ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود درويش - فلسطينأصابعه نايات وموته قيامة

 

خيري منصور - مصر

 

اذا كان النحات يتردد في دس أصابعه في الصلصال وجو ساخن، فالأولي بهذا الإحتراز هي جمرة الدم، فالشاعر محمود درويش لم يمت بعد بما يكفي لوداعه، وفق طقوس الثقافة العربية التي طالما سخر منها، واذكر أنه قال لي بعد صدور كتابه النثري الذي ودع فيه عددا من اصدقائه الراحلين بأن مديونية الرثاء قد يضاف إليها الربا، في واقع تحول إلي حفلة تنكرية، وصارت اللغة فيه أداة لتعميق التواطؤ والصمت!
افتتح محمود في حماية هشاشات عدة منها هشاشة الشعر الذي يتعكز علي قضية عادلة، ثم يتحول احتجاجه لها إلي احتجاج ضدهما!
وهو في موته منذ الساعة الأولي التي لم تنسدل فيها رموشه تماما افتضح هشاشة الثقافة والصحافة وتعامل الورثة مع التركات، خصوصا في مجتمعات تطورت فيها جرائم قتل الآباء لتصبح جرائم ابادية للأبناء والأحفاد وكل ذوي القربي!
الكتابة عن محمود شاعرا لها مقام آخر والتعادي معه صديقا وانسانا وتوأما لابد أن يمضي عليه بعض الوقت كي تفرغ العيون مما احتشد فيها من بكاء.
ما أصعب أن يكون المبدع الذي تلوذ بنصوصه إلي أقاصي الوحشة صديقا تطرق بابه كلما اوشكت العزلة أن تقضم روحك، لهذا فالفقدان مزدوج، والحنين إلي من ذهبوا عميقا وبعيدا وخبأتهم الغيوم تنوء به حتي الجبال.
كان علامة فارقة بالشعر والحياة: رقيقا وجارحا، مقبل علي الحياة بشروطه لهذا لم يطق جهاز التنفس الصناعي دقيقة واحدة، لأنه لم يمت عندما مات تماما مثلما كتب إلي وداع ماجد عندما ابتلعه الذئب في روما:

ياقلب من حسٌّبك
فرسا من الياقوت
ياليت لي قلبك
لأموت حين أموت،

ان لمحمود درويش الآن لحاجة إلي من يعينه علي صد غزاة الإختزال، وهواة المراثي السريعة التي تليق بكل موت الا هذا الموت، لأنه مشحون بقيامة عاجلة وليست آجلة.
صوته ذو البحة البنفسجية لايزال يملأ الأذن والقلب، وسخريته البريئة تجعل ما هو عسير علي الهضم أشبه بالسكر الذائب في فنجان شاي.
سيمضي وقت لا أحزر الآن مداه كي أتأكد بأنه لن يرد علي الهاتف ولن يفتح الباب بقامة مسرحية تزدوج بي المرأة الشامية التي تتصدر مدخل البيت الذي اشم فيه رائحة الاطفال رغم عدم وجودهم، وتصبح الاقامة محتملة ولو لبضع ساعات في هذا الزمن الثقيل.. هو أغنية، وليست هي! لهذا لاحاجة لأصابع ثقبتها الريح إلي ناي.
قد يبدو هذا الإنحياز تحت ضغط المناسبة، لكنه ابعد من ذلك، فآخر ما قلته لمحمود قبيل صعود الطائرة من عمان إلي هيوستن.
حاول أن لاتموت.. وقبيل بدء امسيته في حيفا التي أثارت زلزالا في 'كشتبان' وليس في فنجان، تبادلنا عبارتين هما أعز من أن أبوح بهما..
سأفتقدك في مساءت المدينة الباردة وسيملأ صمتك الظهيرات القائظة ما أجملك وما أقساك، وما أشد ثقتك بالحياة لأنك جعلت من الموت خادما لها، أعرف أن قهوتك سوف تبرد ذات خميس وأن النافذة الشمالية لن تخلع ستارتها الزرقاء..
قبل أشهر قليلة بدل محمود ألوان الاثاث في شقته، بألوان زاهية كما لو كان يستعد لزفاف قادم، وحين اطلق اسمه علي ميدان في رام الله وحمل طابع بريد فلسطيني صورته وكانت البشائر قد بدأت تتحول إلي نذر، واذا بالغسق هو الشفق، لكن ما فاض من شهوة الحياة حذف الفارق بينهما.
قد يكون تكرار القول بأن درويش الآن قد تفرغ تماما لاستكمال نشيده الخاص فخلع حتي جسده، ونادم جذور السنديان وصار ماء في الماء، وخضرة في عشب الربيع القادم، ووميضا في رماد هذه الحقبة السوداء!
كما كان بعيدا عن قبره وهو مسجي علي سرير في هيوستن، وكم كان كما قال خجولا من دمع أمه، لكن العين التي بكته وسوف تبكيه لايحصيها حاسوب التلفاز الأعمي أو هواة تبادل الهجاء عبر شبكة الانترنت التي اوشكت ان تتحول إلي أنتربول، كتب محمود يوما عن موعد الأرض مع فتي يجترح الوطن في عقر المنفي ليرتق ثوب الأبدية، وقد تلده صخرة بعد مخاض سرت قشعريرته إلي الأرض كلها وقد تحبل به زيتونة أصبحت أرملة في العشرين من عمرها!
اهلا بك عائدا من كل الجهات فلا الوداع ولا الحداد يليقان بغياب السطع من أي حضور وبموت تحول رغم أنف جبروته وطغيانه إلي قابلة!

 

(أخبار الأدب)

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

1-

arabi - الإمارات العربية المتحدة

marmariti@hotmail.com

Saturday, February 28, 2009 11:57 PM

الله يرحمك يا محمود درويش

ياقلب من حسٌّبك
فرسا من الياقوت
ياليت لي قلبك
لأموت حين أموت،

ضع إعلانك هنا