ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود درويش - فلسطين

شاعر المقاومة مازال يصيح‏:

'أنا يوسف يا أبي‏'!!

 

د‏.‏ مصطفي عبدالغني ‏- مصر

 

..‏ رغم انه شاعر المقاومة‏,‏ وهو لم يتوقف عن تأكيد هذا داخل قصائده قرابة نصف قرن او خارجها‏,‏ فاننا نستطيع ان نرصد‏,‏ في الفترة الاخيرة من حياته هذا الحزن القاتم القائم علي واقع مأزوم‏,‏ استطاع ان يناهض الشاعر المقاوم طويلا‏..‏

هذا الحزن الجاثم علي تلافيف قلبه المتعب اكثر ما يمكن تبينه في الاداء الشعري خاصة‏,‏ او وايضا‏_‏ في الاداء الشعري قبل هذا وبعده‏..‏

وعبورا علي قرابة عشرين ديوانا شعرية من منتصف القرن الماضي حتي بدايات هذا القرن نستطيع ان نرصد بدقة تحولات الشاعر‏,‏ شاعر المقاومة في عديد من الاحياء داخل فلسطين او خارجها‏,‏ داخل الاقطار‏,‏ العربية او خارجها‏!!‏ داخل الندوات والاحتفاليات والمستشفيات داخل أمريكا حيث رحل اخيرا‏-‏ او خارجها‏..‏ لا نخطيء قط هذا الحس الحالم الحزين الذي انتهي اليه هذا الشاعر الذي عرف النكبة في بداياتها حين خرج مذعورا من قريته ولم يجاوز السابعة من عمره الي خارج الارض المحتلة الي عديد من القري والمدن حتي عاد مرة اخري الي رام الله‏..‏

اقول‏,‏ لقد لاحظت كثافة هذا الحلم المقهور في اخريات حياته بشكل مروع‏,‏ لم يفقد روح المقاومة ابدا‏,‏ نعم‏,‏ لكن بذرة الحزن القائم القاتم الثقيل تمت وتربعت في اللون الاخضر الدامي في مراحل حياته الاولي الي اللون القاتم في اخريات حياته‏..‏

وبعيدا عن‏'‏ كل هذه الكتابات‏'‏ التي تكثفت منذ رحل نستطيع ان نقفز بسرعة الي هذه المرحلة الاخيرة‏(‏ لم يستطع احد الوصول الي هذه المرحلة الا رفعت سلام‏..)((*‏ ربما مند منتصف الثمانينات عند‏'‏ هي اغنية‏..‏هي اغنية‏'(1986)‏ وصولا الي قصيدته الاخيرة‏'‏ لاعب النرد‏'‏ مرورا بعديد من الكتابات والأغنيات والانكسارات والانهيارات يمكن ان نلحظ صياح محمود درويش الحائرة‏..‏

الحيرة التي تبدو مجردة لكنها‏_‏ في الوقت نفسه‏_‏ لاتخلو من هزيمة الحلم وانكسارات الواقع الحيرة التي تبدو مجردة لكنها‏_‏ في الاغلب‏_‏ لاتخلو من الرموز السيريالية السادية الحائرة‏.‏

وعلي هذا النحو‏,‏ حيت تتسع اقطاب الدائرة في هذه المرحلة يمكن ان نرصد فيها اسماء دواوينه او قصائده لاعادة رصد هذه المرحلة عبر اعماله‏:‏ حصار لمدائح البحر

ومديح الظل العالي‏..‏ وهي أغنية‏.‏ وورد أقل عبورا من لماذا تركت الحصان وحيدا؟ وسرير الغريبة ثم في‏(‏ جدارية‏)‏ الشاعر ثم لا تعتذر عما فعلت‏..‏ وتوالت الوان الطيف الواعي الحزين لمايحدث للعرب من الداخل في كثير مما كتب خاصة في اخريات قصائده‏'‏ أنت منذ الآن غيرك‏'‏ فالي قصائده في عصافير بلا أجنحة‏,‏ أوراق الزيتون‏,‏ أصدقائي لا تموتوا‏,‏ عاشق من فلسطين‏,‏ العصافير تموت في الجليل‏,‏ مديح الظل العالي‏,‏ حالة حصار‏,‏ وغيرها‏.‏

واذا اردنا الاقتراب اكثر من المركز نلحظ تكاثف الظلال القاتمة من قصائده الاخيرة ربما من قصيدته الدالة‏(‏ أنا يوسف يا أبي‏)‏ مرورا بقصيدته المهمة‏(‏أحدعشر كوكبا علي آخر المشهد الأندلسي‏)‏ وصولا الي اخر قصيدة القاها قبل ان يرحل مباشرة في بيت لحم‏(‏لاعب النرد‏).‏

في القصيدة الاخيرة وصل الي اقصي درجات الحيرة والحزن في هذا الواقع العربي الذلا نعيش فيه جميعا حاة الخوف من المضي والآتي‏,‏ لنعود لنستمع الي لاعب النرد ومصادفاته الدامية لنستمع‏:‏

ومشي الخوف بي ومشيت به

حافيا‏,‏ ناسيا ذكرياتي الصغيرة عما أريد

من الغد‏-‏ لا وقت للغد‏-‏

أمشي‏/‏ أهرول‏/‏ أركض‏/‏ أصعد‏/‏ أنزل‏/‏ أصرخ‏/‏ أنبح‏/‏ أعوي‏/‏ أنادي‏/‏ أولول‏/‏ أسرع‏/‏ أبطئ‏/‏ أهوي‏/‏ أخف‏/‏ أجف‏/‏ أسير‏/‏ أطير‏/‏ أري‏/‏ لا أري‏/‏ أتعثر‏/‏ أصفر‏/‏ أخضر‏/‏ أزرق‏/‏ أنشق‏/‏ أجهش‏/‏ أعطش‏/‏ أتعب‏/‏ أسغب‏/‏ أسقط‏/‏ أنهض‏/‏ أركض‏/‏ أنسي‏/‏ أري‏/‏ لا أري‏/‏ أتذكر‏/‏ أسمع‏/‏ أبصر‏/‏ أهذي‏/‏ أهلوس‏/‏ أهمس‏/‏ أصرخ‏/‏ لا أستطيع‏/‏ أئن‏/‏ أجن‏/‏ أضل‏/‏ أقل‏/‏ وأكثر‏/‏ أسقط‏/‏ أعلو‏/‏ وأهبط‏/‏ أدمي‏/‏ ويغمي علي‏/‏

وهي‏'‏الحالة‏'‏ التي يمكن العودة اليها كثيرا قبل هذا المساء الاخير‏..‏

ومهما يكن‏,‏ فيجب ان نتنبه الي صياح الشعر الحزين‏(‏ أنا يوسف يا أبي‏)‏ بكل مافيه من دلالات حادة التقاطع جادة الدلالات‏..‏

انها من اهم القصائد التي يدفعنا الصياح فيها الدوؤب الي انكسار الحلم وغياب الحاضرفي هذه الفترة الاخيرة التي نحياها جميعا بألم شديد‏..‏

في هذه الحقبة الاخيرة زادت مساحات الهزيمة في المنطقة العربية‏,‏ زادت مساحات الخيانة‏,‏ تراكمت طبقات التراجع‏,‏ عرف الشاعر مدي انكسارا الإرادة العربية علي مستوي زعماء المنطقة‏,‏ وشهد تراجع الحلم القومي الي‏360‏ درجة‏..‏

وربما كان من المهم ان نعيد استدعاء صياح‏(‏ يوسف‏)‏ داخل الآية وخارجها‏,‏ داخل القصيدة وبعيدا عنها‏,‏ لنستمع ولنتأمل برهة‏:‏

أنا يوسف يا أبي‏.‏
يا أبي‏,‏ إخوتي لا يحبونني‏,‏
لا يريدونني بينهم يا أبي‏.‏
يعتدون علي ويرمونني بالحصي والكلام‏.‏
يريدونني أن أموت لكي يمدحون
وهم أوصدوا باب بيتك دوني‏.‏
وهم طردوني من الحقل‏.‏
هم سمموا عنبي يا أبي‏.‏
وهم حطموا لعبي يا أبي‏.‏
حين مر النسيم ولاعب شعري
غاروا وثاروا علي وثاروا عليك‏,‏
فماذا صنعت لهم يا أبي؟
الفراشات حطت علي كتفي‏,‏
ومالت علي السنابل‏,‏
والطير حطت علي راحتي‏.‏
فماذا فعلت أنا يا أبي‏,‏
ولماذا أنا؟
أنت سميتني يوسفا‏,‏
وهمو أوقعوني في الجب‏,‏ واتهموا الذئب‏;‏
والذئب أرحم من إخوتي‏..‏
أبت‏!‏ هل جنيت علي أحد عندما قلت إني‏:‏
رأيت أحد عشر كوكبا‏,‏ والشمس والقمر‏,‏ رأيتهم لي ساجدين؟


وعلي هذا النحو‏,‏ فان انكسار الشاعر هنا كان يواجهة مقاومة الشاعر‏,‏ وبينهما‏_‏ وطأة المقاومة والانكسار‏-‏ سقط محمود درويش طويلا في الحيرة والتساؤلات المنكسرة‏..‏

انها حركة الروح المهزومة في الاعماق‏_‏ علي حد تعبير الناقد الراصد‏_'‏ لاستعصاء الحلم أوأنكساره‏..‏ وهومايمكن معه رصد اصداء هذه الروح الهائمة المحلقة في الفضاء الابدي في هذه الفترة الاخيرة الحزينة من تاريخنا العربي

وهو ما نقترب منه اكثر‏...‏
 

 

(نقلاً عن الأهرام)

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا