ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

لماذا لا نريد أن نفهم ؟!

بين الأمانة و الشورى .. و العيب

راجي عنايت / مصر

 

لماذا لا نريد الاعتراف بأن الأسس التي قامت عليها حياتنا قد تغيرت، و أن الخبرات التي توصلنا إليها بعد جهد، على مدى أعمارنا، لم تعد صالحة للتعامل مع الحياة الجديدة التي يمضي إليها البشر ؟ .. لماذا لا نريد الإقرار بأن فشلنا في الوصول إلى حلول لمشاكل حياتنا، و سبل لإعادة بناء مؤسساتنا، لا يرجع إلى نقص في الذكاء، أو ضعف في الخبرات ..إنما مرجعه إلى أننا لم نتوصّل بعد إلى المنهج المناسب للتعامل مع التغيرات الكبرى المتسارعة التي نمرّ بها .. و لم نتّفق على المنهج الذي سيتيح لنا أن نرسم رؤية مستقبلية حقيقية لمصر .

لقد ناقشت في مقال سابق قصور جهد أمانة السياسات في تصوّر مستقبل الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في مصر، و بالتحديد أسس التعليم في مجتمع المعلومات . و اليوم، تابعت على القناة الأولى وقائع جلسة الشورى، التي خصصت لمناقشة قانون جديد خاص بكادر و أوضاع المعلمين .. مداخلات و آراء قد يعرضني وصفها للمساءلة القانونية، أو يضعني تحت رحمة قانون العيب، لو أنه ما زال قائما حتّى اليوم .

لماذا لا نريد أن نفهم ؟ ..

عندما أتابع الذي يحدث عندنا على مختلف المستويات السياسية، و في الأحزاب (وطني و خلافه)، و في دوائر البحث و الدراسة و المجالس المتخصصة، أستنتج أننا لا نريد أن نفهم، و لا يهمنا هذا الذي يحدث للمجتمع البشري، و لا نسعى بالفعل لأي إصلاح أو إعادة بناء ..

المهم ..

هو أن يبقى هرم السلطة المتكلّس على حاله من الصمود أمام أي تغيير، و أن يستمر جمهور المستفيدين من هذا النظام في جني المكاسب التي يسعون إليها .. و أن تتخذ كافة الاحتياطات لمواصلة كسب رضاء النظام الأمريكي، حتى يمكن ضبط حركة البشر في مصر في الحدود التي يسمح بها الهرم، دون أن تقود هذه الحركة لأية مضايقات و تعليقات من بعض الجهات الأمريكية .

.. و النتيجة ؟ .

النتيجة هي أن هذه الأوضاع لن تستمر، رغم أنف أمريكا و الهرم المتكلّس، فالتغيرات التي أتحدث عنها ستجرف القيادة الأمريكية الخرقاء، و عصابة ديك تشيني التي تحرّكها، و تجرف معهما كل الأتباع .

لكن ! ..

إذا انتظرنا في مصر حتّى يحدث هذا من تلقاء نفسه، فسيحدث بثمن باهـظ، ليس على هرم الحكم و أذياله فقط، و لكن على الجميع .

حقائق الزمن الآتي

فكرت في حيلة أتجنّب بها العموميات و التجريد، حتّى أقنع المخلصين بأهمية الذي أقوله بالنسبة للتغيرات التي أتت، و يأتي بها تحول البشر إلى مجتمع المعلومات .. سأرصدها كنتائج، دون إثباتات أو براهين، على أمل أن يصنع تجاورها المباشر هزّة إفاقة، أو نفير حركة . و فيما يلي رصد جوانب من التغييرات القادمة،حتى يقتنع ـ من يريد أن يقتنع ـ بأن خبراتنا السابقة لا تسمح بالتعامل مع الجديد .

في الإدارة :

  • من التنظيم الهرمي البيروقراطي، إلى تنوّع من التنظيمات الشبكية .

  • من رأس المال الاقتصادي، إلى رأس المال البشري .

  • تقليص الإدارة الوسيطة .

  • تنوّع ساعات و أماكن العمل .

  • من الإدارة بالأوامر، إلى تسهيل اتخاذ القرار في القواعد .

  • دور للمؤسسة في التعليم و التدريب .

في التعليم :

  • من التلقين، إلى تنمية القدرة على الابتكار، و حلّ المشاكل .. و التركيز على التعليم خالق المعرفة .

  • امتداد التعليم لمدى الحياة، تعليم، ثم عمل، ثم تدريب، ثم عمل، ثم تعليم، و هكذا .

  • تشجيع المتعلّم على التفكير، و ممارسة التفكير الناقد، و الاختلاف عن الآخر، و التفرّد .

  • تنمية القدرة على التعليم الشخصي، و الذاتي، في المدرسة و في البيت .

  • تشجيع الإيجابية و التعاون، للنجاح في ظل التنظيمات الشبكية .

  • تدريب التلميذ على الاعتزاز بعقيدته، و احترام عقائد الآخرين .

في الممارسة السياسية :

  • الانتقال من ديموقراطية التمثيل النيابي، إلى أشكال ممارسة ديموقراطية جديدة، من بينها ديموقراطية المشاركة، و الديموقراطية التوقّعية، التي لا تتضمن التوكيل أو الإنابة .

  • تكنولوجيا المعلومات، و الاتصالات، ستجعل الناخب لا يقل في معارفه عن النائب السابق.

  • إنهاء احتكار مركزية القرار، في مختلف التنظيمات .

  • الهبوط بنسبة عالية من سلطة اتخاذ القرار، من قمة الهرم إلى القواعد، الجغرافية و النوعية .

  • مشاركة المواطن لكي تكون سليمة عند اتخاذ القرار يجب أن تتجاوز ما هو ( هنا .. و الآن ) ، و أن يدخل المستقبل كعامل مؤثّر في ذلك القرار .

الاقتصــاد :

أعرف أنّه ليس من السهل، طرح التغيرات الاقتصادية في عناوين، لكن الحيّز المتاح حاليا لا يسمح سوى بهذا، على أمل العودة إلى موضوع مستقبل اقتصاد مجتمع المعلومات في مقال لاحق .. ومع ذلك، كعيّنة :

  • العالم يتحوّل إلى الاقتصاد الحر، فكما أننا لا نسأل اليوم عن توازن تجاري بين طنطا و أسيوط، فلن نحتاج مستقبلا إلى البحث عن توازن تجاري بين أمريكا و اليابان ( ملحوظة :الكيانات الرأسمالية الكبرى في العالم، حاولت ـ و نجحت إلى حدّ ما ـ في الإسراع بترجمة هذا على شكل احتكارات متعدية الجنسيات على حساب الشعوب.. الأرجح أن يتوقّف لتناقضه مع طبيعة مجتمع المعلومات ) .

  • التزاوج بين الاتصالات و الاقتصاد أتاح للمشروعات أن تتوزّع على مساحة سطح الأرض، التباعد المكاني بين مراكز الإدارة، و مواقع الإنتاج، تعوّضه نظم الاتصال المتفوّقة .

  • الرأسمالية و الاشتراكية نظامان مختلفان كانا يطرحان رؤيتان في التعامل الاقتصادي مع مجتمع الصناعة .. وحقائق مجتمع المعلومات تؤشّر إلى نظم اقتصادية مغايرة لما ساد عصر الصناعة .

  • إعادة النظر في الملكية الخاصّة كأساس قانوني، و ذلك لاختلاف المعلومات و المعارف عن السلع المادية .. ماذا يصنع قانون الملكية إذا كنت أبيع المعلومة، و تظلّ في حوزتي بعد بيعها ؟ . لذلك يفكّر علماء المستقبل في اعتماد " الحيازة " مكان الملكية .

  • عمال مجتمع المعلومات يعملون كمورّد للعمل العقلي، فيصبح من الممكن التعامل معهم باعتبارهم ضمن المدخلات المعلوماتية في اقتصاد مجتمع المعلومات .

أين نحن من هذا ؟!!

أشرت من قبل إلى غياب الرؤية المستقبلية عن استراتيجيات و خطط و برامج أمانة السياسات بالحزب الوطني .. و قد أكّد هذه الحقيقة في "أهرام" هذا الأسبوع، د. محمد كمال، أمين التثقيف و عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، تحت عنوان " نحو سياسة قومية للشباب " .

  • يتحدث عن ".. سياسة قومية للشباب في العديد من الدول، تحدد احتياجات الشباب في مجال السياسات العامة المختلفة.."، ألا يجدر بنا أن تكون لدينا سياسات عامة حقيقية بداية ؟! .. و هو يشعر بلا شك بشيخوخة النظام و جموده، و يريد ".. أن يكون هناك مكوّن شبابي في السياسات العامة.."، و أقترح يتّسع ذلك المكون الشبابي لباقي المواطنين في مصر، بحيث يشارك المصريون ـ فعلا ـ مع الشباب في صياغة القرارات ! .

  • ثم نصل إلى مربط الفرس عندما يقول " .. و تتضمن السياسة القومية للشباب أيضا إيجاد إطار مؤسسي يقوم بالإشراف على تنفيذ هذه السياسة .." . و السياسة الخاصّة بالشباب، التي يتحدث عنها أمين التثقيف، ليس لها أي بعد مستقبلي، و لا تتعرّض لأزمة التناقض بين جمود النظام الحاكم و اندفاع حركة التغيرات الحالية . و رغم أنه يشير إلى أن هذه السياسة " .. تأخذ في الاعتبار الاحتياجات الثقافية للشباب و التغييرات التي يمرّ بها المجتمع .." . بقي أن يظهر لنا الأمين كرامة، و يدلنا على مؤشّر حقيقي في أدبيات أمانة السياسات عن التغييرات الحقيقية التي يمر بها المجتمع .

* * *

أخشى ما أخشاه، أن يكون هذا نوع من الحنين إلى تجربة منظمة الشـباب في المرحلة الناصرية ( يعرفها د. مفيد شهاب، و د. على الدين هلال) .. و سر تخوّفي هو أن تنظيم البشر دون أن يكون ذلك على أساس مضمون و رؤية اجتماعية حقيقية، قد يقود إلى أن يصبح ذلك التنظيم فاشيستيا .

راجي عنايــت

renayat@gmail.com

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا