ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود درويش - فلسطين

وداعا يا صاحب البيت

 

يزيد الديراوي - فلسطين- غزّة

 

'على هذه الأرضِ ما يستحقّ الحياةَ'،

'تحيا الحياة.. '

هكذا علمنا وهكذا عشنا رؤيته للحياةِ، من الطفولةِ ونحنُ نردّدُ 'سجِّل أنا عربي.. فهل تغضب؟' ثمّ 'معتدل القامةِ أمشي'.. كأنّه وضع بروتوكول الفلسطيني الخاص من المشية إلى القوميةِ إلى الحياةِ الخصبة بالسّفرِ والنفيّ والشَّهادةِ، ومن بينها تتسلّلُ رسائلُ الحبِّ والحنين الممزوجِ برائحةِ الأرضِ وعطرِ الحبيب مرّرها بمهارةِ العاشقِ إلى قلوبنا. سافرنا معه من وطنٍ إلى وطنٍ ومن قلبٍ إلى قلبٍ بحثًا عن هُوَيَّةٍ نُحبّها ويرجمُنا العالمُ من أجلها، قرأناه؛ لننسى همومَنا حينا ونفرحَ بجمالٍ خياليّ يُظلِّل واقعيّا أو واقعيّ كأنّه الخيالُ من رسمِ يديهِ وقرأناه؛ لنواسي أنفسَنا ونبكي جانب دمعٍ ودمٍ لم يجفّ بعد. وقرأناه؛ لنرى الحبيبةَ بعينيهِ ونسمعَ نبضَ قلوبنا كأنّها الخببُ يُلاحقُ كلماتهِ. ليجمعنا حصارٌ وحصارٌ مجازي تحت سقفٍ من الضجرِ والأملِ.

قرأناه طفلا يحاورُ طفلةً ويدنو من عمرِها أحيانًا، وشابًّا يرسمُ لفتاةٍ طريقًا من الأملِ ويعلّمها كيفَ تصلُ إلى هدنةٍ تريحها وتريحه، فتكبر في ظلال اللوزِ، ومقاتلا يعلّمُ عدوَه أن الألمَ يمسّ القاتلَ والقتيلِ وأنّ الأرضَ إن غادرها أهلُها ستلحقُ بهمْ أينما كانوا لتظلّ معادلة الحربِ قائمة وجها إلى وجهٍ يعلّمُ العدوّ أن الحصارَ سيخنقُ الجميعَ. وشيخًا يُصارعُ الموتَ يتحايلُ عليهِ حينا بالنسيانِ ويجعل منه أخًا مخلصًا حينًا فيشعل معه شمعَ ميلادهِ، قرأناه رحّالا بدأ من الأرضِ وطارَ إلى اللانهائي ثمّ عادَ إليها مثل صوفيّ يفكّ رموزَ الحياةِ ويُهدي المفرداتِ معانيها ويُهدي للقصيدةِ بيتا لا مفرّ من زيارتهِ لمن يمرّونَ على الشعرِ أو يقفونَ ببابهِ، لا مفرّ من ردّ التحيةِ على صاحبِ البيتِ عند الدخولِ إلى البيتِ.

قرأنا الحياةَ بين سطوره التي أصرّ أن تبقى شعرا كما كان يتلقى العالمَ من حولهِ، يتلقى العالمَ قصيدةً، يتحرّكُ فيها ويحرّكها بخفّة قطا، يحفظُ منحدراتها وجبالها جيدا، يعرفُ كيف يتأقلمُ مع اختلافِ طقسها ومناخها، ويعرفُ أينَ يرسمُ نهرا لا يجفُّ فلا يموت أحدٌ من العطشِ وأين يرسمُ لها نهرا هادئا ليوازنَ الغضبَ من حولهِ فينتصر الجمالُ ويعرفُ كيف ينتقلُ بينَ قراها ومدنها جيدا فلا سماءَ فيها سوى السماء التي يرسمها هوَ ثم يتجاوزها ليرسمها من جديد يصعدُ دائما لتمطرَ القصيدةُ أكثرَ هكذا قرأناه وانتظرناه دائما، وهكذا يتكلّمُ الغائبونَ عنه في السرّ إن كرهوا وفي العلنِ إذا رضوا لأنّ الجمال يُنصفُ الحقيقةَ دائما..   

قرأنا موته قبلَ أن يرحلَ كتبَ موتَه ورأى تفاصيلَهُ كلَّها، وصدّقه ( صدّقتُ أنِّي متّ يومَ السبت) ولم يخذلْه الشعرُ صَدَق الشعرَ فصدقَه الشعرُ وصدَقَه يومُ السبت أيضا. صادقَ موته وأهداه حبّا وعلّمه الحنينَ إلى الحياةِ؛ ليبكي عليهِ الموتُ.. وداعًا يا صاحبَ البيتِ.

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا