ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

 فاطمة ناعوتليت للبرّاق عينًا

فاطمة ناعوت - مصر

 

 صمتت نازك الملائكة طويلا. أحزنني صمتُها الذي استطال على مدى عقودٍ ثلاثة.
رغم أنني أعلم يقينًا أنها لو لم تصمت لكانت في طليعة آبائنا اللافظين أبناءهم. آباؤنا هؤلاء الذين قتلوا الابنَ، ضدًّا، وربما ردةَ فعل، لقتل الأب الذي مارسه بعضُ جيلِنا عن سطحية أو خواء أو حتى عن قلّة حيلة.
أعلمُ أنها لم تكن لتختلف كثيرا عن أحمد عبد المعطي حجازي وسواه ممن قتلونا، قبل أن يسمعوا صوتنا حتى تمام الجملة، ولم يأخذوا العزاء فينا.
آباؤنا الذين لم يعترفوا بنا، نحن الشعراء الجدد المغضوب عليهم، بعد. أعلم.
وأعلم أيضًا أن صمتَها الذي اختارته طواعيةً منذ السبعينات يحمل رسالةً ربما أشد قسوةً وبلاغةً وإبلاغًا من تفاعلها الذي لم يحدث أبدا.
رسالةٌ رافضةٌ للعالم العربي بواقعه السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يزداد قبحًا يوما بعد يوم.
وربما، لو استعرتُ عينيها ووعيها، سأقول: وبواقعه الشعريّ كذلك الذي ينحدر أيضًا مادام جاء حينٌ على الدهر يفرزُ شعراءَ جددًا متمردين على هيكل السلف الصالح ومعبده.
أعلم أن كتابًا نقديًا مناهضًا للكتابة الشعرية الراهنة، لم يُكتب له أن يُكتب بقلم نازك الملائكة، كان سيغدو اللعنـــةَ على شعـــراء قصــيدة النثر لـــو قُدّرَ ولم تختر هذا الصمــت المستطــيل.
هل نحن محظوظون إذن أن فات المكتبة العربية هذا الكتاب الضِّد لجيلي؟ عمليًّا نعم.
لأننا خسرنا عدوًّا أشوس كان سيعود بنا خطوات كلما تقدمنا خطوة. لكن فلسفيًّا وجماليًّا خسرنا بالفعل كتابا جيدًّا، أعلم، بقلم نقديّ فريد مثل قلمها.
رغم كل تلك المغانم لم أسعد بصمتها، بل أحزنني.
كان يُفرحُني، بحسّ امرأة متعبَةٍ في مجتمع بطريركي حتى النخاع، أن ثمة شاعرة كبيرة هناك.
تعيش في مكان ما، ولحسن حظي اختارت أن تعيش في بلادي. ثمة إذن شاعرة رائدة في الجوار! عراقية جميلة.
حتى ولو حجبتها الظلالُ وأوشكت عتماتُ النسيان أن تحتويها، لكنها هناك.
اختارت مبكرا موتها بالقوة منذ ثلاثين عاما قبل موتها بالفعل قبل أيام. لكنها مع ذلك كانت هناك.
ويهاتفني يوسف رزوقة من تونس. السفير العربي لحركة شعراء العالم في تشيلي.
يقول لي: يا ناعوتة اشتري باقة ورد واذهبي إلى نازك الملائكة وقولي لها نحبك ونحييك. هذا فقط ولا شيء أكثر.
وأحصلُ بعد جهدٍ على رقم هاتفها السريّ من المناضلة الجميلة، التي رحلت قبل عام، وداد متري.
أعلم أن ‘’برّاق’’ نجلَها سوف يجيب الهاتفَ بعد برهة.
وفيما يرن الجرس أقول لنفسي: ليت للبرّاق عينا فترى حبَّنا لأمه إذن لساعدَني.
ويجيب برّاق. أخبره أنني أود أن أنقل للملائكة محبة شعراء الدنيا. وأن أحمل إليها وردةً منهم.
لن أرهقها، لن أطلب حديثا أو حوارا أو كلمة.
فقـــط سأقول لها نحبـــــك. ويبلغها عن رغبـــتي فتشكرني عن بعد، وترحب بي وبالفكرة وبحركة شعراء العـــالم وبالحب وبالـــورود.
لكنها تعتذر بدماثة ورقيّ يليقان بشاعرة. شاعرةٍ عرفت كيف تختار موتَها، قبل أن يختارها.

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا