الجوع ...الكلمة التى
تكرهها النفس وتتأزم من ذكرها كما يتأزم البخيل من ذكر الزكاة . وكلمة جوع من جاع
وهو خلو المعدة من الطعام وقد ذكرت كلمة الجوع صراحة فى القرآن الكريم
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) الآية 154سورة
البقرة . وذكرت وفى مواضع أخرى كسورة قريش (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ
وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) الآية 4 .كما ذكرت بألفاظ مختلفة كلها تؤدى نفس المعنى .
وفى السنة المطهرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشد الحجر على بطنه من شدة
الجوع . وقيل أن التقى إذا جاع زاد تقربه من مولاه وأيقن فى فرجه . والفاسق إذا جاع
سرق وإذا شبع زنى .وأراد الله للإنسان التكريم فأمره بالصوم وإن كان معنى الصوم
أكبر من تجويع البطن وهو السمو بالنفس وتهذيبها . وحتى فى عالم الحيوان إذا حبست
كلبك وجوعته أصيب بالسعر. والعنكبوت ينصب خيوطه ويظل منتبها للفريسة خوفاً من الجوع
. وقال البيهقى ( كانت لنا قطة لا تكشف القدور ولما أنجبت كشفت القدور ) وهى لم
تكشف القدور إلا لتقي أبنائها الجوع . وقلت فى إحدى قصائدي ..
الخبز الأفعى
لا تنجبه سنابل قمح ٍ
خجلي
الخبز الأفعى لا يُسمن من
جوع
.والجوع فى ميزان البشرية
له من الآثار ما أدى إلى هدم كثير من الحضارات وأدى فى أحيان أخرى إلى رسم بعض
الحضارات كحضارة اليابان التى قامت من لا شيء وذلك لأنها خافت على شعبها الجوع
الجسدي والعقلي فأصبحت اليابان كما نراها اليوم . والجوع يطرح بدائل جديدة تختلف من
شخص لآخر ومن أمة لأخرى .. فمثلاً عندما رأى عزيز مصر فى منامه سبع بقرات عجاف
يأكلن سبعٌ سمان وٍسبع سنبلات خصر وأخر يابسات . كان تفسير يوسف لهذى الرؤية أن ما
حصدتم فى سبع سنوات ذروه فى سنبله إلا القليل من طعامكم وذلك لان سبعاً من السنين
العجاف التى لن ينزل بها مطر ستلي السنوات السمان . وكيفية مواجهة الجوع كان الدافع
للفكرة التى طرحها سيدنا يوسف .
والجوع يمثل عبئاً فى
أحيان كثيرة قد يتحول إلى موت هستيري وهو ما يحدث فى الدول المنعدمة كالصومال والتي
أصبح فيها الرضيع يبحث عن قطرة لبن فى ثدي أمه فلا يجد إلا الدماء . وهذى الحالة
تقابلها حالة أخرى , وهى الحالة التى يتحول فيها الجوع من عبء إلى تعدى وسنضرب هنا
مثالين لذلك .. وليكن المثال الأول هو قبيلتي أسلم وغفار وهما القبليتين اللائي جاء
بهما سيدنا أبى ذر إلى رسول الله فى المدينة يسلما على يديه بعد أن هداهم الله على
يد أبى ذر . هاتين القبليتين كانتا أساتذة قطع طرق القوافل بين الشام وقريش حتى أن
سيدنا أبى ذر الغفاري كان أحد رواد قطع طريق القوافل قبل أن يصبح أصدق من أنجبت
الغبراء وأقلت الخضراء كما اخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم . إذا الجوع حول
القبليتين إلى قطاع طرق . وإن كانت قبيلتي أسلم وغفار هداهم الله إلى الإسلام .
أما المثال الثاني تحول
فيه العبء إلى غطرسة وهو الدور الذي تقوم به أمريكا الآن , فلكي تقي أمريكا شعبها
الجوع يجب أن يظل الاقتصاد الأمريكي قوياً وذلك لا يتأتى إلا بإرضاء رجال الأعمال
اليهود بأمريكا ولكي ترضيهم يجب أن تضع كل أطفال ونساء فلسطين تحت عجلات المدرعة
الإسرائيلية . ولا يكن فى بال إسرائيل أي هاجس ما دامت أمريكا تقف بالمرصاد للحجر
الفلسطيني وتدير وجهها عن المدرعة الإسرائيلية . ولتكرر أمريكا السيناريو مرة أخرى
فى العراق تحت شعار تتبع الإرهاب . فلا يهم عدد القتلى من حظيرة الدجاجات العربية
المهم الديك العربي الذي صنعته أمريكا ورأت أنه يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية فى
الشرق الأوسط .وهى لم تفعل ذلك إلا لضعف رد الفعل من الدول الأخرى أو ربما الإعانات
التى جعلت العين تستحي حتى من قتل الأبرياء . ولكي لا يتعرض شعب أمريكا لأي طارق من
طوارق الجوع يجب أن تظل إيران خالية من أي شيء وبن لادن يجب أن يكون بأفغانستان .
وقوات حفظ السلام تجب أن تنام بجيب أمريكا . والأمم المتحدى لا تسير أعمالها دون
الإعانات الأمريكية . إذا المفتاح جاهز للضغط عليه ليضخ أي كم من المشاكل فى أي
لحظة ما دامت لفظة الأمن العام فى القاموس .
لنعود إلى الجوع والمراد
فات التى نتجت من هذى الكلمة العجيبة لنجد فى القاموس المعاصر كلمات لها علاقة بهذي
اللفظة مثل القتل والنهب والسلب والنفط مقابل الغذاء والمعونة والقرض وحد الفقر
والفاو و... ولكي نعطى الكلمة حقها يجب أن لا ننسى الأفراد ولا يقتصر كل كلامنا على
الدول . فكما يدفع الجوع الدول إلى الغطرسة يدفع الأفراد إلى ذلك . حتى أن خوف
الجوع عند الكثير تحول إلى شبع والشبع تحول إلى تخمة والتخمة تدورت إلى تخمة التخمة
. وكل ذلك على حساب من . لا يهم المهم أن يحمل المتغطرس أخر أنواع الموبايل ويرتدى
نظارة تقي من الشمس ثمنها يطعم قرية فقيرة شهراً كاملاً . ويجب أن يكون الملبس
والمآكل والمرقص ووسيلة الانتقال على أحدث وأرقى مستوى . وليمت الآخرين من الجوع
والأفضل أن يتركوا هذى الكرة الأرضية إلى كوكب آخر يناسب أحلامهم .
الجوع وعلاج الجوع لم
يقلق علماء الاقتصاد فقط بل تعدى الأمر إلى كل من لديه حس بشرى . وأفضل الحلول من
وجهه نظري هو تنويم الجياع حتى يبقى لأصحاب التخمة أحلامهم وطقوسهم اليومية .
وتنويم الجوعى حل بسيط نرى نتائجه فى هذى القصيدة التى كتبها الشاعر العراقي محمد
مهدى الجواهرى تحت عنوان ( تنويمة الجياع ) ...
نامي جياعَ الشَّعْـبِ
نامي
حَرَسَتْكِ آلِهـة
ُالطَّعـامِ
نامي فـإنْ لم
تشبَعِـي
مِنْ يَقْظـةٍ فمِنَ
المنـامِ
نامي على زُبَدِ
الوعـود
يُدَافُ في عَسَل ِ
الكلامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ
نَـوْمُ
المرءِ في الكُـرَبِ
الجِسَامِ
نامي إلى يَــوْمِ
النشورِ
ويـومَ يُـؤْذََنُ
بالقِيَـامِ
نامي على نَغَمِ
البَعُوضِ
كـأنَّـهُ سَجْعُ
الحَمَامِ
نامي وسيري في منامِكِ
ما استطعتِ إلى الأمامِ
نامي على تلك العِظَاتِ
الغُرِّ من ذاك
الإمامِ
نامي على المجدِ القديـمِ
وفوقَ كومٍ من عِظَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ
ما
حَمَلَ المُؤَرِّخُ من
وِسَامِ
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ
نامي
النومُ مِـن نِعَمِ
السلام
نامي فنومُكِ
فِتْنَـة ٌ
إيقاظُها شـرُّ الآثام
نامي جياعَ الشعبِ نامي
لا تقطعي رِزْقَ
الأنامِ
...................................
وإلى الملتقى إن شاء الله
سيد الطيب
Sayed_eltaieb@hotmail.com