مصر
أولاً 1
مرسي سعد الدين - مصر
ليس لدي ما أقوله حيال اللغة والأعمال التي استعملها بعض
الجزائريين قبل وأثناء وبعد مباريات كرة القدم, فقد قام
العديد من الزملاء بذلك ولا أعتقد أن هناك فائدة من تذكير
الجزائريين حكومة وشعبا بما قدمته مصر للجزائر من مساندة في
وقت كانت فيه بحاجة إلي المساندة, ولم تكن مساندة لغوية كما
فعل معظم العرب, بل مساهمة مادية, فقد أرسلنا لهم السلاح
أثناء كفاحهم ضد الاستعمار الفرنسي وأدي ذلك إلي سوء العلاقات
مع فرنسا مما جعلها تشارك في الاعتداء الثلاثي علي مصر. وقد
كتب الصديق وجدي قنديل عن الصعوبات التي تعرض لها المصريون
أثناء تهريب الأسلحة إلي جبهة التحرير الجزائرية. وأضيف هنا
أن مصر, بعد استقلال الجزائر بدأت عمليات الإنشاء والتعمير
وأذكر أن أول من وضع اللبنة الأولي في تلك العمليات كان الصديق
الراحل مصطفي موسي.
وفي هذا المجال أذكر ما قامت به مصر في عملية التعريب في
الجزائر كان الشعب الجزائري لا يعرف إلا اللغة الفرنسية وأذكر
مقابلة بعض كتابهم الذين استعملوا اللغة الفرنسية وهناك بالذات
شاعر كان يعيش في سويسرا كان يحضر اجتماعات حركة كتاب آسيا
وإفريقيا, وكان يبكي لعدم قدرته علي استعمال لغته الأم,
وهي العربية, وكان معنا في السكرتارية الدائمة شاب مهذب
مندوبا عن الجزائر وكان اسمه كما نطقه لارابيه واكتشفت بعد ذلك
أنه العربي وأذكر أن مصر ارسلت الكتب الدراسية العربية إلي
الجزائر وقامت مظاهرات ضد عملية التعريب.
وأذكر أول زيارة لي للجزائر مع وفد إعلامي ووفد رسمي بمناسبة
احتفالات عيد الاستقلال وكيف رحب بنا الجزائريون وزرنا الرئيس
بن بيلا في مقر اقامته في فيلا جولي وقابلنا بترحاب شديد وكان
جو البلاد في ذلك الوقت وديا الي اقصي درجة وقامت ثورة ضد بن
بيلا وتولي بومدين وقام بإعدام بعض معاوني بن بيلا واستطاع
أحدهم أن يهرب إلي فرنسا حيث يقيم الآن وكان رئيس تحرير احدي
الجرائد اليسارية في الجزائر وقد اصدر اخيرا كتابا عن بلاده.
لا ادري ان كان شباب الجزائريين يعرفون هذه الحقائق التي يجب
ان يعرفوها.
والآن وقد سكتت المدافع بعد المعركة الكروية اود ان اعالج
موضوعا آخر مهما, أثارته تلك الاحداث وهو الهوية المصرية
والعروبة ولاشك ان غيري راجع محطات التليفزيون العربية وشاهد
مدي وقوفها مع الجزائر وتجنيها علي مصر, وقد دفعني هذا الي
التساؤل أين نحن والعروبة ورجعت في ذكرياتي الي الماضي حين كنا
تلاميذ. كانت اغانينا في الماضي تدور حول مصر وحب مصر وعظمة
مصر, غني عبد الوهاب حب الوطن فرض علي أفديه بروحي وعينيه,
وكان نشيد المدرسة اسلمي يا مصر انني الفدي وكان ضمن المنهج
الدراسي التربية الوطنية وكان الغرض منه تزويد التلاميذ بمفهوم
سياسي حول الدولة المصرية وكانت ترمي الي غرس الرغبة في نفوس
المصريين لإعلاء شأن وطنهم وأن يعرفوا انهم ابناء الوطن
المصري, وانه ليس لهم عزة إلا بعزته ولا حياة إلا بحياته وأن
مصر امة واحدة واعية بحقوقها وواجباتها.
وتقول إحدي فقرات الكتاب إن مصر دولة قومية متينة وان مصر هي
هبة النيل, قامت علي واديه الخصب الأمة الفرعونية صانعة اعظم
الحضارات القديمة, وعلي ضفاف ذلك النهر المبارك عاش المصريون
الفراعنة في سلام وطمأنينة, وجيل بعد جيل تكاثروا وازدهروا
وتمازجت معهم عناصر اخري في اشكال مختلفة بصورة نهائية جاء
هؤلاء كغزاة او قراصنة او كمهاجمين رومان ويونانيين عرب
وأفارقة اتراك وشراكسة.
وهنا تحضرني فقرة في كتاب أستاذي في كلية الآداب روبن فيدين
بعنوان مصر ارض الوادي وقد قامت زوجتي الراحلة عنايات طلعت
بترجمتة الي اللغة العربية تقول الفقرة بين هؤلاء الناس(
يقصد المصريين) جاء الأجانب من اجل الثروة أو السلطة ليقيموا
أسرا حاكمة أو حوانيت بقالة ولكن في النهاية دفعوا ثمن غزوهم
لقد فقدوا هويتهم وغاصوا في خضم هؤلاء الذين غزوهم واستغلوهم
ان الجنود اليونانيين العديدين الذين أسكنهم قيصر في الفيوم لم
يتركوا اي اثر او ايا من عادات الاغريق, وجاء الليبيون
واعطوهم اسرة صحراوية حاكمة, وأعطاهم البطالمة أسلوب
الحياة, وجاءهم العرب بعقيدة جديدة تمثل هؤلاء وغيرهم قد
طمست جنسياتهم من قديم الزمن وكانوا مثل الحصي الذي ترميه في
بركة ماء لم يفعل الا تحريك سطح البركة ومر الاجانب الواحد تلو
الآخر وبقيت ذكراهم في آثار حجريه ومثل جماعات الطيور المهاجرة
التي ستجتاح وادي النيل ثم تختفي في الجنوب الاستوائي
المجهول, فإن هؤلاء الاجانب المهاجرين تركوا في أثرهم بلدا
لم ينتصر اساسا ان مصر كما اكتشف هيرودوت لا تريد ان تكون اي
شئ الا مصر.
ومازلت أذكر ماكنا نحفظه في المدرسة الابتدائية من اقوال مصطفي
كامل يقول الجهلاء والذين يفتقرون الادراك اني متهور في حب مصر
وهل يستطيع اي مصري ان يتهور في حب مصر؟ انه مهما أحبها فلا
يبلغ الدرجة التي يدعو اليها جمالها وجلالها والعظمة اللائقة
بها, ألا ايها اللائمون انظروها وتأملوها واقرءوا صحف ماضيها
واسألوا الزائرين لها من اطراف الارض, هل خلق الله وطنا اعلي
مقاما وأسمي شأنا وأجمل طبيعة واجل اثرا واغني تربة واصفي سماء
واعذب ماء وادعي للحب والشغف من هذا الوطن العزيز ثم يقول جمله
الشهيرة اني لو لم أولد مصريا لوددت ان اكون مصريا.
لقد كانت مصر وهويتها وحبها هي الشغل الشاغل لمفكرينا وادبائنا
واذكر خطاب ارسله توفيق الحكيم الي طه حسين في يونيو1933 بعد
ان نشر عودة الروح يسأل كيف يمكن خلق صورة جميلة جديدة لمصر
تقوم حصرا علي مقومات مصرية صرفة, نابعة من تراث وادي النيل
ويضيف الحكيم كنا في شبه اغفاء لا شعور لنا بالتراث لا نري
انفسنا ولكن نري العرب الغابرين, لا نحس بوجودنا ونحس
بوجودهم, لم تكن كلمة انا معروفة للعقل المصري, لم تكن
فكرة الشخصية المصرية قد ولدت بعد ولكن هذا الموقف تغير
الآن, فبفضل مجهود احمد لطفي السيد في البداية ثم طه حسين
وجيله من المثقفين باتت الشخصية المصرية واضحة لا في روح
الكتابة وحدها بل في الاسلوب واللغة لقد بدأنا نغني ونحس
بوجودنا فما هو هذا الوجود والتوجه المصري هذا هو موضوع مقالي
القادم. |