
نصوص صهيونية لا تسر القلب!
رجاء النقاش - مصر
قامت دولة إسرائيل علي أساس العقيدة الصهيونية, التي تري
أن فلسطين هي بالكامل حق لليهود وليس لأي شعب آخر,
وكثيرا ما يقول أصحاب هذه العقيدة الصهيونية ان يوم15
مايو سنة1948 ـ والذي تم فيه اعلان قيام إسرائيل ـ إنما
هو يوم الاستقلال أو يوم تحرير أرض إسرائيل, وليس لمثل
هذه الكلمات أي معني إلا أنها تشير إلي تحرير إسرائيل من
المحتلين وهم عرب فلسطين, والغريب أن أصحاب العقيدة
الصهيونية في إسرائيل وخارجها يرددون هذا الكلام كأنه حق
لايأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه, فهم يقولون ان
فلسطين هي في الأصل أرض إسرائيل ولكن قوما أجانب هم العرب
جاءوا من الخارج واحتلوها, وعلي إسرائيل أن تحرر أرضها
من هؤلاء الأجانب حتي تعود فلسطين إلي أصلها الحقيقي,
وهو أنها أرض إسرائيل وحدها دون أن يشاركها في هذه الأرض
أي غريب أو دخيل.
هذه العقيدة القائمة علي الباطل
وتزوير التاريخ هي التي تفسر لنا ظاهرة عنف إسرائيل
وقسوتها في التعامل مع المدنيين العرب من أطفال ونساء
وشيوخ. وهذا العنف ضد المدنيين راسخ في العقل
الصهيوني, وهو ثابت في نصوص كتبها الصهيوني الأول في
العصور الحديثة وهو تيودور هرتزل1860 ـ1904, وكتابات
هذا الصهيوني هي التي تمثل العقيدة الأساسية التي تسيطر
علي العقل الإسرائيلي وتتحكم فيه حتي الآن وحتي الغد وإلي
ماشاء الله, وفي أقوال هرتزل ما يفسر سلوك الإسرائيليين
غير الانساني ضد المدنيين العرب الذين لا يحاربون ولا
يحملون أي سلاح, ومن ذلك ما جاء في مذكراته التي كتبها
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث يقول
في هذه المذكرات ما نصه:
إذا نجح اليهود في خلق
دولة إسرائيل فإنهم سوف يرحلون إليها في حركة تدريجية,
وعليهم أن يدركوا أنهم سوف يرحلون إلي دولة بها وحوش
مفترسة لاينفع في مواجهتها حمل الرمح والحربة, أو الذهاب
فرادي إلي هناك في مواجهة الدب الذي يقف في انتظارهم,
ولذلك فإن علي اليهود أن يذهبوا إلي الدولة الجديدة أي إلي
فلسطين في جماعات كبيرة قادرة علي أن تسوق هذه الحيوانات
أمامها, وعلي اليهود أن يقذفوا بقنابل شديدة الانفجار
وسط جموعها أي جموع العرب بين وقت وآخر لإرهابها.
تلك هي بعض كلمات الصهيوني الأول هرتزل والتي كتبها في
مذكراته منذ أكثر من مائة سنة, وهي كلمات لا تحتاج إلي
جهد لفهمها وتفسيرها, فهي واضحة ومحددة ولا غموض فيها,
ومن هذه الكلمات ندرك أن الصهيونية في جوهرها تقوم علي
العنف, وأنها تعتبر الإرهاب بمعناه المباشر هو وسيلة
مشروعة لتحقيق أهدافها, كذلك فإن الصهيونية تنظر إلي
الشعوب الأخري خاصة العرب نظرة متعالية وغير انسانية,
فالعرب كما تري في النص السابق هم من وجهة نظر هرتزل وحوش
مفترسة وحيوانات, ولذلك فهم يستحقون القتل بلا رحمة,
ومثل هذه الثقافة الصهيونية المستقرة في العقل الإسرائيلي
هي التي تفسر لنا تكرار مذابح إسرائيل للمدنيين العرب,
وآخرها مذبحة قانا الثانية في لبنان والتي مات فيها نحو
ستين مدنيا نصفهم تقريبا هم من الأطفال.
ونواصل
المطالعة لبعض ما كتبه الصهيوني الأول منذ أكثر من مائة
سنة, وقد استقرت هذه الكتابات في العقل الإسرائيلي حتي
الآن ولا أظنها سوف تخرج من هذا العقل العدواني في يوم من
الأيام, فهو يثير حماس اليهود ويقول لهم انهم أفضل من كل
شعوب العالم الأخري, وقد وقف يوما يخطب أمام أنصاره,
وكان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر حيث كان العرب يمثلون
نسبة تصل إلي95% من سكان فلسطين, ولم يكن لليهود في
فلسطين سوي نسبة ضئيلة جدا بين السكان, وفي هذا الخطاب
يقول هرتزل:
إن كلمة المستحيل قد محيت من
القواميس واننا سوف نحول الصحراء إلي بستان واسع بإيماننا
بمعجزات العلم, وانني أومن بانبثاق جيل عجيب من بين
اليهود بعد أن تكون لهم حكومة ويعيشوا كشعب من الأحرار فوق
ثري وطنهم إلي أن يموتوا في سلام وطمأنينة.
والوطن الذي يشير إليه الصهيوني الأول هو فلسطين, وعندما
ألقي هرتزل هذه الكلمات علي أنصاره منذ أكثر من مائة سنة
لم يكن اليهود يمثلون في هذا الوطن الذي يقول لهم انه
وطنهم أكثر من2% أو3% من سكان فلسطين, ومع ذلك فإن
هرتزل يتحدث إلي اليهود الذين لم يكونوا قد ذهبوا إلي
فلسطين بعد ويقول لهم ان فلسطين هذه هي بلدهم الذي سيعيشون
فيه كشعب من الاحرار إلي أن يموتوا في سلام وطمأنينة!
وهرتزل في كتاباته وخطاباته ومذكراته يدعو اليهود إلي
الثقة بأنهم أفضل شعوب الأرض حيث يقول: إن شعبنا اليهودي
يمتاز عن غيره من شعوب العالم في جميع الصفات, وهذا هو
السبب في كراهية الناس لنا وكل ما نحتاجه هو الثقة
بالنفس.
ويصل الغرور في نفس هرتزل إلي حد غير
معقول حيث يقول: إذا أشرت بإصبعي إلي مكان في فلسطين
طبعا وقلت لتقم هنا مدينة ستقوم هناك مدينة, ويقول في
مكان آخر: قد أضع تاجا علي رأس ابني هانز وأجعله حاكما
علي فلسطين ثم أخاطبه أمام كبار رجال البلاد قائلا له:
يا صاحب السمويابني الحبيب!
تلك بعض النصوص
الصهيونية التي لا تسر القلب! وهي كلها نصوص تؤكد اننا
أمام عقيدة عدوانية مصممة علي إلحاق الأذي والضرر
بالعرب, وحريصة علي أن تقتل المدنيين عمدا وعن قصد
وتخطيط, فكل عربي في هذه العقيدة الصهيونية هو عدو قابل
للذبح حتي تتحقق أهداف إسرائيل في السيطرة الكاملة والتحكم
في مصير الآخرين, الذين لا يزالون يأملون خيرا في
التفكير الإسرائيلي عليهم أن يراجعوا هذه النصوص الصهيونية
ولعلهم يقتنعون بأن إسرائيل لن تعتبر إلا إذا وجدت أمامها
قوة تخشاها وتردعها وتقف لجرائمها بالمرصاد.
ملحوظة: مصادر هذا المقال هي يوميات هرتزل ترجمة هلدا
شعبان صايغ ـ هرتزل أول دراسة موضوعية عن حياة مؤسس الحركة
الصهيونية تأليف ديزموند ستيوارت ترجمة فوزي وفاء وإبراهيم
منصور ـ كيف يفكر زعماء الصهيونية كتاب للأستاذ أمين
هويدي.
(نقلاً عن الأهرام) |