محمود درويش النخلة السموق هاتــف بشبــوش - العراق سبعة وستون عاما بين الطفولة المرة والقصيد، كلنا نلوب على قصائده وكلماته، انه حزمة من الاشعة ، نور يفيض اغاني ومعاني، حين نقترب منه، يناسم نفسنا شعور اننا داخل ثورة وجبَ علينا ان نقاوم، ونتكلم بصوت جهور ،انه نخلة سموق تنتصب عالي، بذكاء جرئ يواجه الصهيونية في ثبات. كان طفلا يغازل الحرف والقافية، ذاكرته المذهلة بالصور الغضة والتامل، متناغمة مؤتلفة، في شعره يمتزج الحب بالارض والانسان، وحينما كان صبيا تلقى العقوبة والتوبيخ في مدرسته حينما القى قصيدته [ أخي العبري] حيث كان يوصف فيها معاناة الاطفال الفلسطينيين مقارنة باطفال اليهود، أنه العاشق المجنون،تتهادى اشعاره بفطرية متناهية لتبوح احاسيسا بالحنين والتشرد، صدى كلماته يبقى موصولا بالسمع ، كلماته تصمي وتجندل وكانها سدادة اعدت لهذا الغرض بشكل دقيق. لقد اضحت المقاومة رفيقا له وتراودت قصائده مشعشعة بها . ان عاصفة الموت التي اجتاحت جسده اشعرتنا بنقصنا ،صحيح ان العالم مترع بالموت ، لكننا لو قرانا جداريته نرى ان الموت يهمس في اذنه، وها هو يشده ويجذبه اليه. لقد تعالى شعره حرا صريحا مزمجرا ليدك اسوار صهيون، لم يعش محني الراس او مقصوم الظهر او مصموم الاذنين عن صيحة المستقبل، انطفا السراج الحنون ولكن صداه سيظل الى الابد ينشد المحبة والامل.محمود يذكرنا ايام كنا نردد الهوية العربية ، الهوية المغروسة فينا غرس الدم، الهوية التي تتوشح بمخمل اليسار الثوري والنضال ضد اشكال التعسف ، النضال يوم كان صدى الاممية والشيوعية في مدانا ونلهج بها ككلمات وافعال وحتى يومنا هذا لايمكن ان تنسى ، الهوية التي صورها محمود في رائعته سجل انا عربي، ولكن للاسف الواقع العربي المريرالذي كان ولايزال يجفل ويرتعب من قوى اليسار حال دون ان يذكر [ يحبون الشيوعية] في بعض امسياته. كلامه رطيبُّ ومداف مع زقزقة السنونو كما يقول [ كلامك كالسنونو طار من بيتي وهاجر باب منزلنا وعتبتنا الخريفية]. كلمة السر لدى كل مثقف ثوري غيور هي صرخة محمود درويش،هو الشاعر الاكثر اشكالية في الوطن العربي وقد ساهم في ذلك خذلان قلبه له والذي لازمه اكثر من ربع قرن والذي ادى الى موته التراجيدي. يقولون الشاعر الذي رثى نفسه قديما هو مالك ابن الريب والسياب حديثا ، وها هو محمود ثالثهم يرثي نفسه في جداريته . محمود هو الصوفي ،هو الاحساس بالتوحد مع قضيته وشعبه ومبادئه ومع روح الكون.لقد خرج من دائرة الزمن ودخل تجربة العالم من زاوية الابدية او كلّية الكون، مات بيولوجيا لكنه استحق التخليد، كان دائما يحقن نفسه بمصل الهزيمة ولذلك كان منتصرا ولايهاب الموت. كل انسان يموت الميتة التي يستحقها وها هو محمود يموت ميتة خالدٍ، شجاع، شاعر حفر في النهج الشعري خطا لامعا متميزا بالمدرسة الدرويشية. لقد وجد لنفسه ميتة واعية . او كما قال كازانتزاكيس وهو على فراش الموت [ الشاعر لايموت ابدا] ، وها هو يموت ومعه حاصل العالم الذي لايطاق . سيجد له متسعا للراحة . انه لم يمت بل انه نائم في سرير النوم الابدي على حد قول ادونيس في وصفه للموت. كلا لن يمت بل مازال فيه روائح الشعر والثورية، شعره يتفتق عن الاف الاغصان، مازال ثغره ينطق بالحماسة واللوعة والحنين. في رحيله تفطر الفؤاد وازداد الالم ايغالا في الروح والبدن، واصطدمنا مع حقيقة الموت وفلسفته، ومرارة الافتقاد لمبدعٍ كبير، وماعلينا سوى ان نكثف كربنا الى وفاء ورثاء وخلود. رحل محمود وبقي مارسيل خليفة يجوب الارض بانغامه المعطرة بشعر محمود، رحل محمود وكانه قال وداعا ايتها الحياة وهو الذي قال في احد مقالاته [ وداعا ايتها الحرب وداعا ايها السلم] كان نتاجه غزيرا يتلخص في الكثير من الدواوين، سيظل حيا بين ظهرانينا. .........................
|