ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

"الكاتباوي" أو شخصية الكاتب نفسه في الحكاية

القصة القصيرة في الإمارات نموذجاً

سامح كعوش - فلسطين / الإمارات

 

"الكاتباوي" الشخص الكاتب الراوي في كتابته عن ذاته، هو الشخص الواقف خلف ستارة السرد ليحكي قصته المنعكسة في مرآة انحرافية تنزاح عن الواقع قليلاً لكنها تدل حتماً عليه، أو تشير إليه بدلالات كثيرة الواقعية مهما حمّلها الكاتب من رمزية. وهو الشخص القاص، يسرد تاريخه هو في شكلٍ أدبي يتخذ من القصة شكلاً قناعياً واضح الملامح والإشارات، في الدلالة على حياة ومسيرة عمر، وإن استغلّ صاحبها وجهاً من وجوهه المتعددة التي اتخذها في حياته الماضية أو الحاضرة.

والقص في الإمارات، كما في بلاد عربية وثالث عالمية كثيرة، لم يكتمل بعدُ بالشكل المعبّر عن فنية ذات أبعاد فنية محضة، أو إبداعية حالمة ذات رمزية فائقة الغياب في بعدها عن شخصية كاتبها، كما لو أنه يحكي ذاته، ومعاناته، وشكله البشري اللا فني، قبل أن يجرّب الخروج من ردائه ليقول عن الآخرين، فيعبر عن عوالم أخرى تحلّق بالسرد عالياً في فضاء الحكاية.

و"الكاتباوي" لا يعيب التجربة السردية في الإمارات كما في غيرها من الدول التي يقف الروائي والقاص فيها، شاهداً على معاناة وجودية أو إنسانية أو تجريبية ما، فالمشهد الإماراتي حافل بتشكيل فريد من معاناة الإنسان مع الواقع في السرد المعبّر عن تحولات العمران، والبنيان، والتغيّر المتسارع لأشكال الحياة والوجوه واللهجات والبيئاتن ما يستفز الكاتب على الكتابة، وإن كان تشكله "الكاتبروائي" أي "الكاتباوي" بمعنى الكلمة، يضعه على درجة متقدمة في سلّم تطوّر التجربة السردية والقصصية.

ففي مقاربة ثلاثة نصوص سردية من الإمارات لكل من الكتّاب ناصر الظاهري قصة "طويرة الجنة" من مجموعته "خطوة للحياة ... خطوتان للموت"، وشيخة مبارك الناخي نص "أنامل على الأسلاك" من مجموعتها "الرحيل"، وإبراهيم مبارك نص "رجل صدره غربال" من مجموعته القصصية "خان"، كعيّنةٍ لا انتقائية وعشوائية من عيّنات الخطاب السردي الإماراتي، نجد أن الكاتب يحضر بقوة في تشكّلات لغته السردية وبنيتها القصصية من خلال مجموعة دلالات تبرز للقارئ بغير جهد. وفي ذلك تتأكد لنا ميزة اعتماد الكاتب القصصي ذاته على أشكال السرد اليومي المعبّر عن ذوات البشر العاديين القلقة المجرّبة، وهو واحدٌ منهم، ولا يخرج عن أطوارهم الغريبة في الواقع والحياة.

فنص "رجل صدره غربال" لإبراهيم مبارك يحمل مضموناً سردياً متميزاً، أشار فيه الكاتب إلى واقع اجتماعي شهد ظلماً لاحقاً "بشمسة" في عملية اغتصاب ثم قتل تعرضت لها على يد ابن السيدة القاتل الآثم، الذي لم يبالِ إلا برغباته التي وضعت حداً لحياة شمسة البريئة النضرة، وما حصل لأبيها بعد عودته من رحلته الطويلة في البحر، وقتله بالرصاص على مدخل قصر "السيدة"، وكأن القاص يحتال على القارئ في الجمع ما بين حادثة قرأت عنها بطلته في الجريدة، وواقع الحادث الذي تعرض له "خلفان" ما أدى إلى وفاته، تاركاً تساؤل الحب معلقاً في البيئة المحلية المتأرجحة ما بين قتلٍ مزاجي يقوم به ابن السيدة، واستعادة حميمة للرحلات الآمنة على ظهور الإبل من الساحل إلى العين، الهيلين القطارة، وصولاً إلى الجيمي.

ويتمثل "الكاتباوي" في هذا النص في مجموعة استحضارات لغوية ودلالية معاً، لأسماء أناس حقيقيين: "شمسة"، "خلفان"، "أرشد خان"، "زعفور"، "باروت ولد رصاص"، "سيف"، و"أحد الآسيويين"، وأماكن مرتبطة بنباتات وكائنات من بشر وحجر وشجر، كما "بساتين النخيل"، "القرية"، "البيت الكبير"، "مدينة غريبة الطرقات، المحلات التجارية، المطاعم"، "الصحراء"، أشجار الغاف"، "العين"، "الهيلي"، "القطارة"، "المعترض"، و"الجيمي".

كما نجد أنّ نص "أنامل على الأسلاك" لشيخة الناخي يقع في إثارة اجتماعية لقضية القطيعة والجفاء بين الأزواج، وما تشهده العلاقات الأسرية من تداخلات يقيمها الحاسدون والوشاة في سردية اجتماعية واقعية تقوم على التسجيل والرمز إلى انتصار المشاعر الإنسانية وقيم الأبوة والمودة، فالزوج يقدم على تطليق زوجته والارتماء في أحضان أخرى، ثم يستيقظ فيه شعور الأبوة بعد سنين من زواجه الثاني، فيعود إلى بيته الأول متأثراً بصوت ابنته على سماعة الهاتف، كأنها كانت تناديه ليعود، أو كانت تعيد بهمسها بناء علاقة الثقة والمودة التي جمعت أمها وأباها ذات يوم.

وصورة "الكاتباوي" في نص شيخة الناخي ينتمي إلى المباشرة الواقعية، في غايات إيصالية تواصلية، تقصد البحث في علاقات الأنثى الإماراتية بخاصة، والشرقية العربية بعامة، مع الذكر الذي يتوزع بين علاقات سلطوية قامعة تبحث عن تحقق اللذة والرغبات دون اهتمام بحق زوجة ارتضته شريكاً لحياتها، فتركها وابنتها عندما التقى غيرها، في بحث الكاتبة الراوية بتاء التأنيث الحاضرة في كل الأفعال المسندة لبطلة القصة، في قراءة ماضوية عميقة لفعل وحضور الذكر العربي في المجتمع والحياة، والقصة، واستدراج الشخصية إلى غايات أنثوية رقيقة وحاسمة، تعيد الزوج إلى صوابه، كأنها رسالة الكاتبة إلى الرجل، ودعوتها إلى مصالحة مع الذات والتاريخ.

أما نص "طويرة الجنة" لناصر الظاهري فيمثّل تقنية عالية في السرد، وتميزاً في طرح موضوع صراع النفس البشرية بين الحلال والحرام، والخجل والرقة والغلظة والوقاحة، في مسيرة حياة بطل القصة "ولد مريم"، صاحب الكلاب والحمام والقطط، الذي وقع في حب "نيتو" وجرّب الحب الأول على طريقته البريئة، قبل أن يزداد سمنة وهما معيشياً يومياً محوره عملٌ رتيبٌ وزوجةٌ ذات شحم وخدم وحشم، قبل أن يترهل وتحبل بطنه ليتدحرج في مشيته ويفقد صفة "طويرة الجنة" ليصير من أعوان إبليس، الذين دلوه يوماً إلى صندقة "نيتو".

وهذا النص يمثّل نظرية "الكاتباوي" الذي يجمع بين الكاتب والروائي معاً، في تقمّص الكاتب شخصية أبطاله أو انعكاس شخصيته في هؤلاء الأبطال، وإن ظهر ناصر الظاهري أقدر من غيره على دفع قصته وأحداثها إلى انزياحية عامدة، تكتب النص مستعاراً ومجازياً من خلال تعبيره في البنية اللغة، والبنية الدلالة، للقصة بحرفية واضحة لا تقبل الشك، فناصر الظاهري يكتب عن بيئة روائية متخيلة لكنها في الحقيقة تجمع بين بيئتي الإمارات والهند، فالبطل "ولد مريم" هو ابن البيئة المحلية، التي يعيش فيها، ثم يسافر منها إلى الهند، في رحلة شهر عسله التي يقضيها في مدينة يذكرها الكاتب بالاسم، هي "بومباي"، واللهجة المحلية التي ينقلها الكاتب بحرفيتها تكشف عن تلازم مسار الكاتب والراوي في الحكاية، في قوله على لسان المسنين الكبار في حديثهم عن بطل قصته "ولد مريم": "ما ندري على من طلع ولدك هذا، والله ما شابه عمه، تحيدون يوم فلح واحداً رطبهن شافه يسرقها من نخله، حرام لو أنه ولدك جان قام وجد له عذج".

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا