ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرفي مهرجان هونج كونج

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

 

 

هأنا أحدثكم عن مهرجان الشعر الدولي الذي نظمته الجامعة الصينية في هونج كونج في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي‏,‏ ودعتني مع عدد من شعراء العالم للمشاركة فيه‏.‏

وأفضل ما يمكن أن أقدمه لكم من هذا المهرجان هو الشعر الذي قيل فيه‏,‏ لكن هذا أمر صعب لأسباب متعددة لا يخفي أكثرها علي القراء الأعزاء‏.‏ أشعار بالصينية‏,‏ واليابانية‏,‏ والإنجليزية‏,‏ والإسبانية‏,‏ والألمانية‏,‏ والألبانية وشعراء كثيرون مختلفون لغات‏,‏ وثقافات‏,‏ وأفكارا‏,‏ وأعمار‏ا.‏ كيف يمكن أن أقدمها وأقدمهم في هذه المساحة المحدودة؟ أقصي ما أستطيعه هو أن أتحدث عن الشعراء بإجمال‏,‏ وأترجم من أشعارهم ما يساعدني علي توضيح بعض الأفكار أو تقريبها‏,‏ وسأبدأ بصديقنا الشاعر الياباني تاكاهاشي موتسو‏.‏

إنه من جيلي‏.‏ ولد عام‏1937‏ ورغم أنه تجاوز السبعين كما تجاوزتها فهو مفعم بحيوية فائقة‏.‏ ولهذا لم أستغرب حين قرأت في السطور التي تعرف به أنه أصدر حتي الآن ثمانين كتابا منها خمس وعشرون مجموعة شعرية نظمها في كل الأشكال الموروثة والجديدة‏,‏ ففيها سبع مجموعات نظمها في الهايكو‏,‏ وهو شكل قديم نسبيا‏,‏ ظهر في الشعر الياباني أول ما ظهر خلال القرن السابع عشر الميلادي‏,‏ ويتألف من سبعة عشر مقطعاصوتيا ترد في ثلاث عبارات أو ثلاثة أسطر كما نري في النموذج التالي‏,‏ وهو للشاعر الكاهن نايتوجوسو الذي عاش في النصف الأخير من القرن السابع عشر وامتد عمره سنوات في القرن الذي تلاه‏,‏ وقد نقلت هذا النموذج من مجموعة الهايكو التي ترجمها الشاعر المصري محمد عيد إبراهيم‏:‏
جمد الأمطار ينزل
كأنه هابط من
حضيض الوحشة

كما نظم تاكاهاشي موتسو في شكل شعري أقدم‏,‏ هو التانكا الذي ظهر قبل الهايكو بنحو ألف عام‏,‏ اضافة الي ما نظمه وفي الشعر الحر الذي كتب فيه مجموعة من القصائد منها الرسالة التي يقول فيها‏:‏
أكتب رسالة
وأوجهها إليك
لكنك
وأنا أكتبها
أنت يا من ستقرأينها
لم توجدي بعد‏!‏

ويبدو أن العودة للأشكال التقليدية أصبحت ظاهرة عالمية‏,‏ أو تكاد تكون كذلك‏,‏ إذ ذكر لي كورت دراورت ـ وهو شاعر ألماني مرموق أن القصيدة الموزونة المقفاة التي هجرها أكثر الشعراء الألمان في القرن العشرين عادت لتصبح هي الشكل الغالب في إنتاج الشعراء الشباب‏.‏ ولو أنكم استمعتم مثلي للشاعر الألماني وهو ينشد أشعاره بالألمانية لأدركتم بسهولة مافيها من موسيقي لا يمكن أن أحافظ عليها في هذه الترجمة التي أقدمها لقصيدته لكن الموضوع‏:‏
أليست للحرب نهاية
حرب يومية بين الكلمات
والموتي يموتون
ويرحبون بنا مبكرا
وحين تتحول الظلمة
الي غبار في آفاق
المعرفة‏,‏ ويقفز الملاك
ليبلغ سواحل المستقبل السوداء
يرحبون بنا
بأغنيات لطيفة مميتة‏!‏
وبوسعي هنا أن أتحدث عما وجدته أنا شخصيا مع جمهور الشعر في هونج كونج من تجاوب أكد لي أن العودة للموسيقي ظاهرة عالمية وتعبير عن حاجة إنسانية عميقة للشعر من حيث هو لغة للكيان الإنساني‏.‏ كله أفكار‏,‏ وصور‏,‏ وأصوات‏,‏ وايقاعات تخاطب كل الملكات وكل الحواس‏,‏ وتنفعل بها الروح والجسد‏.‏ ولاشك أن هذا الفهم هو الذي أملي علي الشاعر المكسيكي أوكتا فيو باز أن يتحدث عن الشعر باعتباره صوتا آخر يجمع بين الدين والثورة‏.‏ وهو حديث كان موضوعا لجلسة من جلسات المهرجان‏.‏

ولقد قرأت شعري في افتتاح المهرجان كما قرأته في ختامه‏,‏ فكان الاستقبال واحدا والتجاوب واضحا‏.‏ قاعة غاصة بجمهور غفير لا يقل عدده عن ستمائة شخص‏.‏ الشعراء المشاركون يجلسون علي خشبة المسرح في مواجهة الجمهور علي حزم من الكتب متفاوتة الاحجام‏,‏ وخلفهم شاشة أعدت لعرض الترجمة الصينية والانجليزية للقصائد التي سيقدمها كل شاعر‏,‏ بعد أن يظهر اسمه علي الشاشة مع صورته وتعريف مختصر به‏,‏ حينئد ينهض ليلقي قصائده التي يسمعها الجمهور بلغتها الاصلية ويتابع ترجمتها علي الشاشة وهكذا قدمت أشعاري‏.‏

لم أكن أقرأ من ورقة وإنما كنت ألقيها معتمدا علي ذاكرتي ومتوجها لجمهور خاطبته كما لو كانت العربية هي لغته‏,‏ والعجيب هو هذا التجاوب الحميم العميق الذي حدث بيني وبين الجمهور في الأمسيتين‏,‏ وكان موضوعا لتعليق الحاضرين‏.‏

غير أن العودة للأشكال الموروثة‏,‏ أو بعبارة أدق لاحترام موسيقي الشعر‏,‏ لم تمنع الشعراء من الإخلاص لتجاربهم العصرية التي تختلف اختلافا جوهريا عن تجارب القدماء‏.‏ غنائية القدماء غنائية نقية بريئة يتوافق فيها الشاعر مع نفسه‏,‏ ومع الطبيعة والآخرين‏,‏ أما غنائية المعاصرين فهي ثمرة التجارب المرعبة التي عرف فيها الانسان الكثير وفقد الكثير‏.‏ إنها مزيج من المأساة والملهاة‏,‏ كما يظهر لنا في قصيدة الشاعر الياباني التي يراسل فيها امرأة لم توجد بعد‏,‏ وفي قصيدة الشاعر الألماني التي يتحدث فيها عن سواحل المستقبل السوداء‏,‏ وفي قصيدة الشاعر الصيني بي داو لهجة محلية‏:‏
أتكلم بالصينية مع المرآة
إنها حديقة لها شتاؤها الخاص
أقوم بتشغيل الموسيقي
الشتاء بلا طيور
أصنع قهوتي دون استعجال
الطيور لا تفهم
ما الذي تعنيه أرض الوطن
أضيف قليلا من السكر
أرض الوطن جزء من اللهجة المحلية
أتسمع رعبي
علي الطرف الآخر من خط التليفون

ونحن نفهم هذه القصيدة علي نحو أفضل حين نعرف أن بي داو واحد من المثقفين الصينيين الأحرار الذين احتجوا علي الطغيان‏,‏ واضطروا للهجرة ليعيشوا بعيدا عن وطنهم منفيين متمزقين يخاطبون وجوههم في المرايا المحطمة‏.‏ وبي داو يعمل الآن أستاذا في الجامعة الصينية في هونج كونج‏,‏ وهو الذي قام بتنظيم المهرجان‏.‏

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا