ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود درويش - فلسطينالمحمود من كل الدراويش

 

محمد الحسيني - مصر

 

ثلاث اجتمعوا على الشر كاره للشعر ومدع للشعر وجاهل به.

الاول : لم يعرف الشعر ولم يتذوقه.

والثانى : نظم الكثير منه فكان القليل.

والثالث : سياسى جاء من مؤخرة السياسة فقدمه الاول والثانى على الثقافة فنحر الشعر على قارعة الجهلاء. وصاحبى لم يكن من هؤلاء.

وثلاث لم يجتمعوا ولكن اتفقوا : احمق تمادى فى حمقه فغرر به الشعر. وفاتر دخل الشعر من سطح اللغة فلم يعرف له درب. وممل جمع بين حمق الاول وفتور الثانى فلم ينبت فى الارض ولم ينجب من القصائد. وصاحبى لم يكن من هؤلاء.

وثلاث لم يجتمعوا ولم يتفقوا ولكن اضروا بالشعر ضررا بليغا: مغرور ظن انه امتطى القصيدة فامتطته القصيدة. وغادر غادر الشعر فى غير أوانه. ومغيب ظن انه امتلك البصيرة فتملكه العماء. كل هؤلاء لم يقفوا فى حال الشعر ولم يدخلوا غرفة سره انما مروا به مرور العابرين وصاحبى لم يكن من هؤلاء.

كان اذا انشد تهدج. واذا باح تربع. واذا سافر فى الشعر قطع. واذا صمت رددت الدنيا له الحنين هذا هو محمود درويش الذى اعرفه فقد كان مغنيا عذبا يشدو بالقصيدة وبناءا عظيما يعرف سر مهنته. صائدا لايقونات الشعرمن اعماق اللغة متجرءا عليها ليصنع لغته الخاصة منذ ديوانه الاول (اوراق الزيتون1964) وتتضح شجرة درويش الشعرية. هى شجرة وارفة مثمرة باحلى فاكهة القصائد دون الوقوع فى عيوب الديوان الاول. شعر ينبض بالجمال والحياة:

ماذا يثير الناس لو سرنا على ضوء الحياة

وحملت عنك حقيبة اليد والمظلة

واخذت ثغرك عند زاوية الجدار

وقطفت قبلة

..

ماذا يغيظ الليل لو اوقدت عندى شمعتين

ورايت وجهك حين يغسله الشعاع

ورايت نهر العاج يحرسه رخام الزورقين.

هى لغة موشاة بالديباج والزبرجد.مطعمة بالعاج والمرمر, مسكونة بارواح لم تسكن اجساد من قبل, هكذا علمنى درويش وعلم جيلى كيف تبنى القصائد, كما علمنا الغضب, الثورة, المقاومة, فجعل كلاً منا فلسطينياً ليس بحكم الولادة, ولكن بحكم الانتماء حينما انشد يقول :

سجل برأس الصفحة الاولى

انا لا اكره الناس

ولا اسطو على احد

ولكن اذا ما جعت اكل لحم مغتصبى

حذار..حذار..من جوعى

ومن غضبى.

هكذا كانت طاقاته الشعرية الاولى تتفتح على موقف يعلمه لنا, ويتركنا ويرحل , تاركا فينا نشوة الشعر, شموخه , رؤاه, وعبء ثقيل لادراك الحقيقة, جاعلا من الشعر ارضاً اخرى وسماءً اخرى ,وبيت شعر يسكنه الشعراء .

فدرويش وشعراء المقاومة غيره من اصدقائى : توفيق زياد,عبد الناصر صالح , المتوكل طه , مريد البرغوثى سليمان دغش , وليد الخازندار , معين شلبية وغيرهم قاوموا ومازال منهم من يقاوم هذا القمع العنصرى , الا ان درويش جاء ليحرر الشعر من داخل الشعر, فهو يعلم ان دور الشاعر وقصيدة الشعر تختلف عن خطاب السياسى , فكان يصفى الشعر للشعر حتى اصبح شعبيا ونخبويا فى ان واحد, استطاع ان ينجو بنفسه وبجمهوره من الكذب كنا نتقابل على سطح ماء النيل ,نهمس ببعض الكلام دون ان نجرح مشاعر الماء باقدامنا, نمشى تتحلقنا العصافير, تفتح فى الفراغ لنا باحة للشدو , فنهامس القمر حين اكتمالنا , فقد كان يعشق النيل ,الغناء ,العشق ,يودع الفراق فينا فيكتب عن الموت عن الحياة, عن الثورة , يهمس فى اذنى لا تترك النيل وحيدا يعبر فى اتجاه الضوء, يصرخ فى الخراب, يعرى القائلين بان اللغة سيد الكلام , فهو من كان يعشق النيل , يكتب الحلم , يدخل بين عالمين , يستنزل المطر, يروى حقول النابهين , هو الدرويش بلا مسبحة, اكليل زهر وضع على جبين الحلم فى ليلة عرسه, ايرحل , لا اصدق انه رحل , هو العابر للعتمة , يرحل فيجئ , فهو المسافر دوما , كعادته يحن للنيل , يرى القاهرة امرأتين احداهن لا تناسبه تماما , والاخرى يشتهيها (فيحبس البرق فى جيبه , يطفا السحاب ياخذ الموج والاعصار فى كفه , يغرس فوق الشمس رايته التى اهترات على الارض الخراب).

(يداعب الزمن , كامير يلاطف حصانه ,ويلعب بالايام كما يلعب الاطفال بالخرز الملون , يحتفل فى يومه هذا بمرور يوم على اليوم السابق , ويحتفل غدا , بمرور يومين على الامس , يشرب نخب الامس , ذكرى اليوم القادم , وهكذا .. يواصل الحياة).

(ينام وحيدا , فيصغى الى جسده , يصدق موهبته فى اكتشاف الالم , ينادى الطبيب, قبيل الوفاة , بعشر دقائق , عشر دقائق تكفى ليحيا مصادفة ,يخيب فيها ظن العدم).

هكذا رحل درويش,رحل قبل ان يرحل ,وهكذا عاش درويش من رحيل الى رحيل .


 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا