ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

 فاطمة ناعوتعِقـابُ المرايا
فاطمة ناعوت - مصر

 ثمة مذهب سيكولوجي، أو مزعم، اسمه “Mind over Matter”. بما يعني قدرة العقل البشري على التحكّم في المادة. الموجودات من جماد وعناصر، وقيم مجرّدة حتى (؟!)، تغدو تحت سيطرة العقل، بعد إخضاعها لعمليات معقدة من التركيز الشديد. أجرى قسمُ علم النفس بجامعة أوتاوا تجارب لدراسة هذه الظاهرة وتوصّل بنتائج طريفة مثل النجاح في إخضاع حجر النرد وجعله يسقط على وجه معين حددوه سلفا. يُطلب من المشاركين التركيز بشدة على رقم ما وكتابته في ورقة قبل رمي النرد، وبتكرار المحاولة استطاع بعضهم بالفعل تجاوز نسبة الصدفة وقانون الاحتمالات وإسقاطه على الوجه المطلوب. ويقول بروفيسور فرانسيس باو المشرف على التجارب: كلما زادت ثقةُ المرء بالفوز حقق نسبةَ نجاح أعلى.
وكثيرة هي الحكايا التي قرأناها حول أناس يحركون الأكواب والصحون بعيونهم بمجرد التحديق فيها والتركيز في خلاياها ثم أمرها أن تتحرك. فتتحرك. شهدت في طفولتي أمرا كهذا. حين كان أبي وأمي يختلفان بشأن قضية، يجلسان متواجهيْن وبينهما ورقةٌ فوقها قلم. يقرأ أبي بعض التعويذات فيتحرك سنُّ القلم ليشير ناحية الشخص المخطئ. كنت أظنهما يلعبان. أبي كان ميتافيزيقيا حتى النخاع ويقرأ كثيرا في مدوّنات السِّحر والماورائيات، على رغم حفظه القرآن كاملا، بينما أمي تمتلك عقلا عمليًّا جدليا براجماتيًّا، ومن ثم كان التقاؤهما لونا من الكوميديا الكونية.
ولم يقل العلمُ كلمته النهائية في الأمر. وأظنه لن يفعل كي يظل الغامضُ غامضًا ومثيرا. لكن العلم يقول إن تفاعلا كهربائيا يتم في خلايا الدماغ، في حالات الانشغال الذهني العميق والتركيز الحاد، فيخلق مجالا مغناطيسيًّا بوسعه أن يؤثر على الإلكترونات في المادة موضوع التركيز. ومن ثم يبدّل فيها. بل إن نظرية تذهب إلى أن ظاهرة ‘’الحسد’’ تتم على هذا النحو. حيث شعاعٌ كهرو- مغناطيسيّ يخرج من عين الحاسد إلى المحسود فيجعله يزلُّ أو يقع. أو يموت.
وفي الحقل الفلسفيّ، وربما الإبداعي، يتقاطع هذا الأمر مع رواية ‘’الخيميائي’’ للبرازيليّ باولو كويللو حين حدثنا على لسان سانتياجو قائلا: إذا آمن الإنسانُ بحُلم ما إيمانا عميقا، تآمر الكونُ كلُّه من أجل تحقيقه. وقبله قال الشاعر الأمريكي رالف أميرسون: إنَّ العالمَ يُفسح الطريقَ لمن يعرفُ إلى أين هو ذاهب. والأمر ذاته شهدناه في فيلم مصري حديث عنوانه ‘’أنت عمري’’. حبيبان مصابان بسرطان الدم. راقصةُ باليه شابة تحلم بالرقص مع فرقة البولشوي الروسية، ولم تتمن في أيامها الأخيرة سوى أن تموت فوق خشبة المسرح. حلمها كان قويًّا وإيمانها بتحقيقه حاسما. بينما حلمُ الولد ضعيفٌ فكان كمن يستدعي الموتَ لكي يسرع خطاه. فوق جسر النيل قالت: أتمنى أن تمطر السماء الآن لنركض تحت زخّات المطر. وأمطرتِ السماء. وترقص مع البولشوي. لكنها لن تموت فوق خشبة المسرح. لأنها هزمت السرطان وعاشت. ومات حبيبُها الذي لم يعرف كيف يحلم، وكيف يثق في حلمه.
اشْتُقّ من مذهب ‘’العقل فوق المادة’’ مذهبٌ آخر هو “Mind over Mind”، العقل فوق العقل. وهو طريقة للتغلّب على صعابنا بنفيها من دائرة الدماغ. فماذا لو أنك مُعثرٌ وتثقلك الديون؟ اقنعْ نفسَك أنك أثرى أثرياء العالم ولا تعرف فيم تنفق أموالك. الأمرُ أبعدُ خطوةً من أحلام اليقظة، وأقل خطوةً من الفُصام. شيء يشبه اليوجا الذهنية التي تجعلنا نصدق أحلامنا. فتتحقّق. شيء كهذا قاله فرانسيس بيكون قبل أربعمئة عام: ‘’إن المرءَ سوف يصدّق ما يودُّ له أن يتحقق’’. وهذا ما يجعل كل إنسان متحمّسًا جدا لأفكاره ومعتقداته وربما أوهامه ولو لم تكن صحيحة. مثلما صدّق سجناءُ كهف أفلاطون أن ما يرونه على الحائط هو العالم الحقيقي ذاتُه ببشره وحيواناته وأشجاره، في حين لم تكن سوى خيالات وظلال وأوهام.
كل ليلة قبل أن أخلد للنوم أنظر في مرآتي. ليس بهدف تجميليّ، بل هي ساحة المحكمة خاصتي. لو ارتكبتُ في يومي خطأ ما، أجد أمامي وجها قبيحا لامرأة دميمة. والعكس لو أتيت فعلا طيبا أثناء النهار. عندي قصيدة عنوانها ‘’ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تغضبُ المرآة’’ تطرح الأمر. وليس في زعمي أية ألاعيب شعرية أو أخيلة مجازية. بل هو واقعٌ علميّ بحت. لأن جمالَ السلوك ينعكس بالفعل على الملامح فنرى أنفسنا جميلين بقدر ما أتينا من جمال وبقدر ما أحببنا الناس. والعكس. ولأنني أرتعبُ من عقاب المرايا أفكر كثيرا قبل الإقدام على حماقة قد تقضُّ ليلتي بعدما أطالع قبل نومي وجها لا أحبُّ مرآه. رغم هذا، الحماقاتُ لا تنتهي!

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا