرب يتحدثون كثيرا عن السلام
بنية صافية وصادقة, وفي المقابل لا يوجد في المصادر الأساسية
للفكر الصهيوني أية نيات سلمية علي الإطلاق, وتاريخ إسرائيل
ليس فيه موقف جوهري واحد يدل علي أنها تؤمن بالسلام الآن,
فلايزال أمام إسرائيل الكثير الذي تفعله بنا نحن العرب قبل أن
ترفع راية السلام علي الأرض, والحقيقة أن إسرائيل هي تجسيد
عملي للفكر الصهيوني, والصهيونيون للأسف الشديد يضفون علي كل
أفكارهم صفة دينية مقدسة, أي أنهم يعتبرون كل ما يقومون به
هو جزءا من عقيدة ثابتة لا يصح معها المراجعة أو التعديل أو
الاعتراف بالخطأ أو بأي مبدأ آخر من المبادئ الإنسانية
والأخلاقية.
وأنا دائما, خاصة في أوقات الأزمات
الكبيرة, أعود إلي بعض المراجع الأساسية التي تتيح الفرصة
الواسعة لكل من يريد أن يطلع علي النصوص الصهيونية, وبعد
المقارنة بين هذه النصوص, المواقف الإسرائيلية سوف نجد
أمامنا تطابقا كاملا بين الفكر الصهيوني والواقع الإسرائيلي.
ومن أهم هذه المراجع وأخطرها علي الإطلاق كتاب المفكر الفرنسي
روجيه جارودي, فلسطين أرض الرسالات الإلهية, ترجمة العالم
والمفكر الكبير الدكتور عبد الصبور شاهين, وأهمية هذا الكتاب
الخطير الذي يشبه الموسوعة الكاملة تعود إلي الكمية الهائلة من
النصوص الصهيونية الأصلية الواردة فيه, وهي نصوص موثقة
منسوبة إلي مصادرها المحددة مع تحديد تاريخ هذه المصادر.
وكل النصوص الواردة في هذا المقال مستمدة من كتاب جارودي
الخطير, والذي ألاحظ أنه لا وجود له في المكتبات العربية
الآن, رغم اعتقادي بضرورة وجود نسخة منه في كل بيت عربي,
حتي يساعدنا علي إدراك الحقيقة, وفهم الأزمات التي نتعرض لها
في صور متلاحقة بسبب إسرائيل, إن كتاب جارودي هو مصباح
للحقيقة.
من أهم النصوص الصهيونية القديمة التي تلقي
ضوءا علي الحاضر ما جاء في مذكرات هرتزل مؤسس الفكرة الصهيونية
الحديثة, حيث نقرأ ما كتبه في8 أكتوبر سنة1898 عن
محادثاته مع الأمير هو هنلو مستشار الإمبراطورية الألمانية في
ذلك الوقت, يقول هرتزل:
سألني الأمير عن أي الأراضي
تزمع الحصول عليها؟ فقلت له: سوف نطلب ما نحتاج إليه,
وكلما زاد المهاجرون وجب أن تزيد الأرض.
وفي نص آخر
يقول هرتزل بصراحة لا تختلف عن الوقاحة: إن الحدود الشمالية
لإسرائيل يجب أن تكون عند جبال الكباروس في تركيا, أما
الحدود الجنوبية فيجب أن تكون عند قناة السويس, وفي هذا النص
لا يخفي هرتزل الطمع الصهيوني الدائم في أرض سيناء.
وإذا عدنا إلي نسخة التوراة التي تعتمد عليها الصهيونية
وتفسرها بما يتفق مع توسيع حدود إسرائيل باستمرار, فسوف نقرأ
هذا النص من سفر يشوع, حيث يقول لليهود علي لسان الرب,
سبحانه وتعالي عما يكذبون: كل موطن تدوسه أقدامكم لكم
أعطيته.
وفي نص صهيوني آخر بالغ الأهمية ومثير للغضب
وكاشف للنيات الصهيونية في المدي البعيد نقرأ ما نشرته مجلة
التوجيه الإسرائيلية التي يصدرها التنظيم الصهيوني بالقدس عدد
رقم14 بتاريخ أول فبراير1983.. يقول هذا النص المثير حول
التصور الصهيوني لمصر:
إن استعادة سيناء بمواردها
الطبيعية هدف له أولوية, والعقبة التي تحول دون الوصول إليه
هي اتفاقية كامب ديفيد, وقد حرمتنا هذه الاتفاقية من بترول
سيناء, وتحملنا نفقات باهظة في هذا المجال, ويجب أن نعمل
علي استعادة الوضع الذي كانت عليه سيناء قبل زيارة السادات
للقدس والاتفاق التعس معه سنة1979.
إن مصر بسبب
صراعاتها الداخلية لم تعد تمثل بالنسبة لنا أي لإسرائيل
والحركة الصهيونية أي مشكلة أساسية, وسوف يكون من اليسير أن
نردها إلي الوضع الذي عاشته عقب حرب يونيو سنة1967 في أقل من
أربع وعشرين ساعة.
وهكذا فإن مصر, حتي بعد كامب
ديفيد, لا تعجبهم ولا تغيب عن أحلامهم في السيطرة والتوسع,
والخطة الصهيونية الأساسية تنطوي علي كثير من الأوراق
المأساوية ضد العرب, ومن ذلك تمزيق لبنان وتحويله إلي دويلات
صغيرة تخشي بأس إسرائيل وتعيش تحت مظلتها ونفوذها وسيطرتها
الكاملة.
وهناك دليل قاطع علي أن نيات الصهيونية ضد
العرب كانت ولاتزال نيات عدوانية توسعية, هذا الدليل هو رفض
إسرائيل أن تقدم خريطة تشتمل علي حدودها النهائية كما
تتصورها, ولا يوجد تفسير لذلك إلا أن تظل الحدود الإسرائيلية
مفتوحة لابتلاع المزيد من الأرض العربية, والحركة الصهيونية
تعلن أنها في رفضها لرسم خريطة إسرائيلية ذات حدود نهائية إنما
تشبه أمريكا فالإعلان الأمريكي للاستقلال سنة1776 لا يتضمن
أي ذكر للحدود الأرضية, وعليه فليست إسرائيل مضطرة إلي تعيين
حدود الدولة, وقد ظلت الخريطة الأمريكية أكثر من قرن كامل
خريطة مفتوحة ومتحركة تضاف إليها أرض جديدة كلما نجح الأمريكان
في طرد الهنود الحمر والاستيلاء علي أرضهم لضمها إلي الحدود
الأمريكية المفتوحة, وعلي أساس هذا التشابه بين نشأة
إسرائيل, ونشأة أمريكا يقول بن جوريون المؤسس العملي لدولة
إسرائيل: إننا لا يعنينا التشبث بالحالة الراهنة أو الوضع
القائم, فإن علينا أن ننشئ دولة متحركة ديناميكية موجهة
دائما نحو التوسع.
فالتوسع إذن مبدأ مقدس عند
الصهيونية, وهو المبدأ الذي يدفع إسرائيل إلي الحروب
المتواصلة ضد العرب, وما حرب لبنان الأخيرة إلا حلقة في
سلسلة طويلة من الحروب تريد إسرائيل, أن تفرضها علي العرب
جميعا, فهي كما قال عنها أبوها ومؤسسها بن جوريون دولة
متحركة وديناميكية ولا يعنيها الوضع القائم أو الحالة
الراهنة, ولابد لها أن تكون مصدر قلق للعرب, وأن تضرب هنا
وهناك باستمرار.
(نقلاً عن الأهرام) |