ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

من غيتو وارسو في بولندا الى غيتو غزة في فلسطين

أدوار تتبدل وتاريخ يعيد نفسه

جمال قارصلي / برلماني ألماني سابق

 

قبل يومين وتحديدا في تاريخ 21 يناير2008 قامت الحكومة الاسرائيلية باطباق الحصار على 1،5 مليون مدني فلسطيني في قطاع غزة، بقطع الكهرباء وامدادات الغذاء والدواء والوقود وكل وسائل الحياة الضرورية عما يمكن تسميته بحق غيتو غزة، حيث يحتجز شعب بأكمله خلف الجدران والأسلاك الشائكة في منطقة ضيقة جدا من الأرض، ليس فيها شيء يذكر من اسباب الحياة سوى بعض أعمال الزراعة والصيد، حيث يمنع السكان من ممارستهما بقوة سلاح الجيش الاسرائيلي.

واذا لم يكن قطاع غزة بهذه المواصفات وتحت هذه الظروف معسكراعتقال ضخم على النمط النازي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فماذا يمكن تسميته؟!

وكم هو مؤلم ان يعيد التاريخ نفسه وان تتبدل الأدوار ويصبح بعض أحفاد الضحايا قتلة ومجرمي حرب، يمارسون ما تعرضوا له دون وجل او خشية ولا تأنيب ضمير امام تاريخ لهم كانوا فيه الضحايا الذين استحقوا التضامن حينذاك.

ففي تاريخ 19 ابريل 1943 قامت قوات الاحتلال النازي الألمانية ممثلة بقوات ال (SS) بهجوم على الحي اليهودي الفقير في وارسو عاصمة بولندا، حيث استهدفه النازيون بكل عنصريتهم وإجرامهم وحاصروه وجوعوه. كان اليهود في الغيتو قد تعرضوا بعد احتلال بولندا سنة 1939 لكل أنواع التجويع والترحيل والقتل العشوائي، فكان ان ثار بعضهم في 19 نيسان/ابريل 1943 وأطلقوا النار ورموا قنابل يدوية على الجنود النازيين الألمان. رد النازيون بقصف البيوت وقتل اليهود أو اعتقالهم،وحصار الغيتو، حيث انتهت المقاومة فعلياً في 23 من الشهر نفسه، كما انتهت الانتفاضة كلها في 16 ايار/مايو من العام التالي بعد قتل حوالى سبعة آلاف يهودي وإحراق ستة آلاف آخرين أو موتهم بالغاز. وكان الغيتو في الأصل يضم 370 ألف يهودي، غير ان من بقوا منهم في نهاية الانتفاضة كانوا حوالى 50 ألفاً، رحلوا في غالبيتهم الى معسكر الابادة "تربلنكا" حيث تمت ابادتهم.

في القرن الواحد والعشرين ترتكب دولة اسرائيل وبغطاء سياسي أمريكي وصمت دولي جريمة حرب على رؤوس الأشهاد وعلى الهواء مباشرة، حيث تسوق حججا مضللة لا تبرر اطلاقا جريمتها بحصار شعب بأكمله. هذا الشعب يعتبر واقعيا أعزل الا من ارادة البقاء والعيش امام الآلة العسكرية الاسرائيلية الجبارة. اتفاقية جنيف الرابعة تطالب قوة الاحتلال بحماية المدنيين وقت الحرب، وما يدور بين جيش اسرائيل والمقاومة الفلسطينية شبه العزلاء لا يعتبر حربا بالمعايير المعروفة بل مقاومة شعبية امام احتلال يحاصرها.

لم يكن لدولة اسرائيل ان تقدم على جريمة الحرب هذه ضد مدنيي قطاع غزة، لولا مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة ونفاق الأنظمة الغربية، الذي يتشدق بالديموقراطية وحقوق الانسان.

بدأت الخطيئة منذ اتفاقية باريس التي تم املائها على السلطة الفلسطينية المستضعفة حيث بقي "معبر رفح"، مرهونا بارادة قوة احتلال غاشمة. كسر الحصار يستدعي الغاء هذه الاتفاقية ليتمكن هذا الشعب المحاصر من العيش بكرامة كباقي الشعوب. جمهورية مصر العربية مطالبة أدبيا وأخلاقيا وقانونيا وبدون ابطاء بتغيير المعادلة وتزويد قطاع غزة بضرورات الحياة اللآزمة لمليون ونصف المليون من البشر حتى لا يبقوا تحت رحمة وابتزار الاحتلال.

اننا نضم صوتنا في هذا المطلب الى صوت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في قطاع غزة، التي يترأسها عضو المجلس التشريعي الفلسطيني المستقل المهندس جمال الخضري ، والى باقي فعاليات المجتمع المدني الاسلامية والمسيحية في قطاع غزة وخارجه.

المسؤلية الأخلاقية والانسانية تقتضي ان نتوجه الى المنظمات الانسانية الدولية لكسبها الى صف جوعى ومنكوبي غزة عبر الحملات الاعلامية والبيانات الموجهة حتى تقوم بدورها الذي وجدت من أجله. يضاف الى ذلك جمع الأدلة والحيثيات عن ضحايا الحصار للتقدم بدعوى جماعية امام محكمة جرائم الحرب الدولية ضد متخذي قرار الحصار الاجرامي في حكومة وجيش اسرائيل، من خلال خرقهم لاتفاقية جنيف الرابعة وارتكابهم جرائم حرب ضد الانسانية بقصفهم التجمعات المدنية والمرافق الحيوية لحياة السكان المدنيين الواقعين تحت احتلالهم وحصارهم.

لا يجوز اطلاقا ان تمر جريمة الحرب هذه بالقبول بالمسكنات والجرعات المحسوبة من الغذاء والدواء والمحروقات التي قد تقبل بها حكومة اسرائيل، من أجل امتصاص النقمة الشعبية في العالم العربي وعبر العالم، وذلك بالاتفاق مع الأنظمة العربية المعنية ضمن انصاف حلول هزيلة.

ان اقدام حكومة اسرائيل وتجرأها على هكذا خطوة اجرامية، لهو نذير شؤم لما يمكن ان تلجأ اليه مستقبلا هذه الحكومة المنفلتة العقال، حيث قامت عبر هذه الفعلة الشنعاء والدموية بكسر الحاجر النفسي الأول باتجاه خطوة على طريق الابادة الجماعية لشعب بوسائل غير القتل المباشر. في مقال سابق لي حذرت من ان ما تقوم به اسرائيل هو الخطوة الأولى على هذا الطريق وهي تستعمل طريقة الجرعات، حتى يتعود الرأي العام العالمي والعربي على هذه الجرائم لتصبح روتينية تشاهد اثناء تناول القهوة في غرف الجلوس الوثيرة من المحيط الى الخليج.

ان تصعيد الصراع الى هذا المستوى الخطير ينسف من حيث الأساس ما يسمى خطة السلام العربية ومباديء مؤتمر انابوليس، ويستدعي من الأطراف العربية النزيهة العمل بأسرع وقت على لم الشمل الفلسطيني الذي مزقه الحصار والاستفراد الأمريكي الاسرائيلي بالفلسطينين، لدفعهم للتخلي عن حقوقهم الثابتة، والاستسلام في ظل صمت عربي رسمي مريب ومدان ويثير الاشمئزاز.

اننا نرى وبصدق ان المسافة اصبحت قصيرة بين غيتو وارسو في بولندا حيث ابيد اليهود البولنديون وبين غيتو غزة في فلسطين، حيث الجريمة في وضح النهار وعلى الهواء مباشرة في تكرار وحشي لتاريخ طالما ادناه.

هؤلاء المضطهدون في غزة لا ذنب لهم الا قدرهم ان يخلقوا في هذه البقعة الطاهرة من الأرض،أرض الرسالات، أرض فلسطين حيث لم يرتكب هذا الشعب يوما اثما ولم يعتدي على أحد.

ومهما يكن من أمر ستبقى قضية شعب فلسطين من أعدل وأطهر وأقدس القضايا العالمية، واستمرارها عارا في جبين البشرية جمعاء في الماضي والحاضر والمستقبل.

امام هؤلاء الضحايا والمستضعفين في قطاع غزة يعرف الحق من الباطل والعزة من الذلة والخيانة من الوفاء والنفاق من الصدق، حيث الضمير الانساني والعربي يقف على المحك، هذا الضمير سقط في الامتحان في كل المراحل وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات امام اسوار غيتو غزة حيث تمتهن انسانية الانسان الفلسطيني.

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا