![]() |
شعر مترجم |
د . لطفي زغلول - نابلس / فلسطين
شكّل انتقال الاعلام العربي بكافة اشكاله خلال السنوات العشر المنصرمة من الارض الى الفضاء نقلة نوعية يمكن وصفها بالتوسعين الافقي والرأسي. وكما هو معلوم فان التوسع الافقي يعني الزيادة في الكم ، في حين ان التوسع الرأسي يعني التغير في النوعية والمضمون والمحتوى . بداية ثمة ملاحظة لا ينبغي الالتفاف عليها ، وتجدر الاشارة اليها مفادها ان الاعلام الفضائي ليس مقصورا على البث المرئي وحده ، وهو ما اصطلح عليه بالفضائيات ، والذي اخرج الى الأثير هذا الكم الهائل من القنوات الفضائية . لقد لعب الفضاء ايضا دوره في استيعاب الاعلام المسموع تطويرا وايصالا الى كل اصقاع الدنيا ، اضافة الى القنوات التي اختصت بنقل المواد الاعلامية المطبوعة في الصحافة المقروءة . والملاحظة الثانية تخص هذا التنوع والتخصص في مجال الفضائيات التي لم تعد مقصورة على وسائل اعلام تديرها وتشرف عليها حكومات وانظمة سياسية رسمية . فقد كسرت الفضائيات الخاصة المملوكة من قبل القطاع الخاص هذا الاحتكار لتصبح ظاهرة راسخة في المشهد الاعلامي العربي المعاصر . والملاحظة الثالثة تتمثل في تقليص دور القناة التلفزيونية الشاملة ، التي يمكن وصفها بقناة " من كل روض زهرة "، وبروز القنوات الفضائية المتخصصة . فظهرت القنوات الفضائية الاخبارية ، والرياضية ، والفنية " الغنائية والموسيقية " ، والثقافية المكرسة للادب والفنون التشكيلية والرواية والشعر والنقد الادبي ، والتعليمية المتعددة الاتجاهات ، والسينمائية ، والدينية ، والعقارية ، والدعائية ، والسياحية ، والقنوات الخاصة بالمرأة ، وغيرها . ان الحديث عن التوسعين الافقي والرأسي في مجال الفضائيات يحمل في طياته مدى اهمية هذا التوجه الاعلامي في الساحة العربية ، ومدى ما يفرزه من نتائج يفترض ان تنعكس ايجابيا على المواطن العربي الذي تعددت مصادر اقتطاف ثماره الاعلامية والمعرفية والترويحية الترفيهية والثقافية ، واصبحت في نفس الوقت سهلة الوصول اليها ، الامر الذي يمكن معه القول بان تغيرا ايجابيا ملحوظا قد طرأ على البنية الثقافية والمعلوماتية العامة للمواطن العربي . الا ان الحديث عن الدور الايجابي للاعلام الفضائي لا ينبغي ان له ان يؤدي الى التعتيم على استخدام سلبي خطير للغاية تمارسه فضائيات اخرى خرجت في السنوات الاخيرة الى الفضاء العربي ، او انها بصحيح العبارة انتهكت صفوه ونقاءه وطهره ، واستباحت حرماته ، ولونته بالوان ثقافية غريبة عن ثقافات المجتمعات العربية المحافظة في طبيعتها ، فاخذت تصول وتجول وتقتحم البيوتات العربية مستهدفة بخاصة تلك الفئات العمرية الشابة والفتية من الجنسين التي تفتقر الى الكثير من مقومات المناعة في مواجهة هذه الهجمة الثقافية العاتية باسم الحضارة والحداثة والعصرنة ومواكبة روح العصر . والاغرب من هذا كله ان هذا النمط من الفضائيات في ازدياد مضطرد ، وعلى ما يبدو انه ليس هناك من اية سيطرة حقيقية عليها من قبل الانظمة السياسية التي تبث من اراضيها وتستخدم فضاءاتها ، كونها على الارجح لا تتعاطى الامور السياسية التي هي مصدر حساسية لهذه الانظمة ، الامر الذي جعلها تتمادى في عرض برامج ومواد واغنيات مصورة اقل ما يقال فيها انها تخدش الحياء ، وتنتهك كثيرا من المحرمات والاخلاق والمبادىء والقيم والمثل السائدة . واذا كانت بعض الفضائيات الملتزمة قد اخذت على عاتقها مهام التزويد بالمعلومة النافعة والتوجيه والدفاع عن الحقوق الانسانية والحريات العامة وكشف الحقائق في اطار ميثاق شرف تلتزم به الى حد معقول ، ففي المقابل كم هائل آخذ في التزايد من الفضائيات اللامسؤولة اجتاحت الفضاء العربي هادفة الى الربح المادي باية صورة كانت واية وسيلة . وهنا سوف اتناول نموذجين من هذه الفضائيات الاخرى واقصر حديثي عليهما . النموذج الاول تمثله فضائيات تمتهن فن الغناء ، واغلبها تحمل اسماء اجنبية وان كانت هي عربية الهوية والمنشأ . وهي تعرض على مدار الساعة واليوم الاغنيات المصورة العربية ، او الاجنبية " الفيديو كليب " . وليس ثمة اعتراض على فن الغناء ، انما الاعتراض والاحتجاج على استباحة جسد المرأة استباحة ليس لها حدود . وليس ادل على ذلك من مشاهد تظهر فيها مغنيات يؤدين وصلاتهم الغنائية وهن شبه عاريات ، او راقصات مرافقات للمغنين والمغنيات في ملابس مثيرة تكشف ما لا ينبغي ان يكشف يقمن باداء حركات جسدية خلاعية اقل ما يقال فيها انها تنتهك الذوق العام والاخلاق وتثير الغرائز ، وهي في حقيقتها ابعد ما تكون ان تسمى فنا . والانكى من ذلك ان هذه الموجة الاباحية آخذة في الانتشار ، وعلى ما يبدو ان هناك منافسة شديدة محتدة بين هذه الفضائيات في الترويج لبضاعتها على حساب الاخلاق ومبادىء السلوك العام ، والقيم السائدة ، الامر الذي يدفعها الى مزيد من هذا الفلتان الاخلاقي غير الخاضع لاية رقابة مفترضة ، والذي لا هدف له الا الكسب المادي بكل الوسائل . والنموذج الثاني من هذه الفضائيات يمارس هذا النوع من الغناء والرقص الاباحيين ، الا انه اضافة الى ذلك يستخدم وسيلة المسابقات السهلة موظفا مذيعات مروجات لمسابقاته هذه يقمن باداء ادوار الاثارة من خلال ملابسهن شبه العارية وحركاتهن المائعة . وتهدف هذه المسابقات السطحية الى درجة السخافة في كثير من الاحيان الى حث المشاهدين على الاتصال الهاتفي ، او عبر الرسائل القصيرة " SMS " ، ومعلوم ان هذه الفضائيات تتقاسم ارباح عائدات هذه الاتصالات والرسائل مع شركات الاتصالات الارضية والخلوية . لقد اصبحت المكالمات الهاتفية الارضية والخلوية والرسائل القصيرة من اهم المصادر لتحقيق الربح لهذه الفضائيات ، وليس في ذلك اعتراض ما دام الامر لا يستهدف تسطيح فكر المشاهد العربي والهاءه عن اداء واجباته الاخرى او اغواءه واغراءه ، وبخاصة تلك الفئات العمرية الشابة التي تتعرض الى " غسيل ثقافي " يبدو في احيان كثيرة انه متعمد ، وان وراءه اهدافا مخططا لها يفرزها غزو ثقافي خارجي له من يقوم بتسويقه عبر هذه الفضائيات المفترض انها عربية . وكلمة اخيرة ، ان الاعلام الفضائي سلاح خطير ذو حدين ، فهو نعمة اذا ما استخدم لتحقيق اهداف سامية لها دورها في تنمية المجتمع وتطويره فكريا وثقافيا واجتماعيا وترويحيا في اطار فلسفة هذا المجتمع ، وكان اضافة الى كل ذلك مدرسة في تربية الاجيال تربية شاملة الى جانب الاسرة والمؤسسات التعليمية الاخرى ، كونه اصبح ضرورة من ضرورات الحياة لايمكن الاستغناء عنها ، وكونه سمة من سمات الحداثة الحقيقية . الا انه يصبح نقمة ووبالا اذا ما استخدم لتحقيق اهداف مشبوهة غير مسؤولة خارجة على الاعراف والعادات والتقاليد والقيم السائدة ، وعندئذ يصبح اداة هدم لا بناء ، وعندما يصبح هدفه تجاريا . والاخطر من ذلك كله حين يصبح ترخيص تاسيسه وخروجه الى الأثير سهلا ولا يخضع لانظمة مراقبة من قبل السلطات الرسمية . والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح في هذا الصدد : وماذا عن دور الانظمة السياسية العربية في حماية رعاياها من هذا الفلتان الثقافي ، ومتى ستقوم بتفعيله ؟
|
|
|
![]() |
![]() |
|