ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

الفلاسفة العرب وحقوق الإنسان
د‏.‏ عاطف العراقي - مصر

 

علي الرغم من أن مصطلح حقوق الإنسان لم يكن واضح الأبعاد والمعالم قبل العصر الحديث‏,‏ فإنه يمكن القول بأن الحديث عن حقوق الإنسان إنما نجده‏,‏ ولو بصورة غير مباشرة في فترة وجود الفلاسفة العرب‏,‏ وسواء عاشوا في المشرق العربي أو وجدوا في المغرب العربي‏,‏ ولكن لو أردنا أن نجد اشارات كثيرة وجوانب شتي تتعلق بحقوق الإنسان بطريقة مباشرة تارة‏,‏ وغير مباشرة تارة أخري‏,‏ فإننا نجد ذلك في الفكر العربي الحديث ابتداء من رفاعة الطهطاوي وأيضا في الفكر العربي المعاصر‏.‏

وفي الفترة الكلاسيكية للفلسفة العربية‏,‏ يمكن أن نجد بعض الكتابات التي تساعدنا في التركيز علي موضوع حقوق الإنسان‏,‏ ولو بطريقة غير مباشرة كما قلنا‏,‏ نقول بطريقة غير مباشرة لأننا نجد فلاسفة العصر الوسيط‏,‏ وسواء مثلوا الفلسفة العربية‏,‏ أو مثلوا فلسفة العصور الوسطي المسيحية‏,‏ نجدهم قد مزجوا بين الأبعاد الإنسانية والأبعاد الإلهية‏,‏ ولم ينظروا إلي الإنسان في حد ذاته‏,‏ علي النحو الذي نجده في تاريخ الفلسفة الحديثة والفلسفة المعاصرة‏.‏

نوضح ذلك بالقول بأننا نجد فرقا بين دراسة موضوع الإرادة الإنسانية عند فلاسفة العصور الوسطي‏,‏ وذلك حين نظروا إليها‏,‏ وفي ذهنهم الإرادة الإلهية‏,‏ أي دراسة العلاقة بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية‏,‏ نجد فرقا بين نظرتهم هذه‏,‏ أو المنظور الذي من خلاله بحثوا مشكلة الإرادة الإنسانية وارتباطها بحقوق الإنسان‏,‏ وبين نظرة فلاسفة العصر الحديث والمعاصر‏,‏ حين نظروا إلي الإرادة الإنسانية في حد ذاتها‏,‏ وبحيث لا تكون مختلطة أو ممتزجة بالإرادة الإلهية‏,‏ ففرق وفرق كبير بين نظرة المعتزلة كفرقة إسلامية أو نظرة ابن رشد الذي ذهب إلي حرية الإرادة‏,‏ وبين نظرة فلاسفة غربيين في العصر الحديث من أمثال جون لوك وكانط الفيلسوف الألماني‏.‏

ومهما يكن من أمر‏,‏ فإننا إذا بحثنا في موضوع حقوق الإنسان ولو بطريقة غير مباشرة عند متفلسفة وفلاسفة العرب‏,‏ فإننا نجد اهتماما بهذا الموضوع عند إخوان الصفا والفارابي وابن سينا ومسكويه في المشرق العربي‏,‏ وعند ابن باجة الفيلسوف المغربي الأندلسي‏,‏ والذي كان من أكثر الفلاسفة العرب اهتماما بالجانب الإنساني أساسا حين بحث في العقل الإنساني‏,‏ وقدرته الفائقة علي النظر في كل مشكلات الإنسان‏,‏ وسواء كان ذك في رسائله أو كان في كتبه‏,‏ خاصة كتابه تدبير المتوحد وبحيث يمكن أن نقول إننا نجد لديه نوعا واضحا من الغربة‏,‏ ومن الإيمان بالعقل والمعقول‏.‏

وهذا ينطبق إلي حد كبير علي آخر فلاسفة العرب ابن رشد خاصة في دراسته لمشكلة الخير والشر‏,‏ ومشكلة الحرية الإنسانية‏(‏ القضاء والقدر‏)‏ إذ أنه لم ينظر إلي الإرادة الإنسانية‏,‏ وهي حق من حقوق الإنسان علي أساس أنها كالريشة في مهب الريح‏,‏ بل نظر إليها من خلال أنها تمثل الفاعلية الإنسانية‏,‏ وقدرة الإنسان علي النظر‏,‏ وعلي العمل‏.‏

أما إذا أردنا أن نبحث عن دراسة لحقوق الإنسان بطريقة مباشرة وواضحة إلي حد كبير‏,‏ فإنه لا مفر ــ كما قلنا ــ من الرجوع إلي فكر مفكري العرب في العصر الحديث والمعاصر‏,‏ فمن حق الإنسان عند رفاعة الطهطاوي‏,‏ الانفتاح علي الفكر الغربي الأوروبي‏,‏ وذلك حتي لانصاب بالاختناق‏,‏ لقد تحدث عن أهمية العمل‏,‏ وأنه سر التقدم‏,‏ وأن الثروة لأجل الإنتاج اساسا‏,‏ وعن فساد النظام الإقطاعي‏,‏ والوظيفة التربوية للدين‏,‏ وبحيث نؤكد قيمة الإنسان‏,‏ وعن حق الإنسان في ممارسة عقيدته‏,‏ وخروج المرأة إلي الحياة العامة‏,‏ وتمتع الجميع بالحقوق المدنية‏,‏ وآمن بأن التربية تعد طريق التقدم‏,‏ كما أنها تعد طريق الديمقراطية‏,‏ وعن فائدة تعليم البنات‏,‏ وأهمية التربية السياسية‏,‏ والاجتهاد في الدين‏,‏ وأن من واجب الدولة رعاية العلم وتقدير العلماء‏,‏ لأن هذه كلها تعد حقوقا للإنسان في جوهرها ومغزاها‏.‏

وما يقال عن رفاعة الطهطاوي والاهتمام من جانبه بدراسة موضوع حقوق الإنسان بطريقة مباشرة تارة‏,‏ وطريقة غير مباشرة تارة أخري‏,‏ يقال عن عبد الرحمن الكواكبي‏,‏ ومن خلال كتابيه‏:‏ طبائع الاستبداد‏,‏ وأم القري‏,‏ لقد كشف عن طبائع الاستبداد‏,‏ ونادي بأن الحرية تعد مطلبا إنسانيا جوهريا‏,‏ وكيف أن الداء في استعباد الناس‏,‏ أما الدواء فإنه يتمثل في استرداد الحرية‏,‏ وأفاض في بيان أشكال الحكومة المستبدة‏,‏ وأنه من الضروري التركيز علي حقوق الإنسان‏,‏ وقد بحث في التساوي في الحقوق‏,‏ والسعي في رفع الاستبداد‏.‏

ونجد من خلال ما تركه لنا الشيخ محمد عبده‏,‏ دراسات عديدة ولو بطريقة غير مباشرة لموضوع حقوق الإنسان‏,‏ خاصة في كتابه الإسلام دين العلم والمدنية وفي العديد من الفتاوي التي قال بها‏.‏

ومن المفكرين البارزين والذين اهتموا بهذا الموضوع‏,‏ موضوع حقوق الإنسان‏,‏ قاسم أمين خاصة بحوثه في المرأة‏,‏ ولا يمكن أن ننسي أيضا‏,‏ محمد حسين هيكل من خلال اتجاهه التنويري وأحمد لطفي السيد وعباس العقاد‏,‏ وأمين الخولي وطه حسين‏(‏ التعليم كالماء والهواء‏)‏ وتوفيق الحكيم‏,‏ وسلامة موسي وزكي نجيب محمود‏,‏ والذي قدم لنا العديد من الكتب‏,‏ والتي نجد فيها دراسات كثيرة تتعلق بحقوق الإنسان‏,‏ سواء كان ذلك بطريقة مباشرة‏,‏ أو غير مباشرة‏(‏ شروق من الغرب ــ عربي بين ثقافتين ــ تجديد الفكر العربي ـــ والثورة علي الأبواب‏,‏ وبذور وجذور‏....‏ إلخ‏).‏

ومهما يكن من أمر‏,‏ فإننا نعتقد أن فلاسفة العرب قديما‏,‏ ومفكري العرب المحدثين والمعاصرين كانت لهم إسهاماتهم في مجال الاهتمام بدراسة موضوع حقوق الإنسان‏.‏

وكل ما نود أن نشير إليه‏,‏ هو أن حقوق الإنسان لابد وأن ترتبط بالحديث عن الواجبات‏,‏ فلا حقوق بدون واجبات علي الإنسان في كل زمان وكل مكان‏,‏ والعكس يعد صحيحا‏,‏ بمعني أن المطالبة بالواجبات لابد وأن ترتبط باعطاء الإنسان حقوقه‏.‏

ومن الملاحظ أننا نجد ذلك عند من تحدثوا بعمق عن موضوع حقوق الإنسان‏,‏ خاصة فلاسفة الغرب الأوروبي‏,‏ وفرق كبير بين الحديث عن السلام والمحبة والتآخي عند البشر‏,‏ وأيضا الدعوة إلي النور والتنوير‏,‏ وبين تأكيد أن الإنسان يعد ذئبا لأخيه الإنسان‏(‏ توماس هوبز‏)‏ علي سبيل المثال‏,‏ إننا إذا لم نقف عند السطور‏,‏ بل قرأنا ما بين السطور‏,‏ وما وراء السطور‏,‏ فإننا نجد الدعوة العالمية لحقوق الإنسان‏,‏ تعد مطلبا من المطالب الرئيسية كالغذاء والطعام‏,‏ إنها جوهر الإنسان في كل زمان‏,‏ وكل مكان‏,‏ كما أنها جوهر الطيور والحيوانات‏..‏ وخيرا فعلت مصر حين احتفلت باليوم العالمي لحقوق الإنسان‏,‏ وبين أهمية الحديث عن حقوق الإنسان في كل مجال من المجالات‏,‏ وحتي يصبح الإنسان عضوا نشيطا فعالا يشعر بالمسئولية والواجب تجاه الآخرين من أبناء وطنه‏,‏ وأبناء البشرية والإنسانية جمعاء‏,‏ وفي كل زمان وكل مكان‏.‏

والمهم ــ فيما نري من جانبنا ــ أن ننظر إلي موضوع حقوق الإنسان من خلال دائرة متكاملة‏,‏ دائرة تربط بين النظر والأقوال‏,‏ وبين الأفعال‏,‏ دائرة تربط بين المجالات النظرية والمجالات العلمية‏,‏ فلا خير في الافكار إذا كانت مجرد كلام في كلام‏,‏ بل إن الفكرة الجيدة لا يتسني لها الاستمرار والازدهار‏,‏ إلا إذا تحولت إلي واقع حي وملموس ومتحقق في الوجود‏,‏ إنها دعوة نقول بها‏,‏ ونرجو أن تجد صداها في نفوس وعقول ووجدان كل ابن بار من أبناء الإنسانية عامة‏,‏ ومصر وطننا العزيزة بصفة خاصة‏.‏

 

الأهرام

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا