
رائعة مثل الانتحار
عبد الوهاب الملوح - تونس
هُوَ رَجُلٌ بَائِسٌ كَبَقِيَّةِ خَلْقِ الله غَيْرَ إِنَّهُ
كَانَ بِلاَ أَمَلٍ ؛لاَ
يَنْتَظِرُ شَيْئًا لا َيُحِبُّ وَ لاَ يَكْرَهُ؛لاَ يَضْحَكُ
وَ لاَ يَبْكِيلاَ
يَعْنِيه مَا يَحْدُثُ وَ مَا لاَ يَحْدُث لَدَيْهِ مِنَ
الْمُؤَهَّلاَتِالْكَبِيرَةِ
لِيُصْبِحَ لاَشَيْئًا
لَمْ يَكُنْ حَزِينًا لَيْسَ ثَمَّة سَبَبٌوَاحِدٌ
يَدْعُوهُ لِلْحُزْنِ غَيْرَ إِنَّهُ كَانَ وَحِيدًا ؛وَحِيدًا
مِثْلصَحْرَاءَ
يَعْوِي فِيهَا الْفَرَاغُ؛ لاَعَلاَقَةَ لَهُ بِأحدٍ
وَلِذَلِكَ لَمْيَكُنْ
يَعْرِفُ مَاالْذِي يَفْعَلُهُ بِأَيَّامِ عُمْرِهِ ؛يَقْضِي
كَامِلَيَوْمِهِ
فِي التَّسَكُّعِ ؛ يُخْطِيءُ كَثِيرًا طَرِيقَه إِلَى
عَمَلِهِ وَتَقُدُهخُطَاهُ
إِلَى حَيْثُ لاَ يَدْرِي لِيَجِدُ نَفْسَه فِي أَحْيَانٍ
كَثِيرَةٍ وَسَطَ
قَبْوِ حَانَةِ أَو ذَاهِبًا فِي الرِّيحِ أَوْ مُسْتَقِلاًّ
سَيَّارَةَأُجْرَةٍ
إِلَى وِجْهَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ
قَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ مَرَّةًلِمَاذَا
أَنْتَ هَكَذَا يَا أَبَتِي فَأجَابَهَا بِشَكْلٍ غَامِضٍ
وَكَيْفَ يَجِبُأَنْ
أَكُونَ
وَفِي هَذَا كُلُّه كَانَ يَخْتَلِي بِنَفْسِه مَرَّاتٍ
لِيَقْرَأوَ
يَبْحَثُ بَينَ الْكَلِمَاتِ عَن رِيَاحٍ تَاْخُذُهُ إِلَى
الأَبْعَدِالأَقْصَى
وَ صَادَفَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ قَرَأَ شَيْئًا لامْرَأةٍ مَا
؛لَمْيَكُنْ
نَثْرًا وَلَمْ يَكُنْ شِعْرًا كَانَ شَيْئًا آَخَرَ
مُخْتَلِفًا ؛كَانَجُنُونًا
أَعَادَ قِرَاءَة مَا كَتَبَتْهُ هَذه المَرْأَةِ مَرَّاتٍ
عَدِيدةٍحَاوَلَ
أَنْ يَنْسَى مَا قَرَأَه وَلَمْ يُفْلِحْ مَرَةً وَقَدْ
خَرَجَ يَتْرُكُخُطَاهُ
تَهْذِي كَيْفَمَا تشَاءُ ؛ عَادَ بِسْرْعَةٍ وَكَتَبَ
’’شُكْرًا’’
ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى هَذه الْمَرْأَةِ بَعْدَ يَوْمَيْنِوَأَمَامَ
دَهْشَتِهِ جَاءَهُ الرَدُّ مِنُهَا لَمْ يَكُنْ رِسَالَةً
بَلْ كَانَحَالَةً
مِنْ حَالاَتِ التَجَلِّي والإِشْرَاقِ ؛شَيْءٌ مَا تَوَهَّجَ
فِيدَوَاخِلِهِ
وَإِذْ خَرَجَ يَجُوبُ الشَّوَارِعَ رَأَى مَا لَم يَرَه مِنْقَبْلُ
رَأَى امْرَأةً جَمِيلَةً فَتَبِعَهَا حَيْثُ غَابَتْ عَنْبَصَرِهِ
رَأَى أَحَدَ زُمَلاَئِهِ فِي الْعَمَلِ فَاسْتَدْعَاهُ
لِتَنَاوُلِفِنْجَانِ
قَهْوَةٍ
رَأَى عَشِيقَيْنِ فَأَهْدَاهُمَا بَاقَةَ وَرْدٍ
رَأَىصَيَّادًا
يَرْتُقُ شِبَاكَهُ فَانْحَنَى يَشُدُّ الْخُيُوطَ مَعَهُ
رَأَىعَجُوزًا
يَعْبُرُ الطَرِيقَ فَهَبَّ يَاْخُذُ بِيَدِهِ
رَأَى صِبْيَةًيَلْعَبُونَ
الدُّوامَةَ فانْخَرَطَ يَلْهُو مَعَهُمْ
وَ قَرَأَ لَهَاأَشْيَاْءَ
أُخْرَى عَاوَدَ الْكٍتَابَةَ إِلَيْهَا وَكَتَبَتْ لَه
أَيْضًاوامْتَدَّ
بَيْنَهُمَا جِسْرٌ أَطْرَافُهُ الْكَلِمَاتُ ؛تَرْفَعُ
عَرَصَاتهالرُّؤَى
وَتُقَوِّي أُسُسَهُ حَالاَتُ التَجَلِّي وَ الإِشْرَاقِ
وَكَانَ مَمَرُّهالدَّهْشَةَ
إِلَى أَنْ جَاءَ يَومٌ وَتَخَاطَبَا عَبْرَ الْهَاتِفِ كَادَيُجَنُّ
بَلْ جُنَّ
جَاءَهُ صَوْتُهَا مَزِيجًا مِنْ مَاءٍ وَ بَرْقْ
هَمَّبِالْفِرَارِ
وَ قَدْ أَصَابَهُ جَزَعٌ مُبَاغِتٌ وَ فَكَّر َ مَا الْذِييَفْعَلُهُ
بِكُلِّ هَذَا الْفَرَحِ الطَّارِيءِ
هُوَ لَمْ يَرَهَا وَلاَيَعْتَقِدُ
أَنَّهُ سَيَرَاهَا أَوْ يَرَى مَن يُشْبِهُها فِيمَا يَدُبُّ
مِنْحَولِه
مِنْ نِسَاء عَلَى اليَمِينِ وَعَلَى اليَسَارِ وَفِي الأَمَام
وَمِنَالْخَلْفِ
وَمِنْ فَوقِ وَمِنْ تَحْتِ
اشْتَدَّ بِهِ اللَّهَاثُ وَ أَصَابَهُظَمَاٌ
فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي أَوَّلِ حَانَةٍ يَنْشُدُ قَرَاراً
فَكَّرَوَهْوَ
يَمْلأُ كَأْسَهُ بِشِغَافِ قَلْبْهْ يَشْرِبُ وَ لاَيَرْتَوِي
فَكَّر أَنْيَكْتُبَ
لَها أَنَّه سَيُؤْمِنُ بِهَا آَلِهَةً يَجْعَلُ لَهَا
مَعْبَدًاوَإَّنَّهُ
رَسُولُها يَدْعُو النَّاسَ إْلَى التَّسْبِيحِ بِاسْمِها
غَيْرَ أًنَّهعَدَلَ
عَنْ ذَلِكَ
وَكَتَبَ:
يَكْفِي إِنَّكِ أَشْعَرْتِنِي فَجْأَةًبِجَمَالِ
الْحَيَاةِ وَإِنَّ كُلَّ مَافَاتَ وَمَا سَيَأْتِي من
العُمْرِ بَاطِلٌأَنْتِ
رَائِعَةٌ مِثْلَ الانْتِحَارِ
أَلْقَى بِمَا كَتَبَهُ إِلَيْهَا وَمَضَىيَدْخُلُ
الْبَحْرَ وَالرِّيحُ تُرَدِّدُ آَخِرَ كَلِمَاتِه
أَرَاكِ الآَنَأَجْمَلُ
وَأَنا أَدْخُلُكِ بْكلِّ فَرَحِي!
|