ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرالأسماء والمسميات

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

 

نحن في حاجة لأن نسمي العالم الذي نعيش فيه‏..‏ ما نراه ونحسه ونلمسه من الأشياء والأشخاص الذين يحيطون بنا‏,‏ وما لا نراه أيضا‏,‏ لأنه بعيد نسمع عنه ولا نصل إليه‏,‏ أو لأنه معني نعقله ولا نبصره‏,‏ فنطلق عليه وعلي غيره هذه الأسماء التي تستحضر الغائب‏,‏ وتقرب البعيد‏,‏ وتجسد المجرد‏,‏ وتختصر الكثير‏,‏ وتجعل الكل في واحد‏,‏ فالأسماء إذن حاجة أساسية من حاجاتنا‏,‏ لأنها تسمي العالم وتضعه كله في اللغة‏.‏

لكن الأسماء مشكلة من مشكلاتنا أيضا‏,‏ لأنها قد تضللنا وتدخل في روعنا أننا حين نمتلك الاسم نمتلك المسمي‏,‏ وهذه المشكلة‏,‏ مشكلتنا مع الأسماء هي موضوع هذا الحديث‏..‏

نحن لا نكاد نعرف من الأشياء والأفكار والأشخاص الذين تمتلئ بهم حياتنا‏,‏ أو من معظمها‏,‏ إلا الأسماء التي تخطر لنا أو تذكر أمامنا فنتذكر ما تشير إليه أو نتخيله ونتصوره‏,‏ لا ندري إن كان ما نتصوره حقا أو وهما‏.‏ بل نحن أكثر استجابة للوهم نميل إليه ونؤثره علي الحقيقة‏,‏ لأن الحقيقة في معظم الأحيان شاقة مرهقة‏,‏ والوهم خفيف مريح لا يكلفنا شيئا ولا يرهقنا بعمل‏.‏ وما علي الخطيب من هؤلاء الخطباء الذين يبيعون لنا الوهم في هذه الأيام إلا أن يتحدث عن الماضي الذي نقرؤه بعواطفنا ولا نقرؤه بعقولنا‏,‏ فلا ندرك منه إلا الأسماء المهيبة والأعمال المجيدة‏,‏ ولا نري المساويء والمخازي التي نراها في الحاضر‏.‏ ومن السهل في هذه الحالة أن نعيش في هذا الفردوس الوهمي ونحلم به ونسعي لإحيائه فلا نصل إلا لمزيد من التخلف ومزيد من التراجع‏.‏

نعم‏,‏ نحن نتعامل مع الأسماء ومع اللغة عامة كما يتعامل معها المشعوذون الذين ينفخون في الكلمات ويجعلونها رقي وتعاويذ يستدعون بها الأرواح الشريرة وغير الشريرة‏,‏ فالقول لا الفعل هو المرجع الذي نحتكم إليه‏.‏ نحول العقل‏,‏ والعلم‏,‏ والحرية‏,‏ والعدل‏,‏ والتقدم‏,‏ والرخاء إلي كلام نردده ونستغني به عن تحقيقه‏.‏ فإذا بدا لنا الواقع أسوأ مما نستطيع احتماله أطلقنا عليه من الأسماء ما ينسينا حقيقته ويخفف من وقعها علينا‏,‏ هكذا ننظر في الأقوال فنراها بعيدة عن الأفعال وربما ناقضتها‏,‏ لكننا نعتد في النهاية بما يقال لا بما يحدث‏,‏ لأننا نستطيع أن نلقي الغطاء علي ما يحدث ونضرب حوله الحصار‏,‏ وأن ننشر ما يقال علي الناس ونذيعه في أوسع نطاق‏.‏

والذي يحدث في حياتنا الاجتماعية وحياتنا السياسية يحدث في حياتنا الثقافية‏.‏

نحن نحتاج في الثقافة أيضا إلي الأسماء التي نتعرف بها علي التيارات الفكرية والظواهر الأدبية والأشكال الفنية‏.‏ نحتاج مثلا لأن نقول إن شوقي شاعر كلاسيكي‏,‏ أو إن نجيب محفوظ روائي واقعي‏,‏ وذلك لنستدعي في ذاكرة من يقرأوننا أو يسمعوننا ما يعرفونه عن الكلاسيكيين الذين تابعوا القدماء‏,‏ وعن الواقعيين الذين يستلهمون الواقع‏.‏

لكن المشكلة تبدأ حين نجد أنفسنا أمام أكثر من كلاسيكي وأكثر من واقعي‏.‏ شوقي وحافظ مثلا‏,‏ كلاهما تنطبق عليه التسمية‏,‏ لكن الفرق كبير بينهما‏.‏ وعلينا في هذه الحالة ألا نعتمد علي التسمية اعتمادا كاملا‏,‏ ونعود إلي المسمي‏,‏ أي إلي شعر حافظ وشعر شوقي لنعرفه معرفة مباشرة‏,‏ وننظر فيه وجها لوجه‏,‏ وتلك هي المشكلة‏,‏ لأن المعرفة المباشرة تحتاج إلي ثقافة يفتقر إليها الكثيرون ممن يكتفون بالظاهر‏,‏ ويؤثرون السهولة‏,‏ ويرجعون للتعريفات المختصرة والأسماء الشائعة‏,‏ ويهملون الواقع الحي الذي يريدون أن يعرفوه وأن يصفوه‏.‏

بعضهم يتشدق بالكلام عن الحداثة كأنه هو الذي اخترعها‏,‏ أو كأن الحداثة اكتشاف جديد‏,‏ أو فكرة مضطهدة تحتاج لمن يدافع عنها‏,‏ والحداثة اليوم فكرة راسخة يعترف بها الجميع عندنا وعند غيرنا من الأمم التي سبقت إليها وتجاوزتها إلي ما بعدها‏.‏

ونحن ننظر اليوم في حياتنا الأدبية والفنية فنجد أن كل شيء تغير وتطور في ظل هذه الراية التي حققت انتصاراتها الحاسمة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته‏,‏ فلم يعد هناك من يقف في وجهها‏,‏ وإن كان من حقنا طبعا ومن واجبنا أن نختبر النتائج ونقيم المحصول ونراجع ما قلناه وما فعلناه خلال الأعوام الخمسين التي مضت علي حركة الشعر الجديد‏,‏ والمسرح الحديث‏,‏ والرواية الواقعية‏,‏ والنقد الماركسي‏,‏ وشعر العامية‏,‏ وجماعة الفن المعاصر‏,‏ وإنشاء فرق الأوبرا‏,‏ والباليه‏,‏ والأوركسترا السيمفوني‏.‏

نعم‏,‏ الذين ثاروا باسم الواقعية علي طه حسين‏,‏ والعقاد‏,‏ وتوفيق الحكيم‏,‏ ماذا قدموا؟ والذين اعتبروا أمل دنقل آخر الشعراء الجاهليين‏,‏ ماذا أبدعوا؟ والذين مثلوا بعد يوسف وهبي وأمينة رزق وزكي طليمات وحسين رياض وسناء جميل؟ والذين نحتوا ورسموا بعد مختار‏,‏ ومحمود سعيد‏,‏ وبعد حامد عبدالله‏,‏ وتحية حليم‏,‏ وعبدالهادي الجزار‏,‏ وحامد ندا؟ والذين غنوا بعد عبدالوهاب‏,‏ وأم كلثوم‏,‏ وفريد الأطرش؟ والذين بحثوا ودرسوا؟ والذين تفلسفوا‏..‏ ماذا أنتجوا؟

لا شك في أننا سنجد فيما أنتجناه تحت راية الحداثة روحا جديدة وأعمالا باقية‏,‏ لكن مع غثاء كغثاء السيل جري تحت هذه الراية نفسها وانتمي زورا إليها‏..‏ أليس من حقنا أن نميز بين حقائق الحداثة وأوهامها؟

وإذا كان الغربيون الذين أنتجوا الحداثة‏,‏ وسبقوا إليها‏,‏ وصدروا ثقافتها لنا يراجعونها اليوم وينقدون أفكارها ونظرياتها في ضوء الواقع الذي تنبأت به‏,‏ فلم تصدق معهم كل نبوءاتها كما يقولون‏,‏ فمن حقنا نحن أيضا أن نفعل‏,‏ لا لكي نخرج من الحداثة أو نرتد عنها أو ننقلب عليها‏,‏ ولكن لكي نصحح مسارها‏.‏ فمازلنا في أشد الحاجة لعقلانية الحداثة‏,‏ ودعوتها للتجديد‏,‏ وإيمانها بالمستقبل‏.‏

لكن الحداثة بالنسبة لمن يتشدقون بالكلام عنها ليست قضية‏,‏ وليست سؤالا‏,‏ وليست تاريخا‏,‏ وليست إنتاجا يقيم‏,‏ وإنما هي اسم‏.‏ أو هي بالأحري قميص كقميص يوسف أو قميص عثمان‏!‏

وفي النهاية‏,‏ ماذا نصنع؟ هل نكف عن استخدام الأسماء؟ لا‏..‏ لأننا لا نستطيع أن نستغني عن اللغة‏,‏ وإنما نستطيع أن نستخدمها في أداء وظيفتها‏,‏ وهي أن تكون وسيلة للتعرف علي المسميات‏,‏ لا أن تكون بديلا عنها‏!‏

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 留评论 cliquez iciاضغط هنا

ضع إعلانك هنا