ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

إشكالية قصيدة النثر بين المفهومين الغربي والعربي

د. فارس الرحاوي – العراق

 

انطلاقا من التعاريف الجديدة للشعر ومفهومه ، والتمييز بين ما هو شعر وما هو ليس بشعر ، لا من اعتبارات اللعبة اللغوية ، ولا من مفهوم المقابلة ، من ان ما ليس هو شعرا ، إنما هو نثر . ولكن من اعتبارات شعرية الشعر ، أو شعرية القول ، وإمكانياته في تحقيق كماله (الشعري) ، وفق المعايير الجديدة للشعر ، وما تحققه بكونها نظاما ، يشكل العلاقات الخارجية والداخلية للنص ، وبما يضمن له ان يؤسس لنفسه في ان يكون شعرا لا غير .

لقد كانت النظرة التقليدية التي تميز بين الشعر والنثر تقوم على اعتبارات الوزن ، أو الوزن والقافية كحد فاصل بينهما . وكان هناك من يرى ، واعتبارا من التعريف القديم للشعر على انه كلام موزون ومقفى ،فان هذين الاعتبارين كافيان للتفريق بينهما ، في حين نظر القسم الآخر من النقاد إلى ان هذا الحد لازم ، لكنه غير كافٍ ، فاشترط في الشعر توافر عناصر أخرى ، إضافة إلى الوزن والقافية([1]) ، فاذا خلا من هذه العناصر الأخرى ، واكتفى بعنصري الوزن والقافية فانه لا يعدو ان يكون نظما ، وليس شعرا ، كما انه لا يعتبر نثرا ، وعلى هذا الأساس لم يعتبروا ما يسمى بالنظم التعليمي شعرا مكتملا بمواصفات الشعر الأخرى ، كما لم يعتبروه نثرا لتوافر عنصري الوزن والقافية فيه .

ولما كانت اللغة ، فعلا يتوازى مع حركية الحياة الإنسانية ، فيمارس الإنسان فعله في اللغة ، فان اللغة بوجودها الحي ، هي "فعل يحيل إلى الواقع ، ويعرف بكونه يمارس على ارضه" ، لذا ، يمكن ان تصبح اللغة مشاعا إنسانيا لاحتمالات التغيير ، والانبعاث ، والانبجاس من حيويتها ، لتجاوز أي فعل مكرر ، أو مسعى مبتدل ، أو نمط سائد معزول عن القيم المتغيرة والمتجددة في الحياة . ولعل هذا ما يجعل ان كثيراً من الأفعال تبدو وكأنها "فعل مشوه ، لا تسمح ممارسته أن يكون ذا فعاليةٍ تذكر ، قياساً بالأفعال المتكاملة التي تتعلق بالإنسان والتي هي ذات مساس مباشر بهيئته التي يوصف بها تحركه".([2]) 

وهكذا بدأت المحاولات الجادة لتجاوز النمطية السائدة لا في كتابة الشعر ، وحسب ، ولكن في استخدامات اللغة نفسها ، باعتبارها أداة ووسيلة لكل العناصر المكونة للنص
الأدبي . ولربما نتلمس تلك الجدية في محاولات وممارسات الشعراء المهجريين والتي بدت في كتابة الشعر بصفة عامة ، ومنه الشعر المنثور . وقد تمثلت بروائع جبران خليل جبران ، وميخائيل نعيمة ، وأمين الريحاني ، وغيرهم . وان كان جبران ونعيمة قد مارسا كتابة الشعر الموزون ، الا ان موهبتهما جعلت من فنهما الجديد على مستوى الشعرية يفوق مستوى شعرهم الموزون . في حين كان امين الريحاني في محاولته لم يرد لهذا الشعر ان يتحرر من الوزن بشكل مطلق ، وانما كان يسعى إلى ان ينطلق من قيود الوزن التقليدي ، على ان يكون للشعر وزن جديد ، كما كان يسعى إلى ان يتحرر الشعر من تحكم البحر الواحد في
القصيدة
(
[3]) .

ان ما تقدم كان تأسيسا لإنطلاق أدب جديد ، يتحرر من كل القيود التي لازمته طوال قرون عديدة ، كان تأسيسا لشعر جديد ، ونثر جديد ، لهما القدرة على الاستجابة لأية فعالية جديدة ، شعرية كانت أو نثرية ، بحيث لا تنحصر هذه الاستجابة في وظيفة حياتية معينة ، أو مقيدة ، أو محدودة ، الأمر الذي يجعل هذا التأسيس حركة هامشية ليس لها دور . وانما ما يستوجب في هذه الاستجابة ، ان تكون طريقا في الكشف عن كل بنية من بنيات النص ، وان يبقى النص معها قابلا للتفاعل ، والنمو المستمر ليحقق وجوده وفعله في الحياة .

لذا ، كانت الرغبة في تأسيس أدب جديد ، واظهاره بمظاهر جديدة متوافقة مع روح العصر ، والتقدم الحاصل فيه ، تقوم على الفهم الحي للنمط الكتابي ، ايا كان نوعه ، وهدفه ووظيفته ، ولما كان ادونيس يرى الشعر على "انه رؤيا ، والرؤيا ، بطبيعتها قفزة خارج المفاهيم القائمة . هي اذن تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر اليها" ، على المستوى العلائقي في الشعر منه ، خارج مفاهيم التركيب ، أو الصيغ التقليدية المؤسسة . لذا ، يبدو الشعر بهذا الوصف عند ادونيس . "تمردا على الاشكال والطرق الشعرية القديمة ، ورفضا لمواقفه وأساليبه التي استنفدت أغراضها"([4]) . فغلقت على الشعر ابوابه في تشكيل العلاقة بين الذات والموضوع ، وبين الذات والوجود ، تلك العلاقة التي يبحث عنها الشعر الجديد .

ولقد كانت قصيدة النثر أنموذجا حيا لهذا التمرد على الأشكال والطرق الشعرية التقليدية ، ومع محاولات كثيرة قد جرت قبل بزوغ فجر قصيدة النثر ، تمثلت بالشعر الحر القائم على التفعيلة ، وقبله قصيدة البند ، ومن ثم الشعر المنثور ، الا ان قصيدة النثر كانت تكملة للثورة الشعرية التي أحدثتها قصيدة الشعر الحر والشعر المنثور في الساحة الثقافية العربية ، مع اختلافات النمط والمغايرة في الوزن وطريقة الكتابة .

لقد سعى ادونيس إلى تشكيل هذا الأنموذج – قصيدة النثر – عن طريق الانقلاب الذي يصفه في اكثر من مكان (بالثوري) ، من اجل ان يكون صياغة جديدة ، تعتبر في كل معطياتها منحى جديد ، وتمردا على النمطية السائدة في الشعر التقليدي ، والتي تعتبر ان صياغة التعريف القديم للشعر ، انما هي "عبارة تشوه الشعر . فهي العلاقة والشاهد على المحدودية والانغلاق . وهي إلى ذلك – (أي التعريف القديم للشعر) – حكم عقلي منطقي"([5]) ، يقوم على ثوابت لا تسمح بالتغيير ، أو التحول عنها .

ان الانقلاب (الثوري) الذي ركز عليه ادونيس ، ينطلق من فكرة ، ترى "الشعر كشفا ورؤيا ، غير منطقي ، لذا ، فهو يعلو على الشروط الشكلية للشعر التقليدي ، وهذا ما يدعو الي مزيد من الحرية ، التي تجعل الشكل يمحي امام أي قصد أو هدف ، من اجل البحث في وظيفة الممارسة الشعرية التي تعتبر طاقة ارتياد وكشف تتجاوز في قدرتها الاشكال المؤسسة"([6]) . حين ارتبط الشكل فيها بالوزن ، في الوقت الذي لا نرى أي علاقة حقيقية ، أو جوهرية ، تجمع بينهما ، باعتبار ان الوزن هو مجرد قالب ثابت في أي قصيدة ، أو شعر . بينما الشكل متغير لا بتغير الوزن ، وانما بتغير الحالة الشعرية لدى الشاعر ، وقدرته على الخلق والإبداع .

ومن هذا المفهوم كانت الحاجة ملحة للبحث عن شعر جديد ، خارج النمطية المألوفة ، لا في البيت الشعري التقليدي المؤسس ، ولا في نمط الشعر المنثور ، ولكن البحث عن ممارسة شعرية جديدة ، تفتح للشاعر مجالا لانبعاث طاقته الكامنة في القول الشعري ذاته ، تنطلق من اعتبارات أساسية في طريقة استخدام اللغة كمقياس أساسي في التمييز بين الشعر والنثر ، طريقة يمكن من خلالها ان يحيد الشاعر باللغة عن معايير طريقة استخدامها العادي ، ان كان في التعبير أو في الدلالة ، بحيث يبدو وكأن الشاعر يضيف للغة طاقات اخرى تمكنها من الإثارة ، والمفاجأة ، والدهشة ، وليصبح فيما يكتبه ، أو يقوله شعرا خارج المفهوم السابق المتعارف عليه في الشعر ، ويصبح كل ما يقوله يشكل في قوامه ظاهرة تخضع لها اللغة وقواعدها([7]) .

لقد بدا هذا التأسيس لمفهوم جديد للشعر عند ادونيس واضحا منذ البدايات الاولى في كتاباته ، وتنظيراته ، حين نشر في مجلة شعر ، صيف عام 1959 دراسته المشهورة "محاولة في تعريف الشعر الحديث" ، والتي يمكن ان نعتبرها ملمحا اوليا في تشكيل قصيدة النثر ، إذا ما قورنت مضامين هذه الدراسة مع مطروحات سوزان بيرنار في كتابها الذي يحمل عنوان "قصيدة النثر من بودلير إلى ايامنا" ، فضلا عما كتبه في ذلك الوقت عن قصيدة النثر بالذات ، مبشرا بها .

لقد ظهرت قصيدة النثر نتيجة لعوامل كثيرة ، كانت مشجعة لها ، وهي عوامل مباشرة وغير مباشرة . فقد ذهبت بعض الآراء إلى مديات تأثير التراث العربي
والإسلامي ، فاعتبرت هذه القصيدة نتاجا ، وابداعا متواصلا معه ، ولربما يتلمس الدارسون لهذه القصيدة اثر المتصوفة بوجه خاص على شعراء هذه القصيدة ، من خلال التعبيرات الصوفية التي عبرت عن سخطهم ، ومعارضتهم للسلطة الدينية والسياسية التي كانت سائدة في زمنهم ، ومقدار تدخلها في أمور الناس وحياتهم العامة ، فكان التعبير الصوفي المتنفس الذي صدر عن نفس تشعر بالوجد والمكابدة ، فضلا عن الوحدة ، التي يعيشها الصوفي ـ وما يؤسر حياته وقوله الصريح . فقدم هؤلاء الشعراء الصوفيون رؤيا جديدة للكون
والوجود ، يلتمس فيها وجوه التغيير للواقع السائد ، وهذا الأسلوب يشترك إلى حد ما مع قصيدة النثر ، في كونه أسلوبا مكثفا ، اذ ان مجمل  تراكيبه اللغوية والتعبيرية ، تعتمد على الرموز الايحائية ، وعلى تداعيات الصور الخلاقة ، والمعاني الحية المكبوتة في النفس الصوفية ، فتبدو ذاتيتها بملامح (انسانية) .

ان هذا الأسلوب لم يكن اغترابا ، ولم يكن تعبيرا عن العجز الحياتي الصوفي مع الآخرين ، وانما كان انعكاسا حقيقيا لكمال التجربة الصوفية ، وصفائها ، وتفائلها ، وتعبيرا عن خواصها الذاتية ، في الوقت الذي بدت فيه هذه التجربة لدى الشعراء اكثر موضوعية([8]) . باعتبار ما تتماثل به تجربة الصوفي ، وتجربة الشاعر الحديث ، وموقفهما من العالم ، وبما يمثل هذا الشعر في صيرورته الحياتية التي هي في اقل وصف لها "هي وحدة انصهار اصيل" يطمح الشاعر من خلالها ان ينقل عبر شعره "شعورا أو تجربة أو رؤيا"([9]) ، كما يسعى لان يكون شعره نبوة ورؤيا للخلق والإبداع ، وتفجيراً للعوالم المغلقة ، وفتحها لتخطي الواقع ، وتغيير نظام الأشياء ، ونظام علاقاتها ، وذلك عندما يكون الشعر خرقا للعادة ، على حد التعبير الصوفي لابن عربي ، باعتبار ما يمتلك من قدرة على تغيير النظر إلى العالم([10]) .

لكن هذه المواصفات ، وهذه اللقاءات بين قصيدة النثر (كتابة) ظهرت في الثقافة العربية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وبين الكتابات الصوفية ، أو الشعر الصوفي لا يعني انها قصيدة عربية بالمعنى الدقيق ، فقد صرح ادونيس ولاكثر من مرة بان اصل هذه القصيدة يرجع إلى الأدب الغربي ، وان البدايات الأولى لتكوينه النظري عنها ، لم تشر إلى المكون الصوفي في هذه القصيدة ، باعتباره مرجعا في طريقة الكتابة ، أو حتى في التسمية ، وانما ما ذهب اليه ادونيس ، ولا يزال يؤكد عليه ، بأن قصيدة النثر هي "تسمية مرتبطة ، على نحو مباشر ، بشكل من الكتابة الشعرية ، فرنسي تحديدا ، ولهذا الشكل نموذج اولي بدأه الشاعر لويس برتراند (1807 - 1841) … وترك مجموعة باسم "غاسبار الليل" وهو شكل تبناه ، فيما بعد ، بودلير (1821 - 1876) … وتبعه آخرون كثيرون"([11]) .

ان هذه الإشارة الادونيسية كانت دليلا على التواصل الثقافي العربي مع الغرب ، بالقدر الذي يقرره ادونيس في (غربية) قصيدة النثر ، وذلك لاننا لا يمكن ان نتوافق في تقبل هذا النموذج ، لو لم يكن له اصل ، أو جذور متماثلة مع الإبداع العربي ، ومع الذائقة
العربية ، بل وحتى مع الهاجس العربي المتشبع بالتراث الاسلامي ، ثم ان التراث الصوفي ومنذ ان بدأ ، لم ينقطع في كل حلقاته عن الحاضر الانساني العربي ، وهذا ما يعني ان الحركة التواصلية العربية بالصوفية العربية بقيت مستمرة والى الان ، ولربما ، ما تأثرت به الثقافة الغربية ، استرجع نفسه اثرا في الثقافة العربية ، لذا ، لا يمكن اعتبار قصيدة النثر هي نقل حر في لقصيدة النثر الغربية بكل مكوناتها ومواصفاتها بدليل ان كتاب قصيدة النثر ، ومهما حاولوا ان ينقلوا هذا النموذج (الغربي) على رأي ادونيس ومن تبعه في الرأي ، الا ان ملامح الفكر العربي ، وخيالاته ، وشحنه بالرموز الايحائية من التراث العربي ، أو الإنساني ضمن التاريخ الجغرافي للوطن العربي بقيت دلالات واضحة على التلاقح الثقافي العربي مع هذا الأنموذج الغربي (حديثا) . وهذا ما يوحي بأن قصيدة النثر تسعى "بالانفتاح على العالم ، وخلق عوالمها المليئة والجديدة … ويبدأ شعراؤها بصقل تجاربهم وتعميقها . فكأن العالم
كله : ماضيه وحاضره ومستقبله ، هو ساحة الشاعر ، يبحث فيها عن وجوده ويطرح
الأسئلة"
(
[12]) .

ثمة عوامل رئيسة كانت ممهدة لظهور قصيدة النثر في الواقع الثقافي العربي ، ذكرها ادونيس في دراسته لقصيدة النثر ، تبعا لتحليل واقع الثقافة العربية السائدة ، ومحاولات انبعاث ثقافة عربية جديدة ، تتواصل فيها مع الثقافة العالمية ، وباعتبار ان الثقافة العربية السائدة ان هي الا ثقافة تستهلك نفسها بالاجترار والتكرار ، من التاريخ العربي وتراثه الماضي ، وذاكرته الثقافية فلم تستطع هذه الثقافة العربية ان تواكب مراحل التطور الثقافي الغربي ، ولم تستطع ان تمثل ولو إلى حد ما موقعها الإنساني ، وقد تلخصت هذه
العوامل بـ :

1- انعتاق اللغة العربية وتحررها .

2- ضعف الشعر التقليدي الموزون وانحطاطه .

3- التحرر من وحدة البيت والقافية ونظام التفعيلة الخليلي، وقد زاد هذا في تقريب الشعر من النثر .

4- نمو الروح الحديثة التي ترفض القواعد الصارمة النهائية والأشكال المسبقة .

5- اثر التوراة والتراث الأدبي القديم في مصر وبلدان ما كان يسميها انطوان سعادة "بالهلال الخصيب" .

6- اثر ترجمة الشعر الغربي على الثقافة العربية الحديثة .

7- ارتفاع مستوى النثر الشعري ، وهو من حيث الناحية الشكلية ، يمثل الدرجة الاخيرة في السلم الذي أوصل الشعراء العرب إلى قصيدة النثر([13]) .

ان هذه العوامل قد نجدها محررة بذات المعنى في كتاب سوزان بيرنار ، ولربما كان بعضها محصورا بين جماليات قصيدة النثر ، والمبدأ المزدوج لهذه القصيدة ، فقد ولدت هذه القصيدة "من رغبة في التحرر والانعتاق ، ومن التمرد على التقاليد المسماة "شعرية" وعروضية ، وعلى تقاليد اللغة ، وكان المطلوب انذاك فصل "الشعر" عن "فن نظم الشعر" ؛ وقد تم البحث في النثر عن عناصر شعر جديد تنسيق([14]) .

لقد وجد الشعراء المجددون في قصيدة النثر التي أطلق تسميتها وتنظيراتها ادونيس ، نقلا عن سوزان بيرنار مجالا رحبا لتحقيق طموحاتهم الفكرية والنفسية ، بعد ان كانت القصيدة التقليدية تمثل سجنا لهم في قالبية الوزن والقافية ، والنماذج المسبقة التي كانت تقيد حريته ، لا في طريقة التعبير ، وحسب ، ولكن في الفعالية التي كان يريد الشاعر الحداثي ان يمارسها ، من خلال الممارسة الوظيفية للشعر نفسه . لذا ، كانت "القصيدة النثرية تحمل دائما طموحات الفنان في التجديد والتغيير والتعبير وتساعده على كشف المجهول والعبور إلى المستقبل ، وتجعل الإنسان في مواجهة مباشرة مع التجربة واللغة وتضعه في موضوع حرج ، اما ان يكون شاعرا أو لا يكون"([15]) .

ولعل هذا الأمر ، أدى إلى ان يكثر السجال حول قصيدة النثر ، والاختلاف في كونها تمثل شعرا ام لا ، كما وقع الخلط في مصطلح هذه القصيدة ، ومفهومها . وقد رأى بعض الدارسين ان سبب هذا الخلط يعود إلى أمرين :

الأول : عد بعض الإبداعات الشعرية التي سبقت قصيدة النثر في
الظهور ، والتي تشبه إلى حد ما قصيدة النثر أو تقترب منها في بعض سماتها ، انها ذات القصيدة ، ولربما كان هذا ما يتمثل بالنثر الشعري  ، والنثر الفني ، والشعر المنثور .

الثاني- وجود تيارين للكتابة غير الموزونة ، تيار يتمثل بكتاب قصيدة النثر ، ومن رواده ادونيس وانسي الحاج شوفي ابي شقرا . وتيار اخر يتمثل بكتاب الشعر الحر الخالي من الوزن والقافية (Free Verse) وكان من ابرز رواده محمد الماغوط ، وتوفيق الصائغ ، وجبرا ابراهيم جبرا .

وقد عد المتأثرون برواد هذين التيارين ، ان هذين التيارين هما تيار واحد ، أطلقوا عليه "قصيدة النثر" ، وهو مصطلح اطلق على كل مادة غير موزونة ، ولكنها تدعي
الشعرية ، أو توحي بها
(
[16]) .

ان عدم وضوح مفهوم قصيدة النثر ، لم يقتصر على قراء الادب ونقاده من خارج التجمع الذي نادى بها ، ونعني بذلك تجمع شعر . فقد كان عدم وضوح المفهوم سائدا داخل هذا التجمع نفسه ، مما اثار جدلا كبيرا في بدايات عام 1958 م ، شارك فيه اعضاء التجمع ، حول كتابات محمد الماغوط ، فتوزعت الأحكام بين من قال بأن كتاباته ما هي الا نثر جميل أو عطاء جميل أو نثر رائع ، لكنه ما لبث ان حسم هذا الجدل في فترة تالية لعام 1960 ، حين لاحظ الشعراء والنقاد في ندوة "خميس شعر" ان قصيدة النثر تختلف عن النثر الشعري ، والنثر الفني وكذلك عن الشعر المنثور([17]) .

ولربما ، نتلمس عدم وضوح المفهوم ، بالشكل الذي يوحي بالقناعة التامة ، وبما توصلوا اليه ، واستقرارهم على ان قصيدة النثر تمثل شعرا ، بكل ما تحتويه شكلا ومضمونا وايقاعا من خلال المساجلات والطروحات التي اتسمت بالمقارنة حينا ، والتناقض حينا اخر ،  فادونيس الذي يدعي بأنه أول من أسس لهذا النمط الكتابي ، وبشر به ، نراه في عام 1960 م يقول : "ان كلمة "قصيدة نثرية" ليست سوى اصطلاح أريد التعبير به عن نوع من الأدب ليس هو بالنثر العادي كما انه ليس بالشعر ، بل هو في قالب نثري وروح شعرية ، فكانت من هنا تسمية "قصيدة نثرية" . ولكن هذا لا يمكن ان يعني ان القصيدة النثرية هي
شعر ، وانها قد حلت بالتالي محل القصيدة الشعرية ، فالشعر  شعر والنثر نثر"
(
[18]) .

وهذا ، بدءاً ، ما يؤكد بنفي قصيدة النثر عن توصيفها في قصيدة شعرية ، أو انتماءها إلى الشعر ، كما يؤكد في ذات الوقت انها قصيدة ذات توصيف نثري ، يتميز عن النثر العادي ، في كونه لا ينفي عن هذه القصيدة الشعرية ، التي يمكن ان يتميز بها كل من الشعر والنثر ، مع احتفاظ كل منهما بخواصه الكامنة والواصفة فيه .

ولكن السؤال الذي يثير الجدل من خلال هذا التوصيف الادونيسي ، ان قصيدة النثر ان لم تكن شعرا ، ولم تكن نثرا عاديا ، فماذا تسمى ضمن القالب النثري الخاص بها ، وملازمتها للروح الشعرية .. ؟

ان التوصيف الادونيسي لم يمنح (قصيدة النثر) وصفا دقيقا ، كافيا ، لتكون في استقلاليتها عن الشعر والنثر جنسا قائما بحد ذاته ، مع ان الذي يكتب هذه القصيدة يلازمه وصف الشاعر ، فكيف يسمى بالوصف من لا يكتب شيئا اسمه الشعر … !

واذا كان ادونيس يصف قصيدة النثر بانها "نوع من الأدب ليس هو بالنثر العادي" ، فكذلك هو الشعر وبمفهوم الشعر الحديث ، ليس هو الكلام الموزون المقفى ، والا كان شعرا عاديا ، لا يحمل من معناه الا اسمه .. !

ولعل هذه الفكرة دفعت ر. دوكورمون للقول بأنه "لا يوجد في الاصل الا نوع واحد هو القصيدة ، وربما صيغة واحدة هي الشعر ، لان النثر الجميل يجب ان يمتلك ايقاعا يحمل على التشكيك فيما إذا لم يكن غير النثر"([19]) ، ولعل هذا ما دفع بيرنار للقول بأن دوكورمون "كان يعطي لكلمة "قصيدة" بعد اكثر عمومية وشمولا ، ومعنى اقل حاجة إلى الدقة والحصر . واذا ما دفعنا هذه الفكرة إلى ابعد الحدود يكون بمقدورنا ان نرى الشعر في كل مكان (عدا الإعلانات والصفحة الرابعة من الصحف على حد تعبير مالا رميه) ، وان نرى قصيدة شويه في كل مؤلف جيد الكتابة"([20]) .

وهذا ما يحوي ، لبعض كتاب قصيدة النثر ، بأن التوصيف الادونيسي قد اوقع قصيدة النثر في ازدواجية الشعر والنثر على حد سواء ، فاصبح كل ما يكتب من نثر جميل ، يحسب البعض انه من قبيل قصيدة النثر ، بما تحمل من شعرية النثر لا من روح الشعر .   

بيد ان ادونيس عندما اراد ان يفرق بين النثر الشعري وقصيدة النثر ، بنى تفريقه على اساس ان النثر الشعري شيء وقصيدة النثر شيء اخر ، فيرى ان ما يميز قصيدة النثر عن النثر الشعري ، تمتعها بصفات خاصة ، أهمها : "الشكل المركز ، الإطار المحدود
المعين ، الالتزامات أو القيود الاصطلاحية . واذا قارناها بالنثر الشعري نجد ان النثر الشعري اطنابي ، يسهب ، بينما قصيدة النثر مركزة ومختصرة . وليس هناك ما يقيد ، مسبقا ، النثر الشعري . اما في قصيدة النثر فهناك شكل من الايقاع ونوع من تكرار بعض الصفات
الشكلية . ثم ان النثر الشعري سردي ، وصفي ، شرحي ، بينما قصيدة النثر ايحائية"
(
[21]) .

ان هذا التفريق قد منح قصيدة النثر وصفا دقيقا ، وشروطا لما يجب ان تكون عليه هذه القصيدة ، وكما عرفها أي . جالو (F. Jaloux) بانها "قطعة نثر موجزة من غير
إخلال ، موحدة ومضغوطة كقطعة من بلور تتراءى فيها مائة من الانعكاسات المختلفة" وأنها "خلق حر ، ليس له من ضرورة اخرى غير رغبة المؤلف في البناء خارجا عن كل تحديد ، وشيء مضطرب ، إيحاءاته لا نهائية .. "
(
[22]) .

ومع ان ادونيس قد وضع حدود كل نوع ، الا ان وصفه هذا لا يوحي بالحدود الفاصلة ، والمتميزة ، بين قصيدة النثر والنثر الشعري ، وانما هو وصف عام لكلا النوعين ، لا يمنع احدهما ان يكون بديلا عن الآخر الا في حدود سطحية ، بل ان الوصف الادونيسي ، لربما ، يقترب إلى حد ما ، من وصف خصائص الشعر الحر ، وبمفهومه الغربي، ووفق الآلية التي ارتكز عليها ادونيس .

لذا ، فان "اول ما يواجهه من يتصدى لدراسة قصيدة النثر Prosepoem في العربية هو ضبابية الخطوط الفاصلة بينها وبين الشعر المنثور Prosepoetry أو الشعر الحر Free Verse " . ويعزو على بعض العلامة سبب هذه الإشكالية ، أو هذا التشويش في عدم وضوح الحدود الفاصلة بين هذه الأنواع ، "إلى تباين المصادر الثقافية لقصيدة النثر أو الشعر المنثور من جهة ، والى تداخل النماذج الشعرية وضياع التمايز بينها من جهة اخرى"([23]) .

ان ظهور قصيدة النثر يمثل نقطة تحول على مستويين ، مستوى الشعر ، ومستوى النثر ، فهي على المستوى الأول ليست شعرا ، لكنها تمثل تنفسا شعريا لحالة شعورية ، وعلى المستوى الثاني ، فانها ليست نثرا عاديا ، متعارفاً عليه ، لكنها قصيدة نثر ، تمتلك في تركيبها النثري روح الشعر ، وتعبئته .

ولعل هذا ما جعل بعض النقاد يتصورون ، ان تطور الأساليب النثرية والشعرية ، قد "وصل إلى نقطة معينة بين الشعر والنثر . واستمرت الحالة حتى عصرنا الحالي ، خروج عن الشعر التقليدي ، واتجاهه نحو النثر ، وخروج عن النثر واتجاهه نحو الشعر . فعند نقطة الالتقاء بين الاتجاهين المتضادين تكون قصيدة النثر ….. وينتج عن ذلك خلق كتابة فنية واحدة ، والقضاء على ثنائية الشعر والنثر الفنية"([24]) .

                        *      *      *     

عند مراجعة الوصف الادونيسي لقصيدة النثر ، ومنحها خصائص ومميزات ، تمثلت بالشكل المركز ، والإطار المحدد المعين ، … الخ ، كل ذلك ينطبق على مفهوم الشعر
الجديد ، أو الحداثي بصورة عامة ، ولربما يتبين ذلك من خلال التعاريف الكثيرة لهذا
الشعر ، والتي اوردها ادونيس في كتابه "زمن الشعر" على وجه خاص ، فقد حدد الشعر الجديد بأنه :

"الشعر الجديد معنى خلاق توليدي ، لا معنى سردي وصفي"

"الشعر الجديد نوع من المعرفة التي لها قوانينها الخاصة في معزل عن قوانين العلم"

"الشعر الجديد ، … هو ميتا فيزياء الكيان الإنساني"

ولكي لا يكون الشعر الجديد سرديا ، وكذلك قصيدة النثر ، فان الشعر الجديد :

"يتخلى عن الحادثة ، إذ ان هناك تنافرا بين الحادثة والشعر"

"ولأن الشعر الجديد يتخلى عن الحادثة ، فهو يبطل ان يكون شعر "وقائع" ، أو شعرا "واقعيا" بالمعنى الشائع لهذه الكلمة إذ يصبح الشعر "واقعيا ، يقترب من النثر العادي … "

"ان القصيدة العظيمة حركة ، لا سكون"

ولكي يكون الشعر الجديد "رؤيا" حسب المفهوم الادونيسي ، فهو :

"يتخلى الشعر الجديد ، أيضاً عن الجزئية ، فلا يمكن الشعر ان يكون عظيما الا إذا المحنا وراءه رؤيا للعالم" .

"يتخلى الشعر الجديد عن الرؤيا الأفقية …"

اما بنائية الشعر الجديد ، كما يراها ادونيس :

"يتخلى الشعر الجديد عن التفكك البنائي .فنحن نرى في معظم القصائد المعاصرة تشققا في هيكلها ووحدتها"

اما من حيث الشكل الشعري ، فانه :

"ليس الشكل وزنا ، لكنه نوع من البناء . لهذا يبقى ككل بناء ، قابلا للتجدد والتغير"

"لم يعد الشكل مجرد جمال ، ففكرة الجمال بمعناها القديم فكرة باخت ، وربما ماتت . ان للفاعلية الشعرية غايات تتجاوز هذا الجمال"

"شكل القصيدة الجديدة هو وحدتها العضوية ، هو واقعيتها الفردية التي لا يمكن تفكيكها ، قبل ان يكون ايقاعا أو وزنا"([25]) .

ان ما ذكرناه من تعاريف ، وحدود ، وصفات للشعر الجديد تنطبق جميعها على مواصفات وخواص قصيدة النثر ، لذا ، لا نرى في المواصفات التي ذكرها ادونيس ، وخص بها قصيدة النثر فرقا جوهريا عن نمط آخر من الشعر ، ان كان موزونا أو غير موزون الا بمقدار الطريقة التي تكتب بها القصيدة ذاتها .

ولعل هذا ما جعل الكثيرين من الشعراء ، وهواة الشعر الذين كانوا يرون في الوزن أو الشكل صعوبة ، ان يتجهوا إلى كتابة قصيدة النثر دون وعي بحقيقة هذه القصيدة ، وخصائصها الجوهرية التي انبنت عليها قصيدة النثر الغربية ، حينما كان الشعراء الغربيون يفكرون "في البحث عن المجهول ، أو المطلق" ، وان هذا البحث لا يأتي بالاعتماد على قوانين الشعر القديمة وأشكاله ، ولا يأتي عن طريق المصادفة ، وانما كما ، يقول رامبو ، ان "اختراعات المجهول تطالب بأشكال جديدة "لا يجد الشعر ومكانه الا فيها ، باعتبار ما تحققه من حرية التعبير ، في الشكل والمنحى . لذا "سوف تكون قصيدة النثر شكل الشعر الجديد ذا الطموحات الميتافيزيقية ، ومن تلك الطموحات سوف تأتيه حيويته ، ووثباته الغضوب احيانا ، وبعض الإخفاق أيضاً – وعظمته"([26]) .

واذا قصيدة النثر الغربية لا يتعلق برد فعل ضد علم العروض
الكلاسيكي ، بقدر ما كانت ترمي إلى استغلال اكتشافات بيرتران الشكلية ، ومن ثم محاولة الجهود من اجل العمل على رد الفاعلية الكاملة للغة
(
[27]) ، فان قصيدة النثر العربية كانت ردا فعليا على استمكانات علم العروض الخليلي ، وشكل القصيدة العربية التقليدية . وهذا ما جعل الكثير من قصائد النثر العربية لا توحي بصلتها الحية ، بحقيقة هذه القصيدة ، غربيا . كما لم يعِ كتابها بالكيفية والطريقة العربية التي يجب ان تكتب فيها .

ولما كان التنظير لقصيدة النثر قد بدأ غربيا ، فقد استوجب من الشعراء أو من كتاب قصيدة النثر العربية ان يراعوا خواص قصيدة النثر العربية ، ففي الوقت الذي تحرر هؤلاء الكتاب من الوزن ، أو الشكل أو القافية ، كان عليهم ان يلتفتوا إلى جملة عناصر اخرى ، افترضتها سوزان بيرنار في تحليلها لقصيدة النثر الغربية ، ولعل اول ما فرضته ، هو الارادة الواعية للانتظام في (قصيدة) . وهذا يعني ان قصيدة النثر تتميز عن غيرها من الكتابات بالشروط التالية :

1- الوحدة العضوية المستقلة التي تميزها عن النثر الشعري .

2- فكرة المجانية التي تحددها فكرة "اللازمنية" . وتعني ان قصيدة النثر لا تتطور نحو غاية أو هدف ، كما هو الحال في الأنواع النثرية الأخرى كالقصة أو المسرحية وغيرها . ولا تعرض سلسلة من الأفعال أو الأفكار ، وهنا يمكن ان تظهر للقارئ "حاجة" وكتلة لا
زمنية .

3- الإيجاز ، ويعني ان تتلافى قصيدة النثر الاستطراد في الوعظ ، وكذلك التفصيلات التي تحولها إلى نثر عام ، وهذا ما يضر بوحدتها وكثافتها([28]) .

وقد اقتبس ادونيس هذه الشروط ،وهذه القواعد في دراسته عن قصيدة النثر ، وسماها "خصائص" ، من كتاب سوزان بيرنار ، وحددها بثلاث هي :

1- الإيجاز (الكثافة) .

2- التوهج (الاشراق) .

3- المجانية (اللازمنية)([29]) .

اما فيما يخص الوحدة العضوية ، فانه قد أشار إلى هذا الشرط ، متمثلا في وحدة القصيدة كبنية متكاملة اسمها (القصيدة) ، مستوحيا بذلك عبارات سوزان بيرنار ، فقال : "اما قصيدة النثر فذات شكل قبل أي شيء . ذات وحدة مغلقة ، هي دائرة ، أو شبه دائرة ، لا خط مستقيم ، هي مجموعة علائق تنظيم في شبكة كثيفة ، ذات تقنية محددة وبناء تركيبي موحد ، منتظم الأجزاء ، متوازن ، تهيمن عليه إرادة الوعي التي تراقب التجربة الشعرية ، وتقودها وتوجهها ، ان قصيدة النثر تبلور ، قبل ان تكون نثرا .أي انها وحدة عضوية ، وكثافة
وتوتر . قبل ان تكون جملا أو كلمات … " .

"ان قصيدة النثر عالم كامل منتظم ، جميع اجزائه متماسكة ، كاملة بذاتها ، وتحمل معناها وغايتها ، فلا يمكن ان تسمي صفحة نثر ، مهما كانت شعرية ، تدخل في رواية ، أو صفحات اخرى ، قصيدة نثر"([30]) .

لقد اختزل النثر الفني العربي ، في كتابات أطلق عليها أصحابها ، كما حسبوا ذلك انها "قصائد نثرية" ،في الوقت الذي قد لا تتجاوز هذه الكتابات هامشية النثر الفني العربي الأصيل ، ولعل ادونيس كان منتبها إلى هذه الكثرة مما تسمى بقصائد النثر عندما أشار اليها ، فقال : "ولعلنا نعرف جميعا ان قصيدة النثر ، وهو مصطلح اطلقناه في مجلة "شعر" ، انما
هي ، كنوع أدبي – شعري ، نتيجة لتطور تعبيري في الكتابة الأدبية الاميركية – الاوربية . ولهذا فان كتابة قصيدة نثر عربية أصيلة يفترض ، بل يحتم الانطلاق من فهم التراث العربي الكتابي واستيعابه بشكل عميق وشامل ، ويحتم من ثم ، تجديد النظرة اليه ، وتأصيله في أعماق خبرتنا الكتابية اللغوية ، وفي ثقافتنا الحاضرة . وهذا ما لم يفعله الا قلة . حتى ان ما يكتبه هؤلاء القلة لا يزال تجريبيا"
(
[31]) . اذ لم تبحث قصائدهم النثرية عما كان يبحث عنه الشعراء الغربيون ، "عن الغامض المجهول واللقاءات الغريبة والمجازات" ، بل لم يبحثوا عن الحرية بمعناها الكامل في الوجود ، ولا عن الشكل الذي يمتلك حرية اكثر ، وانفتاحا اكبر . كما لم يعِ كتاب قصيدة النثر العربية ، ان قصيدة النثر الغربية كانت "تسمح بتنافر الأصوات ، وفقد النبرة ، والسخرية على وجه الخصوص"([32]) .

ولربما يعزى سبب هذا القصور في كتابة قصيدة النثر العربية إلى الطريقة التي طرحت بها ، من قبل ادونيس وغيره ممن نظروا في كتابتها ، ودعوا أليها . فمما لا ينكر ان مجموعة المفاهيم التي طرحها كل من ادونيس وانسي الحاج "كانت كافية في حدود معينة ، لصياغة نظرية متكاملة ، أو شبه متكاملة ، حول "قصيدة النثر" . ولكن مما يضعف هذه "النظرية" ، ويؤثر تأثيرا مباشرا على تماسكها وصلادتها ، هو ان مفاهيمها مصوغة بلغة شعرية ، لغة هي ليست لغة فكر وتنظير"([33]) . وهذا ما جعل أي متلق لها ، مهووسا بنمط لا يعرف عنه الا وصفه الخارجي ، السطحي ، أو يمكن القول ، لا يعرف الا "زيه" ، وكأنه موضة جديدة .

في الوقت الذي كان كتاب قصيدة النثر ، وروادها كأدونيس وانسي الحاج ، على اطلاع كافٍ على كنه الطريقة الغربية التي كتبت بها هذه القصيدة . ودليل ذلك نجاحهم في النماذج التي قدموها لقرائهم . فضلا عن معرفتهم بالوزن وقيمته في القصيدة الموزونة ، فلم يكن اقدامهم على قصيدة النثر ضعفا منهم في معرفة الوزن ، أو ايقاعات القصيدة ايا كان نوعها .

ان الممعن في التركيب البنائي لقصيدة النثر ، يرى ان بنية هذا التركيب تقوم بالدرجة الأساس على الجوانب اللغوية ، لان ان (اللغة) ، وباعتبارها الهاجس الفعال المتحرك في هذه القصيدة ، يمكن ان تحقق لها صورها الشعرية المتميزة . وايقاعاتها المتنوعة الخاصة
بها . إذ انها لم تكتب كما يكتب أي نثر عادي . ولربما بسبب نمط كتابتها ، وكثافتها الخاصة بها ، اعطاها هذا النمط استقلالها ، بوصفها كيانا ، مستقلا ، ومنحها فرصة الوجود والاستمرار . فهي من جهة كانت اشارة ، واباحة لهدم قوانين الشعر المتعارف عليها بالوزن والقافية ، والشكل الواحد ، والإيقاع المتكرر ، والمتمثل بوحدة البيت ، ومن جهة أخرى ، سعت هذه القصيدة على ايجاد بدائل في مجالات التنوع الايقاعي الداخلي ، الذي وفرته اللغة بتداخلها ، وهي تخلق اشكالها غير المتوقعة .

ولعل هذا ما جعل بيرنار في كتابها ان تؤكد على ان قصيدة النثر تحتوي على مبدأ فوضوي وهدام لانها ولدت من تمرد على قوانين علم العروض – واحيانا على القوانين المعتادة للغة ، بيد ان أي تمرد على القوانين القائمة سرعان ما يجد نفسه مكرها على تعويض هذه القوانين باخرى ، لئلا يصل إلى اللاعضوي واللاشكل إذا ما اراد عمل إنتاج ناجح"([34]) .

ويعني هذا ان قصيدة النثر قد تخلت عن كل ما كانت توحي به القصيدة التقليدية القديمة ، فتخلت عن الشكلية والنموذجية المسبقة ، لترسم معالمها الجديدة من الداخل قبل الخارج ، في هيكليتها اللامحدودة ، اللامقيدة ، المغايرة لكل الأشكال السالفة . ولتصبح – فيما بعد – خطابا جديدا موجها ، لا يقتصر على فرد معين أو جماعة محددة ، وانما خطاب موجه إلى العالم والوجود ، بحالته الإنسانية ، والكونية الموحدة . مع تنوع ما بداخله .

لذا ، فان قصيدة النثر ، وان كانت تجربة جديدة ، لنمط نثري جديد ، لم تكن وليدة تجربة عابرة ، ولم تتمخض عن ملكة الإدراك الوظيفية ، وانما هي نتاج جميع الملكات الانسانية . لذا ، يمكن لهذا التعبير ان يتغير طولا ، وقصرا ، وشدة ورخاء بتغيرها ، فتكون القصيدة النثرية تشكيلا لمجموعة كبيرة من الدفقات الشعورية ، تنثال عبر خيال خلاق موحٍ في صور شعرية فريدة([35]) .

ان هذه الدفقات الشعورية تمنح القصيدة أشكالا متعددة ، ومتغيرة وليست شكلا
احاديا ، كما تمنحها إيقاعات متنوعة ، ومتغيرة ، متوافقة مع هذه الأشكال ، تشكل في كليتها الوحدة العضوية المتنامية للقصيدة ، وهي بالتالي ، استجابة شعورية ، وروحية ، للتجربة التي تواكب الحالة الشعورية لكاتب القصيدة  ، وذلك لان "في قصيدة النثر موسيقى ، لكنها ليست موسيقى الخضوع للإيقاعات القديمة ، بل هي موسيقى الاستجابة لايقاع تجاربنا الجديدة – وهو ايقاع يتجدد كل لحظة"
(
[36]) . ، ويتغير مع تغيرات النفس الإنسانية التي تعيش لحظاتها ، فيتموج هذا الايقاع مع تموج هذه النفس ، وهذا ما يكسب القصيدة نكهة شعرية ، لا تأتي من طموحها في ان تقول اكثر من طاقاتها ، ولكن من طموحات هذه القصيدة في ان تكون اكبر مما هي عليه([37]) .

ومع اعتقادنا بأن هذه الموسيقى ، والاستجابة يمكن ان نجدها في عموم الشعر
الجديد ، المتوافق في صيرورته مع تعاريف ادونيس للشعر ، ومفهومه له ، الا أننا نتوافق معه في نقطتين مهمتين تقودان الى :

أولا- نثرية القصيدة ، فهي قصيدة نثر وليست قصيدة شعر ، فهي كتابة نثرية ، وليست شعرية ، لذا فان كل ما ينبجس منها يعتبر امرا غير عادي .

ثانيا- شعرية هذه القصيدة التي تبعث فيها روح الشعر ومعناه ، وتفصلها عن باقي اشكال النثر الأخرى .

ان هذه الشعرية الخاصة لقصيدة النثر ، منحت القصيدة بعدا دلاليا غير متعارف
عليه ، يكمن في انحرافها عن مسارات النثر العادي ، كما منحتها تكوينا جامعا بكل ابعاده ، ايحاءات الشعر ، وروعته ، وهذا ما يجعلها  ان تكون حدا فاصلا بين النثر والشعر ، وان يكون "النثر ليس نهاية مطاف ، كأن تقول الوزن او الايقاع مرحلة ، والنثر مرحلة ابعد ،
ابدا" . وهذا مما يعطيها استقلاليتها عن النثر ، في الوقت الذي يمكن ان تكون استنماطا منه ، لانها خرجت من النثر على رتابيته ، فتجاوزته باستجلائها أشكالا لها غير متوقعة ، فتداخلت بين مفهوم النثر وروح الشعر ، من واقع يرى ان "الشكل يستنفد كل تاريخ 
(ولكن) التاريخ سيعجز ان يحيط بالشكل . التاريخ نص ، والشكل تنفس .الفرق بين الشكل والتاريخ هو الفرق بين الماء ومجرى الماء . الشكل ليس خطوطا ، او كلمات منسقة بتطبيق ما"(
[38]) .

هذه الميزة جعلت قصيدة النثر ليس لها قاعدة منتظمة كما هو الحال في قواعد الشعر التقليدي ، فالشكل هو حركة دائبة ، متغيرة ، تشكله لغة القصيدة ، فتشكل معه صورها
الشعرية ، وايقاعاتها ، فتخلق بذلك مكامن جديدة تنبعث منها شعريتها ، خارج كل القوانين المتعارف عليه . فيصبح الشكل المنثور في قصيدة النثر قدرة ، باستطاعته ان "يتقبل تفسيرا لكل ملامح الحقيقة المعاصرة ، على نحو افضل من الشعر وبصورة لا مثيل لها"
(
[39]) .

وفي شيء من التأمل الذي يفترض في قصيدة النثر ، نجد ان هذه القصيدة تتجاوز عادتها في احايين كثيرة ، كما تتجاوز وصفها الطبيعي ، فلم تعد وسيلة ، وانما تصبح هدفا للخلق ، وتجليا له ، عبر صيرورة الخلق ، حين تبلغ كثافتها حالة متجاوزة حدود المعاني والدلالات الآنية القريبة ، عندما يسعى صوت اللغة بمفرداتها في تجسيد دلالات ايحائية لا متناهية ، يمكنها ان تستغني عن مظاهر الصوت الخارجي للكلمة ، حين يتفاعل مع مكانه ، باعتبار ان الكلمة بحد ذاتها شكل صوتي للمعنى([40]) ، يجسد في كليته معالم المشهد الشعري ، كلما اتسعت كثافته .

من المعروف ، ان المؤشر على النثر ، هو تعبير عن الذهن ، يتنوع بتنوع
موضوعه ، حتى لتبدو بعض انواعه ، وكأنها مجرد تقرير . في الوقت الذي نجد انواعا اخرى من النثر تمثل تعبيرا حيا ينم عن تجربة وشعور متكاملين ، ولربما يرتفع هذا النوع من خلال ايقاعات الى درجة الوزن ، فيماثله ، لكنه لا يمثله ، ولا يشبهه . وهذا ما يمنح النثر لان يكون كتلة مشعة في قصيدة نثرية ، يبدو عليها وصف الحالة الشعرية بروحها ، ووصف الكتابة النثرية بطريقتها . اذ ان الأصل في قصيدة النثر انها تقوم على نوع من التحليل ، ولكنه ليس كما هو الحال في النثر العادي ، المجرد من الشعرية ، وهذا ما يوحي بأن الذهنية في قصيدة النثر جزء تساسي منها ، لكن الذي يكتب القصيدة ، يسعى الى إخفاء هذه الذهنية الملازمة لها جوهريا .

ان عملية هذه الذهنية تتوقف على حتمية التعبير في الكتابة النثرية ، ولما كانت هذه الكتابة هي ردة فعل مقصودة ، وغاية محققة في نمط تعبيري خاص ، ضد أي شعور وانفصال عاطفي سريع ، لذا ، فان ما يميز هذه الكتابة ، هو ذلك التفاعل الارادي من خلال مشاركة العقل في اللعبة الشعرية([41]) .

بيد ان هذا التفاعل الإرادي المقصود قد يحدث في القصيدة نوعا من الفوضى ، لكنها بمنحاها ، وبنائها ، تبدو ذات منحى وبناء غير فوضوي ، وذلك لاننا يمكن ان نستشف حقيقة ترى في الفوضى المطلقة انتفاء للفن ، في حين وبما انها قصيدة يجب ان تفرض على الشعر ، صيغة فنية تستمد قوانينها ، وحيويتها من طبيعة الشيء ، لا من خارجه([42]) .

ان الفوضى التي تبدو في قصيدة النثر هي تكوين ذاتي ، ونفسي في جسد قصيدة
النثر ، ينمو باتجاه تكامل بنائي خاص ، يسعى الى تأسيس حلقات تواصل تمتد الى حد ما بين الشعر والنثر ، من اجل إزاحة العقبات الفاصلة بين الاثنين ، مع مراعاة خصوصية كل
منهما .  ومع ان التواصل الإنساني مع النثر قد يبدو اكثر صعوبة مما هو عليه مع الشعر ، للإمكانيات المتوفرة لدى الأخير ، وعلاقته بالإحساس والشعور والانفعال ، الا ان النثر ومن خلال قصيدة النثر ، استطاع التعويض عن ذلك كله ، "بقدرته على تكثيف عدة نغمات عن طريق تحرير او تحدي مصادر الصوت"
(
[43]) . الفاصلة بين الشعر والنثر .

لقد استقرت قصيدة النثر ، واصبحت ظاهرة في الشعر العربي ، بعد ان اكتسبت تصنيفها في جنس ادبي ، اسمها فيه "قصيدة نثر" ، فهي تتمتع بخصوصية القصيدة العربية مع فارق الجنس ، رغم كل ما قيل حولها ، من انها ذات اصل وابداع غربي ، او انها تجربة غربية . وذلك لان الممارسة الشعرية العربية ، الحداثية منها ، ومع ائتلافها مع مفاهيم الحداثة الغربية ، الا ان المغايرة في خصوصية التجربة العربية وسياقاتها مع خصوصيات وسياقات التجربة الغربية ، أتاح لقصيدة النثر العربية ان تكون ذات خصوصية عربية ، في الشكل والإيقاع وروح الشعر العربي ، لان لغة الخلق فيها هي اللغة العربية ، بايقاعها وجرسها .

لذا ، يرى ادونيس ، ان معرفة ابداع الاخر (الغربي) ما هو الا معرفة ، وبوصفه
ذاتا ، فهو مشارك له في عمله ، وفي معرفته . فليس عيبا ان يتمثل الشاعر العربي بتجربة الاخر ، واذا كان القصد من ذلك تعميق تجربته الخاصة ، وزيادة معرفته ، وتوسيع حدودها . ولكن لا بالشكلية والكيفية التي يمارسها الآخر (الغربي) ، وفق مشاعه الخاص به ، فيكون المنتج العربي تقليدا له ، ونسخا عنه ، وصورة منه ، لا إبداع فيه . لذا ، على المبدع العربي عندما يقوم بإنتاج متميز ، عليه ان ينتج (المختلف) ضمن الخصوصية الشعرية العربية . وهذا يعني ان يمثل المنتج العربي لغته ، وشخصيته ، وقيمه الخاصة به ، وابعاد الرؤيا الخاصة
به ، حينما ينظر هذا المبدع الى الوجود والكون
(
[44]) .

لقد حاول كتاب قصيدة النثر العربية، ومنهم ، ادونيس والماغوط وانسي الحاج وجبرا وتوفيق صايغ ، ومن خلال التقانات التي استخدموها ، ان يطبعوا قصائدهم النثرية بخواص الشعرية العربية ، وأساليبها ، وان يعوضوا عن الوزن الشعري بعناصر تقنية اخرى ، تجلت في التوازي والسجع ، والجناس الاستهلالي ، والتكرار ، فضلا عن تنويعهم في أطوال الأسطر ، والإفادة من حروف اللين ، وما يترتب على ذلك من دلالة صوت الكلمة ، وايحاءاتها .

ان هذا التكنيك في قصيدة النثر العربية ، اكتسب خاصيته الشعرية العربية كذلك ، من خلال عناية هؤلاء الشعراء بالتركيب اللغوي الذي ينسجم مع الذائقة العربية العصرية ، متمثلا في التجديد الكلي للنمط البنائي للعبارة الشعرية ، والذي يتكون من مساحات الجملة ، والفقرة ، والتنويع الدقيق في انماط هذه العبارة ، وحالاتها في أساليب التوكيد والاستفهام والتعجب ، وغير ذلك من أساليب البلاغة العربية([45]) .

لذا ، فقد بدت قصيدة النثر العربية نمطا كتابيا عربيا ، تخطى اصله الغربي بتعريبه ، ليس اسما ، وحسب ، ولكن كبنية اكتسبت معالم البنية العربية ، في النشأة ، والحياة معها . فتخطت القواعد المعروفة للشعر والنثر العربيين ، تخطت الوزن والنثر ، من خلال الكشف المعرف الجديد ، فكانت كتابة عظيمة في مديات جمالية العوالم التي بنتها ، وفي مجمل العلاقات المعرفية الجمالية التي اقامتها بين اللغة بكل فإضاءاتها والعالم ، وبين الإنسان
والعالم .

اذن ، لم تكن قصيدة النثر العربية بدعة ، ولم تكن حلا لازمة الكتابة والإبداع التي عاشها الشعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين ، كما لم تكن "الرسالة" التي حملت الأجوبة النهائية لمجمل القضايا الشعرية العربية ، ولكنها كانت تمثل أفقا آخر ، جديرا الى جانب ذلك الأفق المتعارف عليه ، والذي تمثل في قصيدة الوزن . ولعل هذا ما آثار الجدال العنيف بين أطراف القبول والرفض لقصيدة النثر ، وكان مبعثا لاشكالات جديدة لم تكن بالحسبان([46]) .

 

لقد تجاوزت قصيدة النثر العربية الرؤية التي كانت تنظر الى الشعر العربي من خلال السمات الكمية التي تجعله في احايين مستغنيا عن القافية ، وذلك لما يترتب من ايقاع يتردد في كل بيت ، وعلى مدار القصيدة كلها ، بطريقة منتظمة ، مما توفر للشعر النغم
المطلوب
([47]) ، لذا ، فانها اخترقت جدار الكتابة الشعرية العربية بتأسيس نفسها ، وتنويع
ايقاعها ، بطريقة لا تعتمد على التراتبية والتقليدية .

لقد آخذت هذه القصيدة تعمق حضورها من خلال أشكال وصيغ لا حصر لها ، لتعبر عن مصداقية وجودها ، وهي تسعى لنسف "كل ما كان يشكل مصدر غنى وخصوبة للتجربة السالفة ، ويجيره لصالحه الخاص"([48]) ، باعتبار ان هذه القصيدة هي رغبة تلقائية مقصورة لتجاوز الأنظمة السابقة ، والسائدة ، رغبة تهدف الى فعالية التحريض الثوري ، للانقلاب المتجدد في الواقع .

ان مفهوم قصيدة النثر في الكتابة العربية لا ينحصر في العدد الكثير من القصائد النثرية ، ولا في عدد كتابها ، ولكن بالكيفية التي يفهم بها الشعر ، ، وبالحالة التي تنتمي بها قصيدة النثر للنص الشعري ، من خلال العلاقات المبرمة لا بين الشاعر والكاتب ونصه ، ولكن بين الشعر والمتلقي([49]) ، الذي قبلت ذائقته هذا النمط من الكتابة النثرية .

ان عربية هذه القصيدة ، او هويتها المفتوحة ، أخذت خصوصيتها من خلال بعدها العربي ، وعلى وجه الخصوص ، بعد ان تعرف كتاب هذه القصيدة على الأصول المماثلة لها في الكتابات الصوفية العربية ، فقد اكتشف هؤلاء الكتاب ان في هذه الكتابات ، وبشكل خاص كتابات عبد الجبار النفري في كتابه المعروف (المواقف والمخاطبات) ، وكتابات ابي حيان التوحيدي في (الاشارات الالهية) ، والبسطامي في (الشطحات) ، والكثير من كتابات محي الدين بن عربي والسهروردي ، وغيرهم ، ان الشعر لا يمكن ان ينحصر في الوزن ، وانما في طرق التعبير التي اختصت بها مثل هذه الكتابات ، وطرق استخدام اللغة ، حينما تكون جوهريا شعرية ، وان كانت هذه الكتابات غير موزونة([50])

 


 

([1]) ينظر : الحداثة في النقد الادبي المعاصر ، عبد الرزاق ، دار الحرف العربي ، بيروت ، ط1، 1991 ، 231 .

([2]) قضايا الإبداع في قصيدة النثر ، يوسف حامد جبر ، دار الحصاد للنشر والتوزيع ، دمشق ، ط1 ، 1991 ، 186

([3]) ينظر : الحداثة في النقد الأدبي المعاصر ، 232 – 233 .

([4]) زمن الشعر ، ادونيس ، دار العودة ، بيروت ، ط1 ، 1985 ، 9 .

([5]) مقدمة للشعر العربي ، ادونيس ، دار العودة ، بيروت ، ط1 ، 1971 ، 108 .

([6]) ينظر : زمن الشعر ، 15 – 16 .

([7]) ينظر : مقدمة للشعر العربي ، 112 – 113 .

([8]) ينظر : قضايا الابداع في قصيدة النثر ، 16 – 17 .

([9]) زمن الشعر ، 16 ، 17 .

([10]) ينظر : ن. م. ، 51 .

([11]) موسيقى الحوت الازرق ، ادونيس ، دار الاداب ، بيروت ، ط1 ،1993 ، 112  – 113 .

([12]) قضايا الابداع في قصيدة النثر ، 52 .

([13]) ينظر : الحداثة في النقد العربي المعاصر ، 239 – 240 . وكذا ، ينظر : اشكاليات قصيدة النثر ،
عزالدين المناصرة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، 2002 ، 35 .

([14]) قصيدة النثر من بودلير إلى ايامنا ، سوزان بيرنار ، ترجمة : د. زهير مجيد مغامي ، مراجعة : د. علي جواد الطاهر ، دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد ، 1993 ، 143 – 144 ، وينظر كذلك في الصفحات السابقة واللاحقة .

([15]) الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ، عبد الحميد جيدة ، مؤسسة نوفل ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1980 ، 317 .

([16]) ينظر : قصيدة النثر / مقاربة اولية ، د. عبد الفتاح النجار ، مجلة ابحاث اليرموك ، مح 19 / ع2 / 2001 ، جامعة اليرموك ، الاردن ، 375 .

([17]) ينظر : الحداثة في النقد الادبي المعاصر ، 243 .

([18]) الحوارات الكاملة ، 1(1960-1980) ، ادونبس ، بدايات للطباعة والنشر والتوزيع ،جبلة ، سورية ، ط1 ، 2005 ، 1 / 9 .

([19]) قصيدة النثر ، 148 .

([20]) ن. م. ، 148 – 149 .

([21]) الثابت والمتحول ، (صدمة الحداثة) ، ادونيس ، دار العودة ، بيروت ، ط1 ،  1978 ، 13 / 209 .

([22]) قصيدة النثر ، 151 .

([23]) في حداثة النص الشعري ، دراسات تقدية ، جفو العلامة ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، ط1 ، 1990 ،  137 .

([24]) الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ، 318 .

([25]) زمن الشعر ، 9 – 17 .

([26]) قصيدة النثر ، 67 .

([27]) ينظر : ن. م.

([28]) ينظر : قصيدة النثر ، 22 – 23 .

([29]) ينظر : افق الحداثة وحداثة النمط ، سامي مهدي ،دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، العراق ، ط1 ، 1988 ، 98 .

([30]) نقلا عن : افق الحداثة ، 97 لتعذر الحصول على اعداد مجلة "شعر" اللبنانية .

([31]) فاتحة لنهايات القرن ، ادونيس ، دار العودة ، بيروت ، ط1 ، 1980 ، 316 .

([32]) قصيدة النثر ، 75 – 76 .

([33]) افق الحداثة ، 87 .

([34]) قصيدة النثر ، 20 .

([35]) ينظر : الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ، 325 .

([36]) مقدمة للشعر العربي ، 116 .

([37]) ينظر : الحداثة ، ماكلم براد بري ، جيمس ماكفاردلده ترجمة : مؤيد حسن فوزي ، دار المأمون للترجمو والتشر وزارة الثقافة والاعلام ، بغداد ، الجمهورية العراقية ، 2 / 72 .

([38]) الحوارات الكاملة ، 1 / 56 .

([39]) قصيدة النثر ، 145 .

([40]) ينظر : في حداثة النص الشعري ، 146 .

([41]) ينظر : الحوارات الكاملة ، 1 / 61 62 .

([42]) ينظر : خليل حادي في مقابلة / محيي الدين صبحي ، الفكر العربي المعاصر ، 39 ، 1986 ، 148 .

([43]) الحداثة ، 2/62 .

([44]) ينظر : سياسة الشعر ، دراسات في الشعرية العربية، ادونيس ، دار الاداب ، بيروت ، ط1 ، 1985 ، 75 .

([45]) ينظر : في حداثة النص الشعري ، 142 .

([46]) ينظر : موسيقى الحوت الازرق ، 122 131 .

([47]) ينظر : القافية والاصوات اللغوية ، محمد عوني عبد الرؤوف ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط1 ، د.
ت. ، 15 .

([48]) ينظر : قضايا الابداع في قصيدة النثر ، 80 .

([49]) ينظر : اشكاليات قصيدة النثر ، 360 .

([50]) ينظر : سياسة الشعر ، 76 .

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا