عن الشاعر | راسلنا | صوت الشعر | لقاءات | قراءات نقدية | قصة | مقالات أدبية | شعر |
سيد جودة - مصر / هونج كونج
ما إن قال محمود درويش إن المتنبي أكثر عصرية منا جميعاً حتى فتحت عليه النيران من شعراء قصيدة النثر, وتتابع الهجوم عليه وعلى جمال الغيطاني الذي كتب مقالاً بعنوان "احتضار الشعر" في أخبار الأدب. الشيء المؤسف الذي يسترعي الانتباه هو أن هؤلاء المهاجمين بأسلوبهم هذا يجعلون من أنفسهم فعلاً ميليشيات لإثارة الفزع في نفس كل من تسول له نفسه بمخالفتهم أو حتى بتلفظ ما لا يرضيهم. فاللغة التي يستخدمها معظمهم تفتقر لأدب الحوار الذي يحتم على المحاور أن يحترم الطرف الآخر حتى وإن خالفه الرأي. وحين يصل الأمر للتطاول على شاعر كبير كمحمود درويش وعلى روائي كبير كجمال الغيطاني والتساؤل من هما حتى يكتبا ما كتبا, فإن في الأمر ولا شك خللاً. وتساؤلهم هذا يستنفر تساؤلاً عكسياً ألا وهو "ومن أنتم؟!". لا أخفي أني لم أكتب قصيدة النثر لعدم احتياجي لكتابة الشعر تحت مظلتها ولعدم تذوقي لمعظم النصوص التي تكتب نثراً, ومع ذلك فاحترام رأي الغير شيء آخر, بل قد يكون الاختلاف أحياناً من الظواهر الصحية طالما يحدث في مناخ من الاحترام المتبادل, ولكن للأسف الاختلاف فن نحن لا نجيده. والمشكلة في رأيي ليست في قصيدة النثر فهي ليست السبب الرئيسي فيما آل إليه حال الشعر العربي الآن والتي هي في حالة رثة من مختلف الأوجه سواء على مستوى الشعر العمودي أو قصيدة التفعيلة أو النثر. فحين يكون هناك نهضة ثقافية فإنها تشمل كل ما اندرج تحتها من فروع, وحين يكون هناك كبوة ثقافية يحدث العكس وأيضاً في كل فروعها. وهل يختلف اثنان على أن هناك كبوة فنية وغنائية وأدبية؟ إن كان هناك من يرى أننا نعيش أزهى عصورنا الشعرية والفنية وأننا قد أتينا بما لم تأت به الأوائل فهو يخدع نفسه ويرفض أن يرى الحقيقة التي يراها من يلقي نظرة سريعة على الساحة الأدبية التي تفتقد ناقداً أدبياً مثل طه حسين والعقاد أو شاعراً مثل أمل دنقل والسياب وعبد الصبور والبياتي (اللهم إلا من قلة قليلة مثل محمود درويش الذي يهاجمه من لم يقدم بعد للشعر العربي مثل ما قدم محمود درويش). إنها كبوة ثقافية طالت الشعر والنقد وكل أوجه الحياة الفنية وأحدثت انقساماً بين الشاعر والقارئ من جهة وبين الشاعر والناقد من جهة أخرى. أقول لشعراء قصيدة النثر وفروا طاقاتكم, وبدلاً من تفريغها في مهاجمة هذا وسب ذاك, استثمروها في كتابة شيء ذي قيمة يكون هو أفضل ردٍّ على خصومكم. اكسبوهم لصفوفكم بالإبداع الذي يلزمهم باحترام ما تكتبون وليس بإرهابهم فكراً وكأننا في قتال شوارع صرتم فيه ميليشيات لا مبدعين!
|