ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

الغزو الثقافي‏..‏ وهم أم حقيقة ؟‏(2)
د‏.‏ عاطف العراقي - مصر / أستاذ الفلسفة ـ آداب القاهرة

 

تناولنا في المقال السابق جانبا من سمات الحضارة الغربية ودوافع الاستفادة منها‏,‏ وفي هذا المقال نشير الي انفتاح العرب والمسلمين في عصور سابقة علي الغرب‏.‏

إن تاريخنا الثقافي في الماضي كان تاريخا مزدهرا لأنه انفتح علي أفكار الآخرين‏,‏ ولم نسمع خلال العصر العباسي ـ وهو أكثر العصور انفتاحا علي الفكر الغربي اليوناني ـ عن حركة رجعية تدعو إلي الانغلاق والرجوع إلي الوراء‏,‏ لم نسمع عبارة الغزو الثقافي التي تتردد الآن‏,‏ فإذا كنا في الماضي قد انفتحنا علي أفكار الأمم الأخري‏.‏ أليس يجدر بنا الآن أن نتجه بكل قوتنا إلي التعرف علي فكر الآخرين أم سنصبح مثل النعامة التي تخفي رأسها في الرمال ولا تواجه الواقع‏.‏ إن العلم مكانه الآن في الغرب‏,‏ والحضارة الآن مكانها في الغرب‏,‏ سواء أردنا أو لم نرد فلنتجه بكل قوتنا إلي الاستفادة من حضارة الغرب‏.‏ إن حضارة الغرب تمثل النور لا الظلام‏,‏ تمثل الحركة لا السكون والجمود ولكن أكثرهم لا يعلمون‏.‏

ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن كل مجد لفكرنا العربي‏,‏ لابد أن يتعاطف مع الانفتاح علي الحضارة الغربية ولكن بشرط الاحتفاظ بهويتنا الثقافية‏,‏ وقيمنا الخلقية وأدياننا السماوية‏.‏ وإذا وجدنا في حضارة الغرب بعض السلبيات‏,‏ فهل الحل هو أن نقوم بغلق النوافذ تماما حتي نصاب بالاختناق ثم الموت‏.‏

لقد دعانا مفكرون في الماضي ـ الماضي المزدهر ـ إلي ضرورة التعرف علي أفكار الآخرين لأنهم أدركوا أنه لا مفر من ذلك‏.‏ أدركوا أن الانفتاح علي الحضارات الأخري يعد ظاهرة صحية‏,‏ لا ظاهرة مرضية إن المرض لا يأتي من الحضارات الغربي‏,‏ بل إن المرض يجيء من أصحاب العقول الرجعية المتحجرة‏,‏ والذين يريدون لنا الرجوع إلي الوراء‏,‏ الرجوع إلي الخلف وإذا زعموا بأن أفكارهم الضيقة المظلمة تؤدي بنا إلي الصعود والانطلاق‏,‏ فإننا نعتقد أنه صعود إلي الهاوية‏,‏ وانطلاق إلي الخلف وليس إلي الأمام‏.‏ إنه يعني العبودية وليس التحرر‏.‏

نعم لقد دعانا مفكرونا في الماضي إلي أن ننفتح علي أفكار الآخرين‏.‏ لقد دعانا الكندي كما سبق أن أشرنا إلي ضرورة دراسة الحقيقة كحقيقة‏,‏ أي بصرف النظر عن مصدرها‏,‏ أي سواء جاءت إلينا من بلاد العرب‏,‏ أو جاءت إلينا من بلاد اليونان‏,‏ أي بلاد الغرب‏.‏ كما دعانا ابن رشد آخر فلاسفة العرب وعميد الفلسفة العقلية في وطننا العربي‏,‏ إلي ضرورة التعرف علي أفكار الأمم الأخري‏,‏ وما كان منها صوابا قبلناه منهم‏,‏ وما كان منها غير صواب نبهنا إليه ولم نأخذ به‏.‏ ولذلك كان فكر هؤلاء المفكرين يمثل التعاطف بين القيم الخلقية‏,‏ والتقدم العلمي ومنجزات الحضارة‏.‏

ماذا يريد هؤلاء الذين يتشدقون بعبارة أو مصطلح الغزوالثقافي هل يريدون أن يكونوا أوصياء علينا‏,‏ إن العقل لا وصاية عليه فالوصاية لا تكون إلاعلي الطفل وعلي المجنون أيضا‏.‏

ما الضرر الذي يصيبنا إذا تعرفنا علي أفكار الآخرين؟ لا ضرر إطلاقا‏.‏ هل وضع أنصار الرجوع إلي الخلف أو إلي الوراء‏,‏ رغم أننا في القرن العشرين‏,‏ قرن التقدم‏,‏ قرن العلم والحضارة‏.‏ إن العلوم لم تنشأ عند العرب إلا بعد اتصالهم بالأمم الأخري؟

أي منطق يعتمد عليه الذين يقومون بالهجوم علي الحضارة الغربية عن طريق وصفها بأنها تعد غزوا ثقافيا‏.‏ من العجيب بل من المؤسف أننا أسرفنا في اختراع عبارات ومصطلحات لا تعبر عن الواقع من قريب أو من بعيد‏,‏ تماما كما نقول بغزو ثقافي‏,‏ وبإعادة بناء الإنسان العربي‏.‏ وكأن الإنسان العربي قد تبعثرت أعضاء جسمه ويحتاج إلي إعادة بناء أو ترميم‏!!.‏ إن الغزو الثقافي يعد وهما‏,‏ ويعد فيما نري أسطورة ولا خطر منه إطلاقا علي ثقافتنا وعلي شخصيتنا لأن صاحب المعدة القوية لا يخشي من تناول أي نوع من أنواع الطعام‏.‏ وهل ضاعت شخصية العرب في الماضي بعد انفتاحهم علي فكر الغرب؟ ما الداعي إذن لإطلاق ألفاظ وعبارات وهمية كعبارة الغزو الثقافي والتي لاتختلف فيما أري عن كلمات الغول والعنقاء‏.‏ إن هذه العبارات والشعارات تؤدي بنا إلي وجود قطيعة بين القيم الخلقية والتقدم العلمي وعلي رأس القيم الخلقية‏,‏ قيمة الحرية الجوهرة الغالية التي يجب أن يتمسك بها كل إنسان‏.‏

انظروا إلي منجزات الحضارات الأخري‏,‏ سواء كانت منجزات فكرية أو كانت منجزات مادية‏.‏ إنها منجزات تدعو الإنسان لأن يفاخر بتلك الحضارات‏.‏ إنها منجزات إنسانية أولا وقبل كل شيء لأنها نتاج الإنسان وليست نتاجا للحيوان‏.‏ فالحيوان لا يبدع حضارة‏,‏ ولكن إبداع الحضارة من وظيفة الإنسان فحسب‏.‏

إننا نعتقد بأن أقوال أو حجج دعاة الانغلاق والذين يرددون عبارة الغزو الثقافي تعد نوعا من الكلام الزائف‏,‏ كالعملة المزيفة تماما إن دعوتهم تعد كلاما في كلام وهم في حقيقة أنفسهم من أكثر الناس استفادة من منجزات الحضارة الغربية‏.‏ فما الداعي إذن إلي المغالطة؟ ما الداعي إذن لإطلاق دعوات لو استمعنا إليها واستجبنا لها فإن حياتنا ستصبح ظلاما في ظلام؟ ستصبح حياتنا تعبيرا عن حالة من الاكتئاب المستمر والذي لا مبرر له‏,‏ لقد وجدنا في حياتنا كي نحيا في سعادة لا لكي نموت‏.‏ وجدنا في حياتنا لكي نفكر بأنفسنا ونطلع علي أفكار الآخرين ولم نوجد كي نتقوقع داخل أنفسنا ونضع ستارا كثيفا أوحجابا أسود بيننا وبين شعوب أخري تعد الآن أكثر تقدما منا بمراحل‏.‏

إن واجبنا إقامة حوار فكري وثقافي وحضاري بيننا وبين تلك الشعوب‏.‏ فالحوار كالجسور تماما‏.‏ ومن يتوهمون هذا الغزو الثقافي‏,‏ من يقولون بالانغلاق‏,‏ إنما يريدون هدم الجسور‏,‏ هدم قنوات الاتصال‏,‏ يريدون لنا العبودية وليس التحرر‏,‏ وإذا استمعنا لكلامهم‏,‏ فلن يتحقق لنا الاستمرار‏,‏ لن تتحقق لنا الحياة كما ينبغي أن تكون الحياة‏.‏ وإذا كانت بعض أقوالهم قد تعد نوعا من التعبير عن المرض النفسي‏,‏ أو المرض العقلي فإننا لسنا ملزمين بالاستماع إلي كلام المرضي‏,‏ بل من واجبنا الإصغاء والاستماع إلي دعاة النور دعاة الحضارة‏,‏ دعاة الاعتماد علي العقل وتقديسه‏.‏ إن هذا كله يعد فيما نري أفضل ألف مرة من أن نكتفي بالقول‏:‏ أمجاد يا عرب أمجاد‏.‏ إن هذا كان في الماضي وليس من الضروري أن يكون في الحاضر والمستقبل‏.

(نقلاً عن الأهرام)

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا