Closed Gate
عن الشاعر راسلنا صوت الشعر لقاءات قراءات نقدية قصة  مقالات أدبية شعر

ثقافة الأخذ بالثأر

سيد جودة - مصر / هونج كونج

هونج كونج في 18 أغسطس 2007

لقد كشفت قضية بيع أثاث منزل الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي عن جانب قبيح من جوانب حياتنا الثقافية. وعلى الرغم من ظني بأن هذا الصمت المريب ما هو إلا شماتة من البعض ، وازدواجية مواقف من البعض الآخر ، وترتيب أوراق من البقية المترددة ، وعلى الرغم من يقيني بوجود العديد من العداوات ضد الأستاذ حجازي ، معظم هذه العداوات لأسباب شخصية مثل عدم نشره قصائد فئة بعينها ، ومثل موقفه الصريح من شعراء قصيدة النثر الذين يكتبونها استسهالاً ، على الرغم من كل هذا فلن أقف هنا موقف المدافع عنه أو المبرر لأقواله ومواقفه ، بل سأسلم جدلاً ومن باب إتاحة الفرصة للنقاش أن كل كارهيه ومعاديه على حق وأنه على باطل ، سأفترض هذا جدلاً على الرغم من عدم قناعتي به ، ولكن احترام الرأي الآخر والاستماع له من مظاهر الرقي الفكري الذي يجب أن نتحلى به تطبيقاً وممارسة ً لا قولاً وادعاءاً. بعد أن أفترض هذا الافتراض سأطرح سؤالاً وأعلم مسبقاً أني أعرض نفسي لعداء من يعادونه ، ولكن لا بأس فالمثقف الحقيقي هو صاحب موقف وذو رأي ولا مفر من أن يغضب رأيه فئة من الناس ، هذه ضريبة واجبة الدفع. والآن السؤال الذي أطرحه هو: هل يدافع المثقف عن حرية رأي من يؤمن برأيه فقط و من يرضى عنه فقط؟ أم يجب على المثقف الدفاع حتى عن هؤلاء الذين يخالفونه الرأي ليكفل لهم حرية التعبير عن هذا الرأي؟ هذا هو السؤال الذي أطرحه ، فما إجابته؟
         
إن ما نراه على الساحة الأدبية من صمت معظم المثقفين كشف لنا أية ثقافة تحملها عقولنا ، وأية مبادئ هشة ندعو لها ، وأية عبارات طنانة وبيانات خاوية من المعنى نخرج بها على الناس ، وكشف لنا كذلك عن البناء الأجوف لهيكلنا الثقافي ، وكيف أن ثقافة الأخذ بالثأر والشماتة هي التي تحكم مثقفينا وتحدد توجهاتهم وترسم حدود العلاقات فيما بينهم. وأذكـّر مثقفينا الكرام ما وقع من فولتير حين أخرج جان جاك روسو كتابه "العقد الاجتماعي" وثارت الكنيسة على الكتاب وطالبت بمصادرته فما كان من فولتير إلا أن ثار على الكنيسة ذاتها وكتب لجان جاك روسو قائلاً: "أنا يا سيدي لا أتفق معك في كلمة مما ذكرت ، ولكنني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحرية رأيك!" هذا هو موقف فولتير مع أشد خصومه في الفكر ، وهكذا تكون مواقف العظماء: الدفاع عن حرية الرأي حتى لأشد خصومنا وحتى لهؤلاء الذين لا نؤمن بكلمة مما يقولون. ولا شك عندي في أن قضية الأستاذ حجازي هي قضية حرية رأي وفكر وليست قضية سب وقذف. يؤيد هذا بعض أساتذة الفقه القانوني الذين ذهبوا هذا المذهب وعارضوا الحكم القضائي قائلين إن ما كتبه الأستاذ حجازي لا يدخل قطعاً في دائرة السب والقذف. هذا ما لا يريد أن يراه هؤلاء الذين شرعوا في التعبير عن شماتتهم بمجرد أن قرءوا خبر الحجز على أثاث بيت الشاعر الكبير فأساءوا لأنفسهم وكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. إن ما حدث لهو ردّة ٌ ثقافية وفكرية تعيدنا لعصور الاستبداد الفكري وتلغي بجرة قلم كل ما قطعناه وأنجزناه في مجال حرية الرأي والإبداع وظننا أنه قد آن الآوان لأن نجني ثماره.
         
إنني أدعو كل هؤلاء الصامتين أن يخرجوا عن صمتهم ، وأن يترفعوا عن عداواتهم ، وأن يتذكروا أنهم اليوم متفرجون وشامتون وغداً قد يكونون المتهمين – هذا إن كانوا أصحاب فكر ، بل قد يكونون متهمين حتى بدون أن يكونوا أصحاب فكر ، كما نرى في بعض الأعمال التي لا تحمل فكراً ولكنها تتعرض للغضب والمصادرة ، فالوباء استشرى وأتى على الأخضر واليابس دون تفرقة.
         
نعم ، أدعو الصامتين إلى الخروج عن صمتهم ، فصمتهم سيسلبهم أية مصداقية حين ينافحون عمن يرضون عنه مستقبلاً. إن هذه الازدواجية بغيضة أهيب بهم أن يقعوا في شباكها، وأدعوهم لأن يكونوا كباراً في نفوسهم ، عظماء في مواقفهم. ولئن كانت ثقافة الأخذ بالثأر ، وثقافة الشماتة ، وثقافة تصفية الحسابات هي ما يحكم مجتمعنا الثقافي فلبئس ما نحن عليه مقبلون! وعلينا أن ننتظر المزيد من المزادات في أعوامنا المقبلة – مزادات نطفئ فيها الوهج الأخير من إبداعاتنا ونمحو فيها ما سطرته أقلامنا المنكسرة على حدّ سيوف الدعاة الجدد!

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

إلى دار ندوة

عودة إلى موقع ندوة

ضع إعلانك هنا