لغة
الفكرة فكرة اللغةـ10ـ
خالد
ساحلي - الجزائر
هيأ
نفسك وأحزم أغراض الفكرة، أعد النظر فيما ينقصها فالعقل يسهو والنفس ميالة إلى
مشاغل الحياة الأخرى؛ الذاكرة تنسى أحيانا ،التذكر يأتي حين فوات جوهر المفهوم
وتحديد نوع الأشياء فـي نـفس الـذات المتنوعة في ذات الفكرة ذاتها، أحمل المحتوى
أجعله قالبا واسع الفضاء حتى تتحرك بحرية أكثر دون طيّها أو تقليصها أو خلق مساحة
الضغط للزوايا المجتمعة في نقطة الوسط . الفكرة المحصورة بتبعات الغرس لشعور الخوف
للانحلال تكسيرا لزمنها؛ ذاك الزمن المحصور بتفاصيل تبعاتها الغير متناسقة مع تعدد
نوعها. هيأ نفسك فأول الانتقال نية في معرفة الكامن هناك، ثانيها المنتظر منتظرك،
تتطلع إليه بسؤال دون تسمية، تحدد له مقياسا و شكلا و لونا وصفة كل ذلك في عقلك،
تخضعه للاستقرار مهما عرفت طابعه وموضوعه. أنتقل إلى حيث يحملك شعورك، تأهب و أنت
في أول الطريق إلى إيجاد إجابات إضافية فقد لا يكفيك كل ما حملت وما ادخرت من
مجهود، قد تخرج كل الإجابات التي تغيب في تكوينيها وتحصيلها والبحث عنها لكن قد
يصادفك غير الذي اعتقدت. هيأ نفسك و أنت المضطرب في لا حدود اليقين فالشعور بفقدان
خيط الاطمئنان للوضوح ومعرفة المهيأ لك علم غيب عند الله؛ غائب عنك لكنه متاح عند
غيرك، يمتلكه الآخرون، إن الغيب مقسـّم عند البشر، يعلم البشر علم غيب بعضهم البعض
ويجهلون غيبهم المختفي في الأقدار المصنوعة بأيديهم. هيأ للفكرة مقعدها المريح قد
تتعبها المسافات فالوصول أمره مرهون باحتمالات كثيرة وما الغيب غير التصديق بالرجوع
إلى الله
وانتظار لصناعة العقول و النفوس البشرية من مآسي و أفراح من صالح وطالح، من صدق
وخداع، من إخلاص وتفاني إلى غدر ومكيدة، من تفاني في الحرص على مصالح البشر أو
التفريط فيها. أيقظ الإفضاء فيك بحنان الأم لا بصياح الجندي فالإفضاء يحتاج للغات
متعددة، قد يسكن الصمت نفسه ويكون لغة معقدة الأغوار، إن نداء الاستيقاظ بصوت
العسكري يورث الديكتاتورية والاستبداد و الخوف مهما حفّز على النظام حتى اللغة ترفض
الخشونة في حالات العلاج.لا شك لكل لغة نقص إلا أن النقائص تنحصر في حامليها
فالكمال صفة أطلقها الله على نفسه وما عداه من خلقه دافعه الحاجة على الدوام لما
يُكمله. إنه ورشة الاشتغال على الناقص حتى تتلاحق الأجيال وإلا فإن المحدد دليل
نهاية كل اللغات لتنصت حينذاك كلها للغة واحدة كاملة متكاملة لغة الرب وحده. إن
جوهر اللغة في لغة الفكرة المتسامحة الظاهرة يغطي نقصها الظاهر لا جوهرها فيتجاوزها
لقبولها لغات التعبير الأخرى المستعملة و لا تمتثل إلا لمنطق لغة يسهّل انتقالها
إلى ذلك الغيب الكامن في العقول والنفوس . إنه الغيب الموجود بمعناه المستتر
في السلوك و في الحياة المعقدّة عند البشر حين تتزاوج الفكرة بإيحاء الغيب تعرفه
وتسقط الستار الحاجب لرؤية الصورة الإجمالية الواضحة. إن وقت وصول الفكرة
لمعرفة الغيب فيما يصنعه العقل المدبر في توجيه مصائر الناس يتطور إلى فضح وتعدي
على القوانين والحريات التي يسهر عليها نظام ما بالتسيير المراد للمجتمع على قدر
تقدمه ووعيه أو على قدر تخلفه وتورطه في جهله و سكونه. إن وصول الفكرة لدخول الغيب
القريب تحقق انصهارها و إن بدت دليل انصهار صاحبها داخل الإطار الذي يحتويه حتى و
لو كان إطار الوحدة و الانطوائية. الفكرة قد تعيش في حضن الغيب فترة ما لكنها لن
تبقى لأنها معرّضة للتغيير من فكرة غيبية أخرى تصنع التغيير ذاك الغيب الكامن الذي
يصنعه البشر، الغير متكاملين في الجزء منه، لأن الفكرة نسبية في حدودها في الوصول
إلى الغيب إلا أنّ التوجيه من قوة غيبية هو ما يجعل فراسة حاملها يرى بنور الله ،
لأنه انطلق في البحث عن الغيب المتاح من نقطة بداية الأمر و النهي الإلهي . أفضي
بقصدك فالفكرة هي غلال ما توصل الفكر إليه ببناء اللاحق للاحق،إنها لا تخضع
للمتعارف و إلا لما كانت بحثا عن الحقيقة ، و الحقيقة الغير متحققة أن البشر لا
يملكون الحقيقة المطلقة لقياس ما بعينه .أفضي باعتقاد الصواب المجتهد فيه، أعلم أن
الصواب المجتهد فيه من الآخرين قد يعارض صواب اعتقاد الفكرة المجتهد بها في خطأ
غيرك. هيأ المجلس المريح ولا تتنفس رائحة غيرك ، لا تجعل أذنك مأكل فكرتك ولا لسانك
مخرجها، فالآذن قد تسمع و تجمع طابور ما يقال دون مصفاة النافع من الضار ، و اللسان
قد يورطك في تسارع تعجلك، هيأ خيولك لتكن قوية وفتية و جميلة، فعربة فكرتك تحتاج
لعجلات سليمة بخيول أصيلة.عوّد نفسك على التفتيش عن فكرة ما في عالم ما، أصنع القوة
الخلاقة داخلك لأنك المفكر لكنك لست المشاهد المختصر للتأمل حول الفكرة. عوّد نفسك
أنك لست ساردها و إلا صرت أغلوطة مضافة لأغلوطات الواقع الخاوية إنما أنت المحاول
لا غير. تحرك في حدود سكونك و حركتك على حد سواء، في فراغك و في انشغالك، في شعورك
تحرك، فالحركة العملية داخل فعالية الفكرة هي امتداد لتوافق الحياة. الحركة نقيض
المحدد برفض مفهوم القتل للتسمية و لإعلان الميلاد لشيء جديد. إن وجود الفكرة
وسكونها ورضاها بتسمية ودخولها التثبيت قتل لها وانتظار للفناء العاجل. لا تجعل
فكرتك معالجة لسلوك الناس، فأنت كلك حزمة من سلوك. أحوالك كأحوال غيرك تخضع لميزان
الجودة. ليست أفعالك الحسنة و السيئة سوى حلقات الواحدة تحتوي الأخرى، لا زالت
الحلقات تتداخل و تتقاطع وتتحد بخطوط تارة و بنقاط تارة أخرى وبخط غير منقطع تكوّن
شكلها. إن الحلقات تتنوع بلون رسمها و في الغالب الجودة تخضع لميزان الاجتهاد في
تحصيل وتهذيب السلوك. النفس تميل للسهل الغير متعب، الفكرة السهلة تستميل ضعاف
النفوس و العقول، لن تجد الحياة في المجتمع المتمدن إنما الغريزة الفطرية في
الإنسان هي التوجيه الساذج ، ألا ترى أن التمدن يفرض حلولا
للمشكلات حتى بالإبداع في الحيل والمكر والمؤامرات في صورته الأخرى هو ظل
لوحش كاسر. حلّق بجناحي السؤال، طِرْ حيث الأعشاب والأحراش والأشجار حيث الزهور
البرية حاملة خلطة العلاج لأمراض النفوس كما العقول. إن استئصال الانحراف اعتقاد
صحيح لجوهر الأخلاق. طِرْ حلّق في السماء النقية الأجواء فالحداثة ليست غير تغيرات
لأدغال المجتمعات المظلمة المعارضة للفكرة. إن الشمع الموضوع فوق أعمدة الغرور و
الانبهار سرعان ما يذوب في قيض الهجير، قد تعتريك أحداث ساخنة فتصهر ما بنيت في
لياليك الطويلة، تذوب أحلامك أمام عينك كما يذوب الثلج القديم الساكن للشاهقات،
يذوب بحقيقة الدفء المخترق للصقيع، لا تنخدع إذا فالفكرة تغير في سلوكك أو تتغير
بفعل استحداث المستجدات للنجاح أو الفشل إنك تغير وتتغير وفي كلتا الحالتين حافظ
على نفسك سليمة ليس لأجلك فقط إنما لاستمرار فكرتك وحيويتها. هي تخضع لميزان عدة
لغات داخل المحيط الفكري، داخل المجتمع البسيط الساذج الذي بالإمكان أن يوظف ضدك
لترميك يده بحجارة من وظفوه، قد يسلبك المجتمع الساذج حتى الحق في الحياة. إن لغات
المجتمع لكثيرة ولغات الآخرين على أصنافهم لمتنوعة . قد تخضع للغة العنف والتهديد،
للغة الموت، للغة الإغراء، للغة النفي، للغة التجويع، للغة المقاطعة والاستهزاء،
لغة التهم، حتى لغة العزل داخل محيطك وداخل نفسك ذاتها. ستصادفك لغات كثيرة، أخضع
إذا فكرتك لميزان لغة حسنة، أجعلها غاية ووسيلة إلى المتلقي المحتضن لا المقاطع
فالمقاطع له لغة أخرى داخل محتوى الفكرة، وما المقاطعة للأفكار إلا دليل احتجاج على
نضج سياسي وتخلف فكري فالعجز الثقافي على احتواء معضلات الواقع ومعايشته للأحداث
اليومية دون تغيير في نمط الحياة المدنية ودون تغيير في السلوك الحداثي المرتبط
بالمواطن هو انتحار للمشهد الفكري و الفلسفي و الثقافي على السواء.أي لغة تختارها
لخطابك في حدة التخلف اللابس قشور المدنية والتحضر؟ أي لغة خطاب تختارها في ظل بؤر
الصراعات الجديدة الشرسة؟ إن هذه الصراعات ساعية للقضاء على الموروث بأنواعه ،
ساعية لتدمير الإنسان من الداخل، وتدمير الإنسان من الداخل يعني نهاية الشعور وموت
الجمال.أعلم أن الفكرة النبيلة جعلها الله بحثا عن اليقين تمارس عمل التغيير من
الداخل بلغة السؤال الكاشف لحقيقة الوجود وعامل الوجود. إن الفكرة الجديدة في
تاريخها الحافل بالأوجاع كانت محل الاستهزاء و السخرية والتضييق وحرب الدعاية
والإخراج و النفي و الحصار. إن العقلية النفعية الأنانية هي الأصل في خلق السحر
بأنواعه على العقول و النفوس فهو لا زال لغة جديدة قديمة يمارس بأشكال مختلفة. إن
النور يعمي العيون الساكنة زمنا طويلا في مغارات الظلمة، تخشى العيون النهار
تخرج حين رحيل الشمس، الشمس المطلة على عالم آخر يعيش ليلا آخر، الشمس تعمل هذا في
نظام دقيق. يحتاج سكان الجهات المظلمة في واقعهم لمن يأخذ بأيديهم ويصف لهم
مالا يرون، إن تشكيل الفكرة لهم في الذهن بصور جميلة تحمل العقول على ألفها
وحين يألف ساكنوا كهوف الخوف و الليل سيتشجعون داخل أنفسهم على اقتحام الزجاج
الفاصل بين خوفهم ورغبتهم في رؤية وجه النهار؛ سيجدون مخرجا داخل ذواتهم وتتطبّب
لغة السحر الملتصقة بخوفهم لتتحول إلى لغة اقتحام للمجهول المنتظر؛ تتحول إلى لغة
إنعتاق وبعث للحرية حين ينتصر مفهوم الفكرة على محتواه؛ ليتنوع من خلال النوع ذاته.
إن الخارج من كهف الاستبداد الممارس عليه إلى نور الفكرة الجديدة سينقاد بسهولة
لها، يراها محررته من قيد قديم مدمي، ينقاد بسهولة وهو يستشف منها التوازي ذو
الانتشار السريع. أبحث عن المتلقي الناضج لأن الفضاء ممتلئ بالأفكار المتغذية
بالانتقامية المتجملة بالنقد خافية لعناصر التدمير المستعجلة الظهور الجامعة
للأحداث المستفيدة من الوضع في المناخ الفكري و الثقافي المتعفن الراكد. المقولبة
للتغيير مبتذلة محوّرة. إنها الأفكار مرجعة الوضع المزري كما مجيء الوضع تزيد من
جنونه بصورة النقمة المالكة لوسيلة القوة في نفس الوقت الباحثة عن سيطرة القوة،
إنها الأفكار المناقضة لدلالة البناء و التغيير في البناء، التغيير السلبي بتهديم
الوحدات المتجزئة لتشكيل كومة ركام للعراء الفكري و الثقافي. أحذر التفكيك على غير
قواعده الصحيحة، البناء وحده من يستطيع ذلك. راهن على حصان الفكرة الكاشفة، لجامها
البحث عن التغيير بروية شيخ حكيم ، كن أنت الفرد و أجمع سيئات العالم في نفسك،
ليجمع غيرك سيئاتك مع سيئات العالم، أحترم أفكار العالم كله ما لم تكن هناك دعوة
صريحة لسفك دم أو هتك شرف كرامة الإنسان أو تجاوزا على الحريات وسلب لإرادة
الآخرين، أبحث بكاشف التغيير متجاوزا الأحادية و القطرية والقطبية ، تجاوز العصبية
الكابحة للنهوض، كن حرا فالعالم كله موطنك لأن الفكرة المتحيزة تخلق محدودية
انتشارها، كن متحيزا فقط للقضايا العادلة للإنسان وحدها تحقق النجاح لأن الفكرة
حينذاك على حقيقة فطرتها وحدها تصل لباب ذهن المتلقي وحدها تدخل بيته دون استئذان
ودون قرع للجرس.لا تستعجل الكشف عن ما لم يكشف بعد لأن ما لم يكشف بعد هو نوع من
المستتر المتستر عنه، وحدها الإشارات من تقودك إلى طريقه الصحيح ما عدا ذلك فتحا
لتوريط العقل و النفس لا غير. إن المعالم لكثيرة و الأخطار لمحدقة وازدحام السير في
الطرقات يخفي في ضوضائه سهم السكتة المميتة. لا تستعجل الكشف فإن حادث العجلة يميت
الفكرة في طريقها السريع، لا تستعجل فالانحرافات وحدها تثير الاهتمام فالانتباه
أكثر حول خطورة ما قد يقع قبل وقوعه امتداد للسلامة. الفكرة وحدها من تصل بقدسيتها
باب المتلقي متجاوزة أخطار الطريق.