ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود درويش - فلسطيننمت الأجنحة ليطير الشاعر منتصرا علي موته

 

سعدية مفرح

 

بخوضه لتجربة الموت أخيرا سيعرف محمود درويش الحقيقة التي ظل طوال عمره يبحث عنها في ثنايا قصيدته المفعمة بالأسئلة الوجودية قبل أن تكون الهوية الأجمل لشعب احترف الحياة بقدر استهانته بالموت احتفاء بوطن اسمه فلسطين.
الخبر يقول أن الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش أسلم الروح في احد مستشفيات هيوستن في ولايات تكساس الاميركية مساء السبت الماضي إثر عملية جراحية لم يتحمل تبعاتها قلبه الذي مل من العمليات الجراحية ولكنه لم يمل من الشعر والنثر والحب والحياة و...أولا وأخيرا فلسطين. لكن فلسطين التي كانت هويته الشعرية والانسانية منذ أن ولد في قرية البروة في قضاء عكا عام 1941 أزهرت شيئا فشيئا وقصيدة بعد قصيدة لتصير وطنا أكبر وهوية أوسع من مجرد جغرافيا محتلة يحاول شاعرها أو يكون شاعرها ، فلم يعد يستهوي درويش، بعد أن تنامت دهشته الشعرية علي حواف العالم كله أن يظل شاعر القضية وحدها، ربما لأن قصيدته اتسعت لتصير وطنا، وربما لأن وطنه/ وطن اتسع ليصير قصيدة وربما لأن الشعر القادر علي هزيمة الموت كما اكتشف درويش، في جداريته الشعرية التي كتبها قبل تسعة أعوام كشاهدة أبدية علي الحياة، احتله ككيان وكإنسان قبل أن يحتله كقضية وطنية وسياسية. بدأ درويش إذن شاعرا للقضية الفلسطينية، حاملا هوية شعب بأكمله في وجه المحتل منذ مجموعته الأولي عصافير بلا أجنحة ، لكن الاجنحة نمت فيما بعد ليطير الشاعر من خلاله محلقا في سماوات الابداع الأكثر اتساعا من عبارة تقول سجل أنا عربي وحسب. ولأن درويش بموهبته الشعرية المتفردة، أدرك متي يخرج من قفص العبارات الجاهزة بجمالياتها الشعبية الصاخبة، فقد صار أهم شاعر عربي في الخمسين عاما الماضية، ليس علي صعيد حجم الموهبة وحسب بل أيضا علي صعيد ما حقق من انجازات شعرية وإبداعية من خلال هذه الموهبة التي لم تلهه عن قضيته الكبري حيث السؤال الوجودي الكامن ما بين الموت والحياة.. والذي حاول استقصاءه في تلك جداريته الفاتنة. والتي قلنا عنها عبر مراجعة منشورة بعيد صدورها ما نصه أن أسئلة كثيرة وإجابات أكثر توحي بها تلك الجدارية الشعرية التي صاغها الشاعر، بعد تجربة قاسية له مع الموت حين يلوح للمرء تلويحته الأولي قبل أن يغادر واعدا بالعودة الأكيدة حتما، في بناء سيمفوني متصاعد يهبط بعد أن يصل لضربة القدر المركزية بشكل تدريجي يناسب مراحل الحياة في تصاعدها وتنازلها التدريجيين، حيث الشعر هو الحلم المتحقق حتما، وهو الخلاص المتحقق حلما:
سأصير يوما شاعرا،
والماء رهن بصيرتي.
يحتفي محمود درويش في جداريته الطويلة بالموت إذن، كمن يريد أن يحتفي بالحياة، ربما لأنه يلج بوابة الموت عبر المزيد من ممارسة الحياة في حدها الأقصي.
يقول في هذه القصيدة مخاطبا موته السادر في غي الانتظار احتيالا، بكبر الكائن البشري تجاه كل ما ومن هو غير بشري، وبكبرياء الشاعر تجاه كل من سواه :
هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
مسلة المصري، مقبرة الفراعنة،
النقوش علي حجارة معبد هزمتك انتصرت
وأفلت من كمائنك الخلود..
فأصنع بنا، وأصنع بنفسك ما تريد.
ينظر درويش ،إذن ، تلك النظرة الاستعلائية للموت كمن يرثي محاولاته المستمرة منذ أزل الحياة لإنهاء الحياة عنصرا عنصرا وفردا فردا، دون نجاح حقيقي، سوي تلك النجاحات الصغيرة المتراكمة عبر اللحظات الآنية دون غيرها، ومع قلة يمتهنون الهزيمة ويرفعون للموت رايات الاستسلام، فينجح ذلك الموت في ممارسة ذاته عبر الحالة الفردية الخاصة ، فيضم إلي قافلته أسراه من الكائنات البشرية كائنا تلو الآخر، ولكنه يفشل في تحقيق أي نصر أكيد، أي نصر حقيقي، أي نصر جمعي أخير ونهائي. وتظل تلك النظرة المتباهية تجاه الموت هي موت الموت الحقيقي، وهي النقطة الأخيرة، ولعلها الأولي، في المعني المتاح للبشرية وفي الإجابة علي السؤال الكبير:
وماذا بعد ؟
ماذا يفعل الناجون بالأرض العتيقة؟
هل يعيدون الحكاية؟
ما البداية؟ ما النهاية؟
لم يعد أحد ليخبرنا الحقيقة!! ، وقد انتهت يومها المراجعة دون أن ينتهي شغف درويش بإغواء ذلك السؤال المزدوج الذي لم يعد أحد من الموت ليخبرنا حقيقته... وها هو درويش يقرر أخيرا أن يذهب بنفسه ليعرف الحقيقة ...

 

(أخبار الأدب)

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا