ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

يوميات الألم
يوما بيوم من داخل غرفة الرعاية الفائقة

جمال الغيطاني  - مصر

الاثنين 13/8
يتمدد فوق السرير، ثمة شخير متقطع وتشنج مفاجيء أثناء النوم.
أنابيب التغذية في الرقبة وليست في اليد.
مستغرق في نوم عميق، انفاسه متقطعة، موجود وغير موجود فقد بدأ بنقد الذاكرة.
بالامس زاره هاشم النحاس فخاطبه بمصطفي النحاس، وعندما صحت في اذنه انا جمال: اضاء وجهه بنور خفي ابتسم، تلك اويقاتي تتجسد في ملامحه، زمني معه، قلت لنفسي هذا الرجل يكن لي حبا حقيقيا، هل يجب ان أتأكد من ذلك وهو قاب قوسين، قال محمد انه يرفض مغادرة السرير لكن عند نزوله يصبح حاجة ثانية، يقضي حاجته في الحمام.
قال الدكتور ان امتناعه عن الأكل ضار، يسبب كسل المعدة.
في لحظة طفرت دمعتي، فهذا زمني الذي يرحل

الثلاثاء 14/8
بعد انصرافي أمس. لاحظت هالة الممرضة تغير لونه، استدعت الطبيب، اخذت عينات، ثبت ان نسبة الحموضة في الدم ارتفعت، الكلي لاتعمل، تقرر نقله إلي غرفة الرعاية المركزة.
في الرابعة بعد الظهر رأيته،
غرفة رعاية خاصة، جهاز التنفس الصناعي مركب فوق وجهه، يرقد علي ظهره، الانابيب مغروسة في يده والمونيتور معلق. الانسان يتلخص في أرقام النبض ونسبة الاكسجين في الدم (فوق التسعين اذن الوضع أفضل/ كان نائما.

الاربعاء 15/8
مازال جهاز التنفس الصناعي، عيناه شبه مغلقتين، زاد عدد الانابيب، مازال علي نفس الوضع.

الخميس 16/8
محمد الحارس يخبرني عند وصولي برفع جهاز التنفس الصناعي، لكن ثمة انبوب متصل بالفم لشفط البلغم المتراكم علي الصدر نتيجة الالتهاب الرئوي.
تقول لي هالة انه تحدث إليها صباحا، قال إنه عاوز يروح، قالت انه يستطيع ان يتعرف علي، وضعت النظارة علي وجهه، ملت إلي جانب السماعة.
'أنا جمال'
ارتعشت يده، قالت هالة التي تعرف حركاته في وضعه الجديد
عاوز يسلم عليك
ملت علي يده، قبلتها، تطلعت إليه، وكان يريد ان يقول شيئا.

السبت 18/8
تحدثت طويلا إلي فاطمة (فاتن)، انها رقيقة جدا.
قالت لي انه صحبهم إلي الحسين، عرفهم علي أماكن انتهي ذلك بعد .94
قالت انها كانت تصحبه بالسيارة كثيرا قبل ذلك، تتركه هناك، وعندما كانت تصحبه مع شقيقتها كانوا يجلسون في مقهي اوبروي.
قمت لادخل إلي الغرفة،
في نفس الوضع لكن وجهه إلي النافذة، لاحظت ان عدد أوعية المحاليل قد زاد وجسده متصل بحوالي عشرة أنابيب، من عنقه ومن يده التي بدت متورمة.
كان الطبيب المتابع للحالة يقرأ في كتاب ضخم، يبدو انه يعد لرسالة علمية، قال انه يعتمد جزئيا علي جهاز التنفس الصناعي، قال
'بيأخذ ثماني عشر لوحده وبالجهاز ستة' لم أفهم، لكنني وعيت عد الانفاس، تصبح انفاس الانسان معدودة، تلك المتبقية.
ناديته لم يبد أي رد فعل، خرجت أكثر تشاؤما.

الأحد 19/8
يوم شديد الحرارة، مرتفع الرطوبة
هدي وفاتن في الغرفة المجاورة، خلال هذه الازمة اقتربت منهما اكثر ، انهما في غاية الرقة والشفافية، شديدتا التعلق بوالدهما.
تسألني هدي بحيرة ودهشة عن بعض الغمز واللمز في الصحف بتأثير عدد من المحيطين بابيهما والذين وضعوا انفسهم في مواجهة الاسرة، تقول ببراءة
­ أحنا أهله وهم اصحابه..
أحاول التهوين وتخفيف الأمر عنهما، خاصة انهما لاتعرفان تعقيد بعض النفوس، خاصة محبي الاقتراب من المشهورين، محفوظ انسان بسيط، لايحمل لأي بشر ضغينة، حتي اولئك الذين هاجموه، تقول هدي ان يوسف ادريس هاجمه كثيرا بعد اعلان نوبل، غير انه كان يردد.
'أنا متأكد انه ليس شريرا.. دا غلبان'.
تحدثني فاتن عن تفاصيل ازعجتهما، ما طالهما من تعقيدات الواقع الثقافي وهما عنه بمنأي.
في الثالثة الا الربع تقف هالة علي الباب وتشير بيدها أن أتفضل، في الطريق إلي الغرفة تقول لي انها تريده ان يري الناس، من يحب، في ذلك اليوم وعيه أفضل.
سبحان الله..
ما بين هالة وبينه حبل سري، لم تكن سماعة الأذن مركبة إلي اذنه اليسري، ذهب محمد الحارس للبحث عن بطارية للسماعة القديمة، لم يعتد الجديدة بعد، رغم ذلك تميل عليه، تقول 'أنا حروح بقي..'.
يوميء برأسه، يسمعها، يبدي رد الفعل الذي نفتقده أحيانا، بمجرد اقترابها منه يلوح منه ما يبدو انه يشعر بقربها.
عند نهاية الشوط يرتد الانسان إلي البداية، يصير أقرب إلي الطفولة، تماما كما يتعرف الطفل إلي امه من رائحتها، من صوتها، من علامات تدركها الحواس لانعرفها.
هالة ممرضة من القلب، ليس الأمر بالنسبة لها مهنة، أو مصدر كسب، انما انسانية، ثم انها تحب 'الرجل ده...' تشير إلي السرير الذي مازال يرقد فوقه متصلا بأوعية المحاليل عبر اسلاك تنفذ عبر الرقبة والمعصم.
حصلت علي دبلوم التمريض عام 1970، ابديت الدهشة ان ملامحها لفتاة لم تتجاوز الخامسة والعشرين، ليس في ذلك مجاملة، تقول إنها عملت في الرعاية المركزة ستة عشر عاما كاملة، رأت حالات شتي، بعضها كان ميئوسا منه، وخرجوا علي أقدامهم، من الذين لزمتهم هالة، الوزير السابق حسن الالفي، بعد حادث محاولة اغتياله الذي تعرض له، كان يشير إليها ويقول متسائلا..
'في أي مكان من العالم أجد مثلها..'
هالة تفيض حيوية، تعرف من يرغب الاستاذ في رؤيتهم، قالت انها فرغت للتو من حمامه، يتم ذلك اثناء رقاده، كذلك تغيير رداء الرعاية المفتوح من الخلف والذي يتم ارتداؤه علي الجسد مباشرة عيناه مفتوحتان، يتطلع إليٌ، لايبدي رد فعل واضح نفس الملحوظة قالتها ابنته، عندما تقترب منه تناديه، فانه يستجيب ولكن ليس بنفس الانفعال الذي اعتادته منه.
تناديه هالة فيهز رأسه عندما يتعثر الانسان، او يتعرض لمحنة، يبرز بعض من لم يعرفهم من قبل، فيؤدون الادوار الاساسية المتعلقة به.
يتطلع إليٌ، ألمح هزة في يده، امسكها، يغمض عينيه، لا أدري ان كان راح في السبات، ام انه يري اطيافا من قديم، لن أعرف ابدا ما يجول بخاطره.

الاربعاء 23/8
عندما أتاني صلاح بالهاتف المحمول الذي نسيته في البيت، وجدت ثلاثة اتصالات من محمد الحارس الشخصي لمحفوظ.
هل جري شيء!
حتي الامس كانت الامور تدعو إلي التفاؤل، اتصلت، جاءنا صوته حزينا، قال ان نزيفا داخليا حدث صباح اليوم وانهم لم يصرحوا بمكانه، وان اجهزة عديدة دخلت إلي الغرفة.
مضيت إلي المستشفي، يوسف يجلس مع المدام التي بدت نحيفة، كانت تمر بأزمة صحية، قال يوسف إنه تم حصار النزيف، ويبدو انه تأثير منظار قديم في القولون دخلت الغرفة، كان متمددا علي ظهره، السرير مرفوع نصفه الاعلي قائم، انبوب شفط البلغم في الفم غير ان جهاز التنفس الصناعي مفصول، بعيد عنه لقد استعاد قدرته علي التنفس.
يشير الجهاز المركب أعلي السرير إلي.
النبض 76
التنفس من 10 إلي 17
الاكسجين في الدم 99
قال الطبيب انها ارقام جيدة، لاحظت ان 'الانابيب الواصلة' إلي جسده اكثر، كيس البول إلي جوار السرير.
تذكرت وضعي خلال عملية البروستاتا. فمه منتفخ بسبب الانبوب، كان مستسلما، نائما.
عدت إلي زوجته، وانصرف محمد.
تحدثت زوجته عن ملابسه، كان يرتدي كل شيء بنفسه، من محل رجل ايطالي قريب من الاوبرا، كان ترزي السراي، ثم انتقل إلي ترزي كان السادات يتعامل معه (أعتقد أنه سويلم)، الاحذية من رجل في شارع قصر النيل، كان يفصل الاحذية، وقبل ان يغلق قدم إليه عددا منها. كانت احذيته أوسع من مقاسه قليلا بسبب كالو في القدم والسكر، قالت انها ضاقت بالبدل الصيفي التي لم يتغير لونها، شبيهة البدل التي كان يرتديها رجال الاتحاد الاشتراكي في الستينات، بعد الحادث بدأت تختار له بنفسها.
قلت اذن هذا سر الالوان المبهجة التي ظهرت عليه خلال السنوات الاخيرة.
قالت ان الحرافيش القدامي كانوا: محمد عفيفي، عادل كامل. توفيق صالح، صلاح جاهين، أحمد مظهر، ثروت أباظة. ثم بهجت عثمان.
عندما وقع خلاف مع سعيد السحار، اقترحت عليه أن يتركه، لكنه قال: دي عشرة وصعب انهاءها.
ولاول مرة اسمع فاتن تتحدث عن جدتها وعن حماتها، قلت إنها لم تر صورة جدتها.
قالت ان جدها كان موظفا، بعد المعاش ارتدي الملابس البلدية.
تحدثت عن خروجهما مساء كل خميس، بعد عشاء عند الكبابجي يذهبان إلي المسرح.
قبل استئذاني الانصراف. مضيت إلي الغرفة بصحبة ابنته، كان نائما، مستسلما، وبدا جسده هشا، ضئيلا، ملموما تحت الملاءة.

الخميس 24/8
أمام غرفة الرعاية التقيت بالدكتور ابراهيم عوضين. بدا قلقا، قال إن النزيف تمت السيطرة عليه امس بعد عملية كي، لكنه عاد ومازال مستمرا حتي الآن، قال انهم ينقلون إليه الدم باستمرار، قالت هالة الممرضة انه مستغرق في النوم.
بدت السيدة عطية الله انحف، كانت تجلس في الممر حتي يتم الانتهاء من تركيب جهاز تكييف في غرفة الانتظار.
ابدت ترحيبا بماجدة التي صحبتني هذه المرة وانصرفنا وكنت أشعر باعياء وحاجة إلي النوم وأسي، عند وصولي إلي البيت اتصل بي عدة صحفيين، كذلك محمد خضر مدير الانتاج بقناة دريم، قال ان لديهم اخبار مؤكدة بوفاة الاستاذ منذ ثلاث دقائق واخفاء الخبر حتي يتم نقل تمثال رمسيس، أكدت له أنني قادم للتو من المستشفي ومع ذلك سأتصل. اجريت اتصالا بالاسرة. بمحمد عبدالتواب الحارس الشخصي، استوثقت النفي، تلك الظاهرة تتكرر علي فترات متقاربة، ليلة أمس سرت شائعة مماثلة في ساعة متأخرة، انه التربص الاعلامي، والحرص علي السبق الصحفي، الخبر متوقع في أي لحظة.. لكن.. لماذا لا ينتظرون قضاء الله، والبيان الرسمي.
تتبدل صورة الاستاذ في مخيلتي عند ورود اسمه داخلي أو علي مسمع، أصبح راقدا علي ظهره، يتصل جسده بانابيب وأوعية محاليل، ويمسك بفمه ذلك الجهاز، بينما يتضاءل حجمه يوما بعد يوم وتتبدل ملامحه التي اعتدتها، في رقدته أري صورة اراه عبر ما يقارب النصف قرن.

الجمعة 25/8
أقصد المستشفي متأخرا..
انها العاشرة مساء، ماتزال السيدة عطية الله في غرفة الانتظار، الوقت متأخر، لماذا الانتظار حتي الآن؟
تنتظر بدء عملية جراحية قررها الفريق الطبي المعالج برئاسة الدكتور حسام موافي، هناك طبيب في الطريق من الاسكندرية إلي القاهرة الآن، ستبدأ العملية بعد وصوله، الهدف ايقاف النزيف الذي بدأ منذ أيام وتم الكشف عليه بمنظار صباح اليوم، جرت محاولة بالكي لكنه مازال مستمرا، عملية الليلة ستم بالمنظار.
أثناء الانتظار نتحدث عنه، ذكرت تغير عاداته في العامين الأخيرين، توقف عن تناول العشاء في فرح بوت، كان يتناول وجبة ضئيلة جدا، قطعة صغيرة من الجبن الأبيض، ثلاث زيتونات، قرص طعمية، أعرف أنه لا يغير عاداته بسهولة، لكنه توقف عن تناول العشاء، قال إنه يتناوله مع الأسرة.
قالت السيدة عطية الله، انها كانت تعد له بعد عودته رغيفا صغيرا 'عيش شامي'، تقسمه إلي أربعة أجزاء، كل جزء لقمة صغيرة، كانت تضع داخله القليل من الجبن، لم يكن يتناول الا ربع رغيف، أي مجرد لقمة صغيرة وأحيانا قطعة فاكهة.
قالت فاتن ان طعامه وشرابه كان محدودا جدا لا يأكل بين الوجبات علي الاطلاق، حتي الماء لا يشرب الا رشفة واحدة.
تذكرت احتسائه لفنجان القهوة، مجرد حسوة واحدة فقط في البداية ثم يغطيه بطبق الفنجان، بعد حوالي نصف ساعة يعود إليه.
تحدثت السيدة عطية الله عن امتنانها العميق لإدارة المستشفي. قالت انهم اعدوا غرفة الانتظار بكل ما يريحهم، كانت في الأصل غرفة للطبيب المناوب، بها مكتب وسرير صغير، تم تبديلهما، أصبح فيها مقاعد مريحة، وثلاجة صغيرة للماء والعصائر والشيكولاته، كما تم تركيب جهاز تكييف بعد ان لاحظ مدير المستشفي ارتفاع درجة الحرارة مع طول انتظار أفراد الاسرة ساعات طويلة.
تقول ان قيادات المستشفي أول من يزورنهم في عيد ميلاد الاستاذ، يجيئون بالزهور والتورتة، الكل يبدون الود، بدءا من قائد القطاع حتي الممرضين، يعرضون خدماتهم، غير ان السيدة عطية الله تشكرهم ممتنة، يبدو عليها الحياء الذي جبلت عليه الاسرة كلها.
الاسبوع الماضي اصابتها نزلة برد شديدة، عرض الاطباء علاجها، الذهاب إلي البيت بفريق كامل، غير أنها اعتذرت، يكفي ما يفعلونه من أجل نجيب.. هكذا تردد، تقول إنها لاتدري ما يجب ان تفعله ردا للجميل، أقول انهم ينوبون عن مصر كلها، رد الجميل للاستاذ، لضميرها وحكيمها.

الحادية عشرة مساء
علي مهل أدخل الغرفة، اضع علي انفي منديل ورق، ممرضة شابة تميل عليه، تخاطبه.
'ممكن حضرتك ترفع ايدك عشان آخذ الضغط..'
كانت تحاول لف الجهاز حول يده، اتطلع إلي الجهاز المعلق (المونيتور)، تعلمت قراءة الارقام، عدد مرات التنفس من ثمانية عشرة إلي أربعة وعشرين، نسبة الاوكسجين في الدم تسعة وتسعين، غير انني لاحظت قلقا عودة اتصاله بجهاز التنفس الصناعي، كان الخرطوم الابيض المتصل بالفم قد عاد بينما لمباته الحمراء والخضراء تومض، طوال اليومين الماضيين كانت مطفأة، لقد وضعت علي مثل هذا الجهاز بعد عملية القلب المفتوح التي اجريتها في كليفلاند منذ عشر سنوات، كانت السيدة عطية الله تتجه إلي فندق الشيراتون في الحادية عشرة ليلا لتتحدث من الهاتف الدولي وتعود لتطمئنه علي حالي بعد الحديث مع ماجدة زوجتي، كانت تراعي فروق التوقيت، ولم تكن الاتصالات الدولية متاحة كما هي الآن، هكذا كان وسيظل مع صحبه ومعارفه، أبا للواجب ومثالا.
بعد ان انتهت الممرضة، أميل إلي جانب اذنه اليسري حيث السماعة القديمة، أناديه، غير انه راح في نوم سريع، عميق، بينما تتردد آهات ألم من الغرفة المجاورة.

السبت 26/8
نجحت العملية وتوقف النزيف، المؤشرات ايجابية، بل ان الدكتور حسام موافي عاد إلي تفاؤله، عن امكانية العودة إلي البيت بعد اسبوع.


الثلاثاء 29 اغسطس
السادسة مساء، يوم عمل طويل ومرهق، في نفس هذا التوقيت كنت امضي للقائه في (فرح بوت) ربما بتأثير الموعد مضيت إلي المستشفي في نفس التوقيت الذي لم اتخلف عنه الا لمرض أو سفر منذ ان بدأنا لقاء الثلاثاء في الثمانينات.
التعليمات عند باب المستشفي من ادارة المستشفي تقضي بادخال ثلاثة من المقربين له، يوسف القعيد، محمد سلماوي كاتب هذه السطور.
إلي الطابق الثاني، إلي الغرفة المجاورة للعناية المركزة حيث تمكث الاسرة، رفيقة عمره السيدة عطية الله وابنتيها فاتن وهدي، كان نائما، اتصل الحديث بيننا، تحدثنا عن القاهرة القديمة، عن الاسكندرية، وأيام اقامة الاسرة في فندق سيسيل قبل ان يشتري الاستاذ شقة صغيرة خلف فندق سان سيتفانو.
تحدثنا عن السفر إلي الخارج والعنصرية الجديدة في اوروبا، آخر مرة سافرت هدي مع شقيقتها إلي الخارج، كان ذلك عام 1999، في ذلك، الوقت ارتدتا الحجاب، ولاحظتا ان ذلك عرضهما لبعض المواقف الحساسة، كان ذلك قبل الحادي عشر من سبتمبر.

الثامنة والربع مساء
علمت انه استيقظ، استأذنت زوجته في الذهاب إلي غرفة الرعاية المركزة، كان بعض الاطباء حوله، ثلاثة.
صوت تنفسه مرتفع مصحوب بحشرجة، سألت الطبيب المقيم فقال ان هذا الصوت آت من أعلي الحنجرة وأنه عادي، لقد تمت ازالة البلغم.
هل كان الصوت بمثابة نذير؟ أهي الحشرجة التي تسبق عبور الوجود المحدود إلي اللامحدود؟ لا أدري، ولكن أني للانسان أن يعلم؟ مال أحد الاطباء عليه، صاح باسمي، لاحظت ردة فعل واهنة.. عيناه محملقتان إلي بعيد، قناع الاكسجين إلي جواره، كان فوق وجهه عند دخولي، داخله كرة حمراء صغيرة تتحرك مع الانفاس، عاد الطبيب ليقول بصوت مرتفع
'الاستاذ جمال حيسلم عليك'.
دنوت منه، لكم تغيرت ملامحه، غير تلك النظرة إلي اللانهاية تؤطر كل ملامحه، يده اليمني فوق جسده، لاحظت احمرار الجلد، ربما لغرس العديد من الانابيب المتصلة بأوعية المحاليل،
يده اليسري إلي جواره ممدده، ومنذ يومين صافحني، شعرت باصابعه تضغط اصابعي، غير انه في تلك المرة لم يبد رد فعل، فقط اهتزت اصابعه هزة خفيفة، لم أدر، أهي رغبة لم تكتمل في المصافحة ام انها رعشة لسبب لن أعرفه أبدا، ملت مقبلا يده، اعتدلت متطلعا إليه، كان في الغرفة ثلاثة أطباء، قال لي احدهم انه كان يقيس السوائل في الجسم، كعادتي، تطلعت إلي المونيتور الذي تعلمت قراءة ارقامه، لاحظت اضطراب الارقام وتبدلها بسرعة، مرة أخري تطلعت إليه، تطلعت إليه.
عند مدخل الغرفة كان محمد عبدالتواب وصلاح زميلي في أخبار اليوم الذي كان يجلس دائما مع الحرس في العوامة فرح بوت.
ما بين القوس الذي فتح عام تسعة وخمسين عندما رأيته لاول مرة، وكان طويلا، عملاقا، غزيز الشعر. يقابل العالم بصدره، وما بين القوس الذي اغلق بالنسبة لي مساء 29 اغسطس، برؤيتي له وتقبيلي يده وتدقيقي 'ملامحه وسماعي انفاسه، ما بين القوسين يقع جل عمري'..
عرفت فيما بعد من رفيقة عمره انني آخر صديق زاره كان ذلك ترتيبا لا إرادة لي فيه.

(نقلاً عن أخبار الأدب)

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا