![]() |
شعر مترجم |
صابرة وصامدة يا غزة ...
فراس ياغي - رام الله / فلسطين
صمود أسطوري تسجله غزة وشعبها ومقاومتها، فالقتل والمجازر والتدمير لم تستطع أن تحنيها أو تدفعها لرفع الراية البيضاء، والآلة العسكرية الإسرائيلية الأقوى والأضخم في الشرق الأوسط، بل الرابعة على مستوى الجيوش في العالم، لم ولن تستطيع تركيع شعبنا الفلسطيني في غزة، وأبدا لن تحقق أهدافها مهما توسعت وحتى لو وصلت لاحتلال قطاع غزة وبقيت فيه أشهر طويلة بل وحتى سنوات، فالحل العسكري انتهى مفعولة منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، خاصة أن من يواجه هذه الآلة العسكرية هي حركات مقاومة منطلقاتها وقاعدتها دينية مؤمنة ومستعدة للتضحية إلى أبعد حد، حركات محصنة أيديولوجيا وليست دول أو حركات تحكمها شرائح طفيلية اقتصادية همها الأول امتيازاتها في الحكم وشهواتها بل طمعها المالي الغير محدود دون أدنى تنمية حقيقية للشعوب التي تحكمها. إن العدوان على غزة يهدف بالأساس لتحقيق نتائج سياسية، أهمها ضرب مفهوم الصمود والمقاومة والممانعة كأساس قيمي وكفكرة قابلة للحياة والاستمرار والانتصار، فكرة تجسدت على الأرض ونجحت في صندوق الاقتراع وشكلت عقبة فعلية أمام أي تسوية بشروط إسرائيلية لا تلبي الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، ويبدو أن الفكرة الجديدة، والمبدأ الجديد الذي يطرحه مستشاري "أوباما" والذي يتمثل بمعادلة السلام مقابل التغير الاستراتيجي في المنطقة، كما قال السفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل "مارتن ايندك" ورئيس معهد "سبان": "على الإسرائيليين أن يدركوا بأن المعادلة في المنطقة قد تغيرت فالمعادلة الآن ليست أرض مقابل سلام، بل أرض مقابل تغير استراتيجي في المنطقة"، وهذا لا يمكن تحقيقه دون التخلص من العائق الفلسطيني في غزة والذي يشكل الضلع الثالث في مثلث ما يسمى محور "المقاومة والممانعة"، فالأهداف المحددة للمنطقة تتطلب إحداث تسوية للملف الفلسطيني بطريقة أو بأخرى، لأن قوى الاعتدال العربي أو ما يسمى محور "الاعتدال العربي" بحاجة لتحقيق تقدم ما في هذا الملف، مقابل التحالف العلني مع إسرائيل لمواجهة الخطر القادم من الشرق.وبقراءة سريعة للواقع الفلسطيني ولطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ورأس حربته العدوان العسكري الذي بلغ ذروته بالمجازر التي تحدث في غزة، فان خيار المقاومة والصمود لم يسقط أبدا ولن يسقط، فالحصار الذي ضرب على الشعب الفلسطيني لمعاقبته على خياره الديمقراطي لم ينتج عنه حتى الآن سوى ازدياد التطرف والتمسك بالحقوق الوطنية وإضعاف من يحملون فكرة الاعتدال والتسوية، بل إن أصحاب هذا الفكر أصبحوا في مهب الريح وعلى حافة الهاوية وفقدوا شعبيتهم حتى بين جماهيرهم نتيجة للعدوان على غزة، بل إن هؤلاء ومهما كانوا صادقين في نواياهم وفي تحركاتهم، لا يصدقهم أحد، بل وصلت الأمور أنهم متهمون في وطنيتهم، وأصبح همهم هو الدفع بهذه التهمة عنهم، وهذا كله جاء كحصيلة لثماني سنوات من سياسات إدارة الرئيس الأمريكي "بوش" في الشرق الأوسط، ومنطق وغرور القوة العسكرية التي تتعامل بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. واقع الأمر الفلسطيني الحالي بحاجة سريعة وعاجلة لعلاج جذري وليس لمعاتبات أو تحميل مسئوليات لهذا الطرف أو ذاك، فالانقسام الداخلي كان أكبر تشجيع للعدوان الوحشي على "غزة"، وانعكاس الحالة العربية الراهنة كان له تأثير كبير في حدوث الانقسام واستمرار العدوان، القيادة الفلسطينية مطلوب منها أكثر من أي وقت مضى إتخاذ خطوات حازمة وعملية وبعيدا عن مسألة الاقتراحات والمبادرات والأمنيات والادانات، فالدم هو الذي يتكلم والمشروع الوطني ككل في خطر، ومن يعتقد أن منطقته عصية، في ظل نفوذ المناطق الفلسطيني، عما يجري في غزة فهو واهم، خاصة أن المقصود ليس حركة "حماس" فقط بقدر ما هو مفهوم وفكرة "المقاومة" ضد الاحتلال وليس أسلوبها أو طريقتها، المقصود تحضير الأرضية لتسوية القضية الفلسطينية بطريقة تمكن البعض من تنفيذ مشاريعه الاستراتيجية في المنطقة، مشاريع غير مكتملة النضوج ولا تصل للخطوط الدنيا للحقوق الفلسطينية المشروعة والعربية ككل، فالاستراتيجية الجديدة تستند لمنحنيات وأشكال هندسية مشوهة تعيدنا لفكرة إحياء حماية "الجبهة الشرقية" للوطن العربي لأن العدو الفعلي يأتي من هناك، وهذا منطق غريب ولا يؤسس أبدا لاستقرار المنطقة، بل يعيد تفجيرها من جديد وبشكل أكثر عنفا. إن العقبة ليست "غزة" والحل لا يأتي من هناك، العقبة موجودة في "تل أبيب"، والرافض للمبادرات العربية يأتي من هناك، والمجازر والدماء المسالة على الأرض ستؤسس لفكر متطرف جديد لن يكون إلا "أفغانستان" جديدة في "غزة" و"عراق" جديدة في الضفة وهنا تكمن الخطورة فيما يحدث الآن، وهذا يستدعي من "القيادة الفلسطينية" ومجموع فصائل "منظمة التحرير" القيام بخطوة تقلب كل المخططات، للحفاظ على نفسها أولا قبل أن تحافظ على غيرها أو على المشروع الوطني ككل، فوقف ما يسمى المفاوضات المتوقفة أصلا والموصدة أبوابها كما قال "الرئيس" ليست هي المطلوبة والدعوة للحوار والوحدة الوطنية في ظل القصف الجوي والبري والبحري غير ذي فائدة الآن، وإنما موقف يمثل خطورة حقيقية على المخطط الاستراتيجي ككل ويوقف العدوان، وهذا لا يكون إلا من خلال العودة لما قبل "اوسلو"، إلى المنظمة والشتات والعمق الشعبي العربي والإسلامي، واتخاذ هذه الخطوة هدفه الأساسي الحفاظ على النفس أولا وقبل كل شيء وهي تسبق المصالحة الوطنية، وما يجري أكبر من دعوة هنا وهناك ونتائجه ستكون عواقب وخيمة على "المنظمة" و"فصائلها" و"فتح" بالأساس، ف "حماس" بعد أن أخذت شرعية صندوق الاقتراع، أصبح لديها شرعية جديدة وأهم، الشرعية الثورية التي طالما تغنى بها الشهيد القائد والرمز "ياسر عرفات". أخيرا نتائج العدوان هي التي ستحدد المشهد الجديد في الواقع الفلسطيني والعربي، ولكن مهما تكن هذه النتائج فهي لن تكون أبدا في صالح المعتدلين العرب والفلسطينيين، ف "إسرائيل" لن تحقق أكثر من تهدئة وفتح معابر ورفع حصار، وهذا هو موقف حركة "حماس" وقصفها للمدنيين وتدميرها لكل شيء لن يدفع السكان في غزة للانقلاب على حركات "المقاومة" وعلى رأسها "حماس" وعبرة حصار حكومة "حماس" وحكومة الوحدة الوطنية، وحصار "غزة" بعد الانقسام لا زالت ماثلة أمامنا، فالقضية الفلسطينية ليست موضوع إنساني كما يحاول البعض التركيز عليه وعلى أهميته، إنها قضية وطنية وحقوق واحتلال جاثم لا يريد الانسحاب، وإذا احتلت إسرائيل غزة كاملة وهذا مستبعد فنحن أمام مشهد من نوعيه أخرى، مشهد أكثر دموية وأكثر وحشية سنرى ذيوله في "رام الله" قبل "غزة"، ومن يعتقد أن "غزة" الصابرة والصامدة سترفع أيديها مستسلمة فهو واهم، وهو لا يقرأ الواقع الحقيقي للعقلية التي تجذرت في المنطقة وفي المشهد الفلسطيني بالذات.
|
|
|
![]() |
![]() |
|