ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرهذا الخبر لم أفهمه

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

 

قرأت في صحف الأسبوع الماضي خبرا أتمني لو أن مسئولا في الحكومة أو في الأزهر تكرم فوضح لي ما لم أفهمه فيه‏.‏

وقد جاء في الخبر الذي قرأته أن رئيس مجلس الوزراء اتفق مع شيخ الأزهر علي إنشاء مدرسة صناعية أزهرية تكون نواة لتعليم فني يتبع الأزهر‏,‏ أي لمدارس يتعلم فيها التلاميذ الحرف والصنائع كالحدادة والنجارة والميكانيكا والكهرباء‏,‏ فضلا عن المواد التي يدرسها التلاميذ في المدارس الزراعية والتجارية‏,‏ كما جاء في هذا الخبر أيضا أن هذه المدرسة الصناعية الأزهرية ستقبل في صفوفها التلاميذ الحاصلين في الشهادة الاعدادية علي مجاميع منخفضة‏,‏ وهذا ما لم أفهم منه شيئا‏,‏ لأن التعليم الفني كما يخيل لي لا يدخل في اختصاص الأزهر‏,‏ ولأن التلاميذ المجتهدين الحاصلين علي الدرجات والمجاميع المرتفعة هم الأولي بدخول المدارس‏,‏ سواء كانت تابعة للأزهر أو لغير الأزهر‏,‏ ونحن حين نعلن من الآن أننا سننشئ مدارس تقبل أصحاب المجاميع المنخفضة نبدو وكأننا نشجع التلاميذ علي الكسل‏,‏ وكأننا نبشر المجتمع بأجيال من الخريجين غير الأكفاء‏.‏

الأزهر معهد ديني رفيع‏,‏ وظيفته يجب أن تقتصر علي تخريج أئمة المساجد والوعاظ والعلماء المختصين القادرين علي حفظ التراث الديني الإسلامي‏,‏ واكتشاف كنوزه وتجديده والاجتهاد فيه ليلبي حاجاتنا الروحية‏,‏ ويجيب علي أسئلتنا‏,‏ ويفتح أمامنا الطرق في هذه العصور الحديثة‏,‏ ويكون حاضرا فيها كما كان حاضرا في العصور الماضية‏.‏

والقيام بهذه الوظيفة يوجب علي شيوخ الأزهر وطلابه أن يتبحروا في دراسة علوم اللغة كالنحو والصرف والبلاغة‏,‏ والعروض وتاريخ الأدب وفقه اللغة‏,‏ وعلوم الدين كالفقه والحديث وعلم الكلام والفلسفة والمذاهب والفرق الإسلامية‏,‏ والدين المقارن‏,‏ فضلا عن إحدي اللغات الأوروبية‏,‏ ولغة من اللغات السامية أو من لغات الحضارة الإسلامية كالفارسية أو التركية‏.‏

هل هذا قليل؟ لا‏,‏ ليس بالقليل‏,‏ ونحن لا نطلب من علماء الأزهر وخريجيه إلا التفقه في هذه العلوم التي نسميها علوما إنسانية‏,‏ أما العلوم التجريبية كالطبيعة‏,‏ والكيمياء‏,‏ وعلم الحياة والجيولوجيا والرياضيات والفلك‏,‏ وأما الحرف والصناعات‏,‏ والأشغال اليدوية‏,‏ والمهارات التقنية ونحوها‏,‏ فلها معاهد ومدارس أخري‏,‏ ولها مناهج ووظائف مختلفة‏.‏

العلوم الإنسانية التي تبحث في الأفكار والعقائد والقيم الأخلاقية والجمالية تختلف عن العلوم الطبيعية أو التجريبية التي تبحث في عناصر الطبيعة وموادها وصورها ومكوناتها وتحولاتها وقوانينها الثابتة‏,‏ الأولي تتناول ما يتصل بالأرواح والمشاعر والعواطف والأذواق‏,‏ وهي أمور تتأثر باختلاف البيئات والحالات والظروف وتتعدد فيها الآراء والمذاهب‏,‏ والأخري تتناول العالم المادي وما يتألف منه‏,‏ وما يتحرك به ويؤثر فيه‏.‏

وفي العصور القديمة والعصور الوسطي كان الناس يتحدثون عن الطبيعة بالظن‏,‏ لأن خبراتهم كانت محدودة وأدواتهم قاصرة‏,‏ حتي أتيح لهم أن يعرفوا ما لم يكونوا يعرفونه‏,‏ ويمتلكوا ما لم يكن في حوزتهم من قبل‏,‏ ويراجعوا ما كانوا يعتقدون أنه صحيح‏,‏ وتلك هي النهضة التي ساعدتهم علي الفصل بين العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية‏,‏ بعد أن كانت متصلة مختلطة في التراث القديم‏.‏

رجال الدين وعلماؤه كانوا في الوقت ذاته أطباء وفلكيين ومؤرخين‏,‏ لكنهم كانوا يعالجون المرضي بالتعاويذ والرقي‏,‏ وكانوا ينظرون للأرض فيرونها مسطحة‏,‏ وينظرون للشمس فيحسبون أنها هي التي تقطع الفضاء من شرقه الي غربه‏,‏ وكانوا يقرأون التوراة ويعدون الأجيال ويحسبون الاعمار فيظهر لهم أن العالم خلق قبل ميلاد المسيح بأربعة آلاف عام‏,‏ وقد ثبت أن هذه كلها أوهام‏,‏ فالشمس لا تتحرك فوق الأرض‏,‏ بل الأرض هي التي تدور حول الشمس وحول نفسها‏,‏ والعالم لم يخلق قبل المسيح بأربعة آلاف عام أو بعشرة آلاف‏,‏ بل خلق قبله بثلاثة آلاف مليون من الأعوام‏!‏

والذين كانوا يكذبون جاليليو ويحاكمونه في القرن السابع عشر‏,‏ وداروين في القرن التاسع عشر اعتذروا لجاليليو‏,‏ ثم اعتذروا أخيرا لداروين‏,‏ إلا نحن‏,‏ فلم نعتذر لهما‏,‏ ولم نعتذر لنيوتن‏,‏ ولا لأينشتين‏,‏ ولماذا نعتذر لهؤلاء اللصوص ونحن نعتقد أن ما اكتشفوه في الطبيعة‏,‏ والكيمياء وعلم الحياة والفلك وما سوف يكتشفونه موجود في كتبنا المقدسة التي يجب علينا أن نعود إليها لنجد فيها كل شئ‏.‏

هكذا نخلط العلم بالدين‏,‏ ونخلط الدين بالسياسة‏,‏ ونخلط الدين بالاقتصاد‏,‏ ونخلطه بالفن والأدب‏,‏ فلا نري في أي شئ إلا الحرام والحلال‏.‏

التمثيل حرام وعلي الممثلين والممثلات أن يعتزلوا‏,‏ والنحت حرام وعلي طلاب الفنون الجميلة أن يكتفوا بالزخرفة‏,‏ والفائدة التي نحصل عليها من البنوك الوطنية حرام‏,‏ لكن لا بأس من أن نحصل عليها من البنوك الأجنبية‏!‏

نحن لا نري الجمال والقبح‏,‏ ولا نري الصواب والخطأ‏,‏ ولا نري النفع والضرر‏,‏ ولا نري التمدن والتوحش‏,‏ ولا التقدم والتخلف‏,‏ ولا العلم والجهل‏,‏ ولا الصحة والمرض‏,‏ ولا الديمقراطية والطغيان‏,‏ ولا العقل والخرافة‏,‏ ولا الوساخة والنظافة‏,‏ ولا العمار والخراب‏,‏ فقط الحلال والحرام‏.‏

نحن إذن لسنا في حاجة الي أطباء‏,‏ أو مهندسين أو قضاة أو مدرسين‏,‏ أو أدباء أو فنانين‏,‏ نحن نحتاج فقط لهؤلاء السادة الذين يملأون وجه الصحف بكتاباتهم‏,‏ وشاشات التليفزيون بأحاديثهم ليلبوا طلبات الفتوي التي تنهال عليهم من الآلاف أو من الملايين‏,‏ فإذا كان لابد لنا من بعض النجارين وبعض الحدادين والميكانيكية‏,‏ فالشرط المطلوب فيهم أن يتخرجوا في الأزهر‏,‏ وليس من الضروري أن يكونوا من أصحاب المجاميع المرتفعة‏!‏

أنا لم أفهم هذا الخبر الذي قرأته‏,‏ لم أفهم حاجتنا لصناع أزهريين‏,‏ ولم أفهم حاجة الأزهر لأن يحشر نفسه في تعليم النجارة في الوقت الذي ارتفعت فيه الشكوي من تراجع مستوي خريجيه في العلوم التي اختص بتدريسها منذ عشرة قرون‏,‏ علوم اللغة وعلوم الدين‏.‏

هل هناك أو هنا من يساعدني علي الفهم؟‏!‏

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا