ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرالصين من ستالين .. إلى هوميروس،

أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

 

كان الصينيون في غاية الكرم والدماثة منذ أرسلوا لي دعوتهم للمشاركة في أول مهرجان دولي للشعر يقيمونه في مدينة سي ننج‏,‏ حتي ودعوني في مطار بكين وأنا في طريق عودتي لأرض الوطن‏.‏ وخلال أربعة شهور تفصل بين إرسال الدعوة وتوديع المدعوين لم يتركوا شيئا للصدفة حتي يتأكدوا من أن كل خطوة تتم علي النحو الذي رسموه‏.‏ وإلا فقد وصلت الدعوة لشعراء العالم‏.‏ وعيون العالم كلها مفتوحة علي الصين الآن‏.‏ وسوف يأتي شعراء العالم ليشهدوا للصينيين أو ليشهدوا عليهم‏.‏ ولقد كسب الصينيون الرهان‏.‏

أقيم المهرجان علي ضفاف بحيرة من أجمل بحيرات الدنيا‏,‏ تحيط بها سلاسل جبال شاهقة خضراء في مقاطعة تقع في الشمال الغربي من الصين‏,‏ ويتألف سكانها كما هي الحال دائما في مناطق الأطراف والحدود من قوميات مختلفة تتحدث لغات مختلفة وتدين بديانات عدة‏,‏ فمنهم البوذيون‏,‏ ومنهم المسلمون‏.‏ ومن هذا المشهد الطبيعي والإنساني استوحي القائمون علي تنظيم المهرجان موضوعه أو شعاره الذي رفعوه وطلبوا من المدعوين أن يكتبوا فيه‏,‏ وهو الإنسانية والطبيعة في عالم يسوده الوئام‏.‏

وقد كتبت في هذا الموضوع كلمة أرسلتها لهم كما فعل غيري‏.‏ ثم حان موعد السفر في الثاني من أغسطس الماضي فوصلت إلي بكين علي النحو الذي حدثتكم عنه يوم الأربعاء الأسبق لأجد في انتظاري المرافقين الصينيين ومعهم سيد جودة وهو شاعر مصري شاب يجيد اللغتين الصينية والانجليزية بالإضافة إلي لغته العربية‏,‏ ويقيم في مدينة هونج كونج حيث مكنته مواهبة المتعددة من أن يشتغل بالترجمة ويصنع شبكة من العلاقات مع المثقفين الصينيين والأجانب الآخرين المقيمين معه في المستعمرة الانجليزية القديمة‏.‏ وهو الذي كان حلقة الاتصال بيني وبين اللجنة التي نظمت المهرجان وعلي رأسها شاعر صيني ذكرني بأننا التقينا قبل بضع سنوات في مهرجان الشعر الدولي الذي يقام كل عام بمدينة ميديين بجمهورية كولومبيا في أمريكا اللاتينية‏.‏ هذا الشاعر الصيني تشي دي ماتشياو هو الآن الحاكم المفوض لمقاطعة تشنج هاي التي أقيم فيها المهرجان‏,‏ وهو رئيس اللجنة التي تولت تنظيمه‏.‏

حملني المرافقون الي الفندق لأستريح بعض الوقت قبل أن يعودوا ليرافقوني مرة أخري إلي المطار لأكون معهم في استقبال زوجتي التي وجدتها فرصة تزور فيها الصين معي ـ علي نفقتها الخاصة‏!‏ ـ لهذا اختلف طريق سيرها فجاءت علي الطائرة المصرية علي حين حجز لي الصينيون علي الطائرة الفرنسية‏,‏ فكان هذا الفرق بين موعد وصولها وموعد وصولي‏.‏

في العاصمة الصينية قضينا ثلاثة أيام زرنا فيها معالمها قبل أن تحملنا الطائرة الي سي ننج حيث أقيم المهرجان ودام أربعة أيام عدنا بعدها إلي بكين‏,‏ ومن بكين أخذتنا الطائرة إلي مدينة تشن زن في الجنوب لننتقل منها بالسيارة وبعدها بالقطار الي هونج كونج حيث نظم لي صديقي العزيز سيد جودة أمسية حضرتها كوكبة من المثقفين الفرنسيين والانجليز والصينيين والعرب المقيمين في هونج كونج‏,‏ وقرئت فيها أشعاري باللغات الأربع‏.‏ وقد حضر هذه الأمسية مشكورا القنصل المصري والسيدة زوجته‏.‏ وفي اليوم التالي عدنا الي بكين لنعود منها الي القاهرة‏.‏

وأنا لم أتحدث بالتفصيل عن برنامج الزيارة التي دامت أسبوعين أثنين‏,‏ وغطت الصين من شمالها الي جنوبها‏,‏ وحفلت بالكثير من المتعة والمعرفة والإثارة‏.‏ لأن المجال لا يتسع للتفصيل‏.‏ وحسبي أن أقف قليلا لأسأل‏:‏ لماذا يقيم الصينيون مهرجانا للشعر؟ والأجابة معروفة‏.‏ فالأهتمام بالشعر في الصين‏,‏ كالأهتمام به في مصر وفي أي بلد آخر‏.‏ وهو لا يحتاج إلي سبب خاص يبرره‏.‏ والتراث الصيني القديم‏,‏ تراث كونفوشيوس‏,‏ يجعل معرفة الشعر شرطا لأي حوار‏,‏ بل إن الشعر كان شرطا لاختيار الموظفين في بعض العصور في الصين‏.‏ وهذه التقاليد لاتزال مرعية‏,‏ ففي الصين الآن حوالي عشرة ملايين مؤسسة تهتم بالشعر الشعبي وتملك مئات المجلات وملايين المواقع الألكترونية‏.‏

لكني لا أسأل عن سبب الأهتمام بالشعر في الصين‏,‏ وإنما أسأل عن سبب إقامة مهرجان دولي له في هذه الأيام‏.‏ وفي اعتقادي أن المسألة لها علاقة بتطورات الثورة الصينية وانفتاح الصين علي العالم‏.‏

لقد تتلمذ الصينيون في بداية الثورة علي روسيا السوفييتية‏,‏ فخاضوا حرب التحرير والحرب الأهلية التي قادها الشيوعيون بزعامة ماوتسي تونج‏,‏ ووصلوا إلي السلطة وأقاموا نظاما شبيها بنظام ستالين‏,‏ ورفعوا مثله شعار الثورة الثقافية‏,‏ وصادروا الحريات‏,‏ وضربوا بقسوة شديدة علي أيدي المعارضين والمخالفين‏.‏ لكنهم برغم ذلك ـ لا بفضل ذلك‏!‏ ـ نجحوا في تحديث الصين ووضعها علي طريق التقدم الأنساني بمعناه الكامل‏..‏ فالتقدم ليس مصانع وقنابل وصواريخ فحسب‏,‏ ولكنه وقبل كل شيئ‏.‏ ثقافة‏,‏ وديموقراطية‏,‏ وحقوق إنسان‏.‏ والتطورات والأحداث التي عرفتها الصين في الأعوام العشرين الأخيرة شاهدة علي أن التقدم بمعناه الشامل أصبح مطلبا لكل الصينيين‏,‏ وهو الذي يفسر لنا سياسة الانفتاح التي تشهدها الصين الآن‏.‏ لقد آن للصينيين الذين تتلمذوا طويلا علي روسيا السوفيتية أن يتلمذوا علي اليونانيين القدماء‏.‏ وها هم قد بدأوا‏.‏ في هذا العام أقاموا أول مهرجان دولي للشعر‏,‏ وفي العام القادم تقام في بلادهم الألعاب الأوليمبية‏.‏

كنا أكثر من مائتي شاعر من الصين‏,‏ وانجلترا‏,‏ وفرنسا‏,‏ وروسيا‏,‏ وألمانيا‏,‏ واليونان‏,‏ وصربيا‏,‏ وإسبانيا‏,‏ والبرتغال‏,‏ والسويد‏,‏ والولايات المتحدة‏,‏ والبرازيل‏,‏ والمكسيك‏,‏ والأرجنتين‏,‏ وبولندا‏,‏ ومصر‏.‏

وقد كانت لفتة خصني بها تشي دي ماتشياو الشاعر وحاكم المقاطعة ومنظم المهرجان حين حرص علي أن يقدمني بنفسه للجمهور‏,‏ وحين زارني بعد ذلك في الفندق الذي نزلنا فيه‏,‏ وعرض علي مشروعا للترجمة المتبادلة‏.‏
نعم‏,‏ لقد حفلت الزيارة بالكثير‏.‏ ولقد كسب الصينيون الرهان‏!‏

(نقلاً عن الأهرام 12 سبتمبر 2007)

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا