![]() |
شعر مترجم |
محنة الاسم الفني في الوسط الغنائي العربي محمد سعيد الريحاني - المغرب
في كتابنا "الاسم المغربي وإرادة التفرد" (الصادر سنة 2001) والذي اعتبر أول دراسة سيميائية للاسم الفردي العربي، حددنا الأنواع الخمسة للاسم الفردي: *الاسم الفردي القانوني: ويخضع لسبع ضوابط صارمة دينية وقطرية وجهوية ولغوية ومجالية وجنسية وطبقية قبل أن يأخذ حلته النهائية ويخرج إلى المجتمع في شكل معجم إنساني إيجابي مستمد من "حب الحياة". *الكنية: يرمز للتعظيم والتكبير داخل المجموعة (أبو عمار، أم كلثوم). *اسم التصغير: ويستخدم للتودد أو للتحقير حسب الأوزان المستخدمة لنقل الغرض من التصغير. *اللقب: يطلقه الآخرون على الملقب بدافع عدائي. واللقب، لهذا السبب، مبني على معجم سلبي عدائي. *الاسم المستعار أو الحركي أو الفني: يطبعه الفرد لنفسه، عكس كل أشكال التسمية الأخرى. ويرتبط هذا الاسم الفني بمشوار فردي معين وهو يتقصد فصل الاسم الحقيقي عن الاسم الفني. أي، فصل الجانب التلقائي عن الجانب المسؤول والفاعل والمدروس من الشخصية. إن الفنان حين يفكر في حمل اسم فني، فهو يفكر في عدم المقامرة بكامل شخصيته أمام جمهور يتخوف منه. ولذلك، فهو يراهن بجزء من شخصيته فقط: تلك التي عنوانها هو "اسمه الفني"، أو اسمه المستعار. لكن، في بعض الأحيان، تتدخل دور الإنتاج لتقترح أو تمنح أسماء فنية لفنانين إما لأن أسماءهم الحقيقية ذات نبرة غير جميلة أو ذات إيحائية سلبية... إذا كان الاسم الفردي القانوني "يفرض" على المرء في غيابه (=في طفولته)، وإذا كان أولياء الأمر المسلحين ب"سلطة التسمية" تفرض عليهم هم أيضا سلطة عليا هي سلطة المحددات السبع للتسمية (المحدد القطري والجهوي والمجالي والطبقي والنوعي واللغوي والديني) فضلا عن إجبارية المعجم الإيجابي... فقد ابتكر الإنسان، لإثبات ذاته، أشكالا اسمية مغايرة يطغى عليها طابع "الاختيارية" في مقابل "قدرية" الاسم الفردي القانوني. فهل يعكس الاسم الفني لدى الفنانات والفنانين العرب هذه "الاختيارية"؟ هل يعكس الاسم الفني العربي وعيا رمزيا مؤطرا يجعله بوابة لفلسفة الغناء لدى حامليه؟ І)- خريطة الأسماء الفنية العربية: أ)- الاسم الفني لدى فناني الأغنية العربية الكلاسيكية: عرف الاسم الفني في الأغنية العربية الكلاسيكية أشكالا من التصرف الإسمي. فبينما أخلصت الغالبية للشكل الظاهري للتسمية القانونية مثل عبد الحليم حافظ وفايزة احمد وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدوكالي… التجأ البعض الآخر إلى الاحتفاظ باسمه الفردي مضافا إلى جنسيته فكانت علية التونسية ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية وسعيد المغربي… أما الصنف الثالث، فكان مغايرا للنمطين السابقين سالكا مسلك الكنية (أم كلثوم) أو طريق الاسم الأجنبي (أسمهان) أو سبيل النعث (طروب) أو أسماء الجواهر واللآلئ(فيروز)… الاسم الفني في الأغنية العربية الكلاسيكية وضع لبنة أساس في البنية الرمزية العربية لكنها لم تعرف إضافات تذكر بعد الفترة الكلاسيكية. فالقواعد التي وضعها الرواد بقيت هي هي: قدس الأقداس. فلم تعرف الأسماء الفنية بعد الفترة الكلاسيكية خروجا على المألوف أو انزياحا عن القواعد اللسانية.
ب)- الاسم الفني لدى فناني الأغنية المغربية: في المغرب، يتلون الاسم الفني باللون الموسيقي المصاحب لمشوار صاحبه الفني. هكذا، ففي فن الكناوي، مثلا، يبدأ الاسم الفني بالضرورة ب"المعلم": المعلم باقبو، المعلم زوزو... وفي فن العيطة، يبدأ الاسم الفني للمطربة ب"الشيخة": الشيخة خربوشة، الشيخة الحمونية... وفي فن أحواش وأحيدوس، يبدأ الاسم الفني للمطرب ب"الرايس" أو "الرايسة": الرايس الدمسيري، الرايسة تابعمرانت... وفي فن الراي، يبدأ الاسم الفني للمطرب ب"الشاب" أو "الشابة": الشاب كمال، الشاب بلال... وفي فن الشعبي المغربي، يطغى على الاسم الفني للمطرب الانتماء الجغرافي فيقترن الإسم الفردي بمدينة مسقط رأسه: بوشعيب اليبضاوي، فريد القنيطري، محمد المراكشي... وفي فن الملحون، يبدأ الاسم الفني للمنشد ب"الحاج": الحاج بوزوبع، الحاج التولالي... الاسم الفني في الأغنية المغربية، كما يظهر من خلال الخريطة الموسيقية أعلاه، يخضع لسلطة النوع الموسيقي. لكن المجموعات الشعبية التي رأت النور في السبعينيات من القرن العشرين ساهمت إلى حد كبير في تغيير المعادلة إذ أخذوا من كل الفنون مقاماتها وأدواتها الموسيقية وبذلك تحرروا من سلطها جميعا ولم يعودوا أسرى أي نوع موسيقي. هكذا ظهرت مجموعات ناس الغيوان والمشاهب وإيزنزارن وجيل جيلالة والسهام... ج)- الاسم الفني أكثر شيوعا لدى المطربات منه لدى المطربين: الاسم الفني أداة لإخفاء الهوية الحقيقية مع الإبقاء على صلاحية توقيع وامتلاك عمل فني بعينه. ومادام الهدف اللاشعوري من اللجوء إلى الاسم الفني هو فصل الاسم الحقيقي عن الاسم الفني خوفا من المغامرة بكل الشخصية أمام الجمهور مراهنا بجزء من شخصيته فقط، فإن الاسم الفني يكاد يكون خاصية أنثوية بامتياز. فبينما يتقدم اغلب المطربين الذكور بأسمائهم الحقيقية، تتقدم أغلب المطربات بأسماء فنية: فاطيما، طروب، لطيفة التونسية، أسمهان، فيروز، سميرة سعيد(بدل سميرة بنسعيد)... IІ)- خاصيات الاسم الفني في الأغنية العربية: يتميز الاسم الفني العربي بالخاصيات التالية: *الحضور الطاغي للمحسوس: وهو ما يؤكد المرحلة الطفولية التي لا زال يبرحها الاسم الفني العربي في مقابل الحضور الواضح للتجريد للاسم الفني في الأغنية الغربية. *الحضور الواضح للانضباط اللغوي والإملائي في الاسم الفني في مقابل تجريب الاسم الفني في الغرب للخطأ النحوي أو الإملائي أو المعرفي أو غيره من الأخطاء تكريسا للحق في الخطأ والحق في الاختلاف... مثل كل الأشكال الثقافية العربية، للاسم الفني العربي سقف يصعب اختراقه. شانه في ذلك شأن السينيما والمسرح والرواية وغيرها... فالانضباط للسلط اللا محدودة في الحياة اليومية هو نفسه يتكرر في الحياة الفنية التي من المفترض أن تكون أداة تحررية! III)- خاصيات الاسم الفني في الأغنية الغربية: الأسماء الشائعة في بداية الاسم الفني عند الغرب بعد ثورة موسيقى وثقافة الروك أند رول كانت تخضع لنفس المعايير التي مر منها الاسم الفني العربي في المرحلة الكلاسيكية. ولعل أهمها الانضباط للقواعد اللغوية لكن مع ميل واضح لمعجم ثوري جديد:
ثم بدأ الوعي بقيمة الاسم الفني ينمو فتطورت أشكال صياغته حتى أضحى الاسم الفني مفتاحا لفلسفة الغناء لدى حامله. ومن بين القواعد اللانهائية المنظمة للاسم الفني الغربي بعد ثورة الروك اند رول ، يمكن رصد القواعد التالية التي تظهر بجلاء تمردا واضحا على المعنى وخروجا بينا على المألوف: التسمية بالعناوين:
التسمية بالنعوت:
التسمية بالإسم الشرقي:
التسمية بنعوت الإقصاء والتهميش والنبذ:
التسمية بأسماء خاطئة إملائيا:
التسمية بأفعال الأمر:
التسمية المتناقضة داخليا:
التسمية بالجمل الفعلية:
التسمية بأشباه الجمل:
التسمية بضمائر الغائب:
التسمية برموز غير مفهومة أو معروفة:
VІ)- تركيب: لأن مبدع الأغنية (=الملحن) والموزع والشاعر يبقيان خاج خشبة العرض وبعيدا عن المايكروفون، فقد كان طبيعيا أن يلجا المطرب إلى استعمال الإسم الفني وهو يواجه لوحده الأضواء والجمهور وإكراهات العرض المباشر... لكن تحت أي شعار؟ وبأي مقياس؟ ولأي هدف؟... باستثناء الثورتين، الأولى التي قام بها مطربو "الراي" الجزائريين ضدا على أستاذية شيوخ الغناء الكلاسيكي الملتزم (الشيخ العنقا، الشيخ إمام...) فأعلنوا أنفسهم شبابا باعثين لموسيقى شعبية من تحت الرماد فكان الشاب مامي والشاب حسني والشاب خالد... والثورة الثانية التي قامت بها المجموعات المغربية في السبعينيات من القرن الماضي، يصعب ذكر حالات مشابهة على طول الخريطة العربية. ذلك أن الوعي بالقيمة الرمزية للاسم الفني تفصح عن وجود فلسفة غنائية تؤطر المطرب أو المجموعة الغنائية وتميزها. وهذا ما يضيع منا بضياع الوعي بأهمية الاسم الفني. محمد سعيد الريحاني باحث وقاص ومترجم مغربي (هذا المقال هو الفصل العاشر من كتاب "رهانات الأغنية العربية" قيد الأعداد للطبع)
|
|
|
![]() |
![]() |
|