الشعر
حق!
أحمد عبد المعطي حجازي - مصر
أصبحنا من ملتقي القاهرة الدولي الثاني للشعر العربي علي
الأبواب, قاب قوسين أو أدني, والقاب هو المقدار, ففي
منتصف الشهر المقبل مارس يبدأ الملتقي نشاطه الذي سيدور كله
تحت عنوان رئيسي هو الشعر الآن.
وكان هذا الملتقي, الذي يقوم المجلس الأعلي للثقافة بتنظيمه
كل عامين بالتناوب مع ملتقي الرواية, قد انعقد في دورته
الأولي تحت عنوان رئيسي آخر هو حاجتنا للشعر وفي اعتقادي انها
كانت بداية موفقة, اذ يجب ان نتفق علي اننا محتاجون للشعر
حتي نواصل البحث بعد ذلك فيما يترتب علي الشعور بهذه الحاجة من
فكر وعمل.
ماهي طبيعة هذه الحاجة التي لايرويها إلا الشعر؟
هل هي حاجتنا لتجميل حياتنا وتزيينها, لأن نفتح عيوننا علي
أشكال زاهية, ونرهف اسماعنا لاصوات عذبة؟ ام انها ابعد من
ذلك وأعمق؟
فالشعر ليس مجرد زينة, وليس مجرد جمال, وانما هو ايضا
حق, حق بمعني مطلق, لانه طريق لمعرفة الصواب لايغني عنه
طريق اخر, فنحن في الشعر لانعرف بالحواس وحدها, أو
بالذاكرة, أو بالمنطق, وانما نعرف بقلوبنا, وحواسنا
وملكاتنا جميعا, والشعر بالتالي حق بالمعني الاخلاقي
والقانوني, حق من حقوق كل فرد فينا. المثقف المتبحر الذي
يحفظ المعلقات, ويقرأ الشعر الأجنبي, ويناقش الفرق بين
النظم والنثر, والفلاح الأمي الذي يغني فايت علي كوبري بنها
منديل الحلو طرف عيني!
والكلام يطول عن حاجتنا للشعر, ويكفي ان ننظر في تاريخنا
القديم والحديث لنري ان الشعر كان اساسا فيه وركنا من
اركانه, واذا كان الشعر هو اساس اللغة وأول صورة لها وابقي
اثر من آثارها, فهو اساس كل معرفة, وكل وعي.
من هنا أدعو المصريين جميعا للمشاركة في الملتقي. واطلب من
كل مؤسسات الدولة المسئولة عن التربية والتعليم والثقافة
والاعلام ان تقوم بواجبها في تمكين المصريين من الاتصال بالشعر
وتمكين الشعر من القيام بدوره واداء رسالته.
***
في هذه الدورة الجديدة للملتقي ننتقل للنظر في الشعر كما هو
الآن, فمادمنا في حاجة لهذا الفن فمن الواجب ان ننظر في وضعه
الراهن, اتجاهاته, وأشكاله, والطرق الموصلة إليه,
والوسائل والادوات المستخدمة في ذلك.
نريد في هذه الدورة الثانية ان نقدم صورة أمينة عن الوضع
الراهن للشعر في مصر, وفي الاقطار العربية الأخري, وفي
العالم الذي سيمثله شعراء ونقاد من اليابان, والصين,
وتركيا, واليونان, وايطاليا, وإسبانيا, وبولندا,
والولايات المتحدة الأمريكية, أكثر من سبعين شاعرا وناقدا
مصريا, ومثل هذا العدد أو قريب منه من العرب والأجانب
يشاركون في تقديم هذه الصورة المتعددة الملامح والالوان.
ونحن نعرف بالطبع ان الشعر ليس واحدا فردا بسيطا, وانما هو
كثير متعدد, لانه فن غني عريق, شعر الفصحي, وشعر
العامية, والقصيدة الموزونة بصورها المختلفة, وقصيدة
النثر, لغات, واشكال, واجتهادات, وتجارب لابد ان تمثل
كلها في الملتقي لتقدم لنا صورة هذا الفن, أو علي الاقل
صورته كما نراها نحن الآن, سواء رضينا عما نراه أو ترددنا
وتحفظنا, واغلب الظن اننا سنرضي عن اشياء, وسوف نتحفظ إزاء
أشياء أخري.
في الامسيات الشعرية سنلتقي بالشعر وجها لوجه, نستمع
للشعراء, ونتلقي منهم قصائدهم باصواتهم واشاراتهم, ونري
كيف يعبرون عن هذه التطورات وهذه التحولات التي لابد ان يتطور
بها الشعر ويتغير وتتعدد مذاهبه واتجاهاته, دون ان ينسلخ عن
نفسه, اويتنكر لطبيعته.
وفي الجلسات النقدية نطرح الاسئلة التي يطرحها علينا الشعر
ويطرحها الناس عليه, ونستمع لاجابات النقاد, ونناقشهم
فيها, ماالذي حققه الشعراء العرب من صور التجديد والتجريب
خلال الاعوام الماضية؟ وكيف نقرأ الشعر الآن؟ هل ندخل اليه من
باب واحد, أم ان مداخل القراءة متعددة؟ وكيف نتلقي الشعر؟
نتلقاه مكتوبا أم مسموعا, ام ملحنا ومغني؟
وكيف نتذوقه في هذه الحالات المختلفة؟ وأي هذه الحالات اقدر
علي ان تحمله لنا بكل طاقته, وان تزودنا وتمتعنا بكل ما فيه
من صور, وايحاءات, وايقاعات ومعان, وافكار؟ وكيف اتصل
شعرنا بالشعر الأجنبي, كيف اخذ منه وكيف أعطاه؟
وماهي علاقة, الشعر بالفنون الأخري؟ وما مكانه في مناهج
التعليم؟ وماهو مستقبله؟
هذا النشاط لن يحصر نفسه في مكان, ولن تستأثر به القاهرة
وحدها, وانما سيتوزع في انحاء القاهرة وانحاء البلاد, حيث
يشارك فيه شعراء مصر علي اختلاف مواطنهم, وجمهور الشعر في
العاصمة وفي خارج العاصمة, وذلك بالقدر الذي تسمح به الظروف
والامكانات!
الجلسات النقدية سينعقد معظمها في المجلس الأعلي للثقافة,
اما الامسيات الشعرية فسوف تتنقل في القاهرة بين المجلس,
والاوبرا, وبيت الامة ـ بيت سعد زغلول, وكرمة ابن هانئ ـ
بيت امير الشعراء ـ واتحاد الادباء في القلعة وفي الوقت الذي
تتواصل فيه الامسيات الشعرية في القاهرة ستقام امسية في
الاسكندرية, وامسية أخري في الاسماعيلية يشارك فيها شعراء
المدينتين مع مجموعة مختارة من الشعراء المصريين والعرب
والأجانب.
نعم نريد ان يكون هذا الملتقي الذي سيعقد مع مقدم الربيع عيدا
قوميا للنشوة والفرح والحب والابداع, نريد ان يكون بحق ربيعا
للشعر. لمن يكتبونه, ولمن يقرأونه.
الأهرام
|