عن الشاعر | راسلنا | صوت الشعر | لقاءات | قراءات نقدية | قصة | مقالات أدبية | شعر |
دعاتهم .. ودعاتنا! سيد جودة - مصر / هونج كونج الندوة العربية – هونج كونج في 29 أغسطس 2007
تحكي القصص البوذية عن بورنا – ذلك الراهب البوذي الذي شاء أن يذهب ليعظ أهل سرونابرانتا ، وكان معروفاً عنهم الهمجية والعنف. حاول رفاقه الرهبان إثناءه عن عزمه دون جدوى. جاء بورنا إلى بوذا لينال منه البركة ، فقال له بوذا: أنت تعلم تمام العلم يا بورنا أن أهل سرونابرانتا همجيون وعنيفون. إنهم سريعو الغضب ويقتل بعضهم البعض. لو أهانوك أو سبوك أو غضبوا منك فماذا أنت فاعلٌ؟ قال بورنا: إن فعلوا هذا معي فسأظن بهم خيراً لأنهم لم يضربوني أو يلقوني بالحجارة. قال له بوذا: ماذا لو ضربوك وألقوا عليك الحجارة؟ قال بورنا: حتى لو فعلوا هذا فسأظن بهم خيراً لأنهم لم يقتلوني. قال بوذا: وماذا لو قتلوك؟ قال بورنا: حتى لو قتلوني فسأظن بهم خيراً لأنهم حرروني من قيود جسدي. قال بوذا: بورنا ، لقد وُهِبْتَ الوداعة والصبر. يمكنك أن تذهب لتعيش مع أهل سرونابرانتا. أرهم الطريق ليكونوا أحراراً مثلك! هذه القصة ترينا كيف يجب أن يكون الداعية البوذي. لا يكفي أن يكون ذا علم فقط ، بل يجب أن يكون ذا وداعةٍ وصبرٍ ليحتمل كل ما سيلاقيه من إهانات وشتائم وعنف قد يصل لحد القتل. فالداعية الذي يتملكه الغضب لا يجب أن يكون داعية ، والداعية الذي ينفر الناس منه ومما يدعو إليه بإشاعة العداوة بينه وبين الناس لا يجب أن يكون داعية ، والداعية الذي يتصيد أخطاء الناس فيه ليقيم عليهم الدنيا ويقعدها لا يجب أن يكون داعية ، والداعية الذي يتوعد بملاحقة الناس في بيوتهم حتى لو جاعوا لا يجب أن يكون داعية! الداعية يجب أن يكون حلو المعشر ، سمح الوجه ، حسن الخلق ، طيب القلب ، قلبه كالنهر الكبير الذي إن أسقطت فيه قطعة من الطين لا تعكره ، بل يبتلعها في بطنه ليحولها ماءً عذب المذاق للشاربين. الداعية لا يغضب حتى لو سبه الناس. يحكى أن الراهب الهندي إكناث كان مثالاً لوداعة الخلق والهدوء ، وكان هناك أناسٌ يغارون من سمعته الطيبة فأرادوا أن يثبتوا للناس أن الراهب إكناث يتملكه الغضب كأي شخص آخر، فوعدوا شخصاً بجائزة كبرى إذا ما نجح في إغضاب الراهب إكناث. كان من عادة الراهب أن يستحم صباح كل يوم في النهر المقدس ، وبعد أن انتهى من استحمامه وأثناء عودته لبيته ، كان الرجل الذي يتوعده جالساً على قارعة الطريق فبصق عليه. عاد الراهب إكناث بهدوء إلى النهر واستحم مرة أخرى. في طريق عودته بصق عليه الرجل مرة أخرى فعاد الراهب إكناث للاستحمام. وتكرر هذا الحال دون أن يتعب الرجل من البصق ، ودون أن يكل الراهب من الاستحمام ، ودون حتى أن يظهر أي ضجر. استمر الحال هكذا طيلة اليوم إلى أن ارتمى الرجل على قدمي الراهب يطلب منه العفو والمغفرة لما بدر منه ، وحكى له عن الجائرة الكبرى التي كان سينالها لو نجح في إغضابه. قال له الراهب إكناث: أسامحك على ماذا؟ أنا أشكرك أن جعلتني أستحم في النهر المقدس مئة وثمانية مرة. إن هذا ليوم مباركٌ لن أنساه في حياتي. ولو كنت أخبرتني أنك كنت ستنال جائزة كبرى لو أغضبتني لكنت تصنعت الغضب من أجل أن تنالها! هذا هو خلق الدعاة البوذيين والهندوس ، وهذا هو خلق الدعاة لأي دين. في ديننا الإسلامي فيض من الآيات والأحاديث والقصص التي تملأ كتباً عن خلق الدعاة وصفاتهم. والسيرة النبوية زاخرةٌ بدروس وعظات تصف الداعية كما ينبغي أن يكون لا أراني في حاجة لسردها هنا إلى دعاتنا ، فالعارف لا يُعرَّف. والداعية الحق هو من يذكِّر الناس بهذه الدروس ، يذكِّرهم بها بأن يتمثلها فعلاً لا قولاً ، بأن يكون مثالاً حياً لإثبات القدرة على تطبيقها ، ولإثبات أنها دروس للحياة لا للقراءة والتسلية. والداعية الحق يجب أن يكون خلقه القرآن الذي جاء فيه "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" ، وجاء فيه "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". هذه هي أخلاق الدعاة كما أراد القرآن ، فهل الدعاة الجدد يقتدون بهذا؟ أم أن ملاحقة المفكرين في المحاكم أهم لديهم لما يجنون من جراء هذا من مال هو إليهم أحب ، وأضواء هي إليهم أكثر جاذبية مما يدعون إليه؟!
|