مكتبة
عريقة جدا
مجيد طوبيا - مصر
عن مكتبة الإسكندرية
الشهيرة, وإن كان عمرو بن العاص قد أمر بإحراقها بتعليمات من عمر بن الخطاب,
فالواقع أن الإسكندرية إلي حين فتح العرب لها كانت أهم مركز في الشرق تشع منه
الثقافة اليونانية والرومانية, وكانت بها مكتبة الإسكندرية الشهيرة, التي أسسها
الاسكندر المقدوني, وأمر بترجمة جميع ما وجده من مخطوطات في بلاد بابل وآشور
والفرس, الي اللسان اليوناني والقبطي أي لغة أهل مصر..
قالوا ومازالت هذه المكتبة تزداد حتي بلغت كتبها سبعمائة ألف مجلد.. وفي عام47
ق.م حوصر يوليوس قيصر بالإسكندرية فأحرقت جنوده من غير قصد بعض هذه المكتبة,
ولما تولي الامبراطور تود وسيوس وكان مسيحيا دفعه تعصبه الي القضاء علي جميع
المعاهد الوثنية, فنالت المكتبة علي يده ضررا كبيرا, وفي عهد الامبراطور تيودوس
منع الاشتغال بالآداب والفلسفة اليونانية, وبأمره احترقت المكتبة سنة39
ميلادية.
هذا ما ذكره محمد مصطفي في كتابه عن الأدب العربي في مصر, ثم يذكر أن أول كتاب
عربي فيه هذه التهمة هو كتاب الإفادة والاعتبار لعبداللطيف البغدادي, وكان زار
مصر أواخر القرن السادس الهجري ووصف مشاهدها.. وخلال حديثه عن الاسكندرية قال ما
يأتي ملخصا: عاش يحيي( يوجا) النحوي الي أن فتح عمرو بن العاص مصر
والاسكندرية, وكان عالما يكتب بلغته القبطية, فلما عرف عمرو موضعه من العلم
قربه منه وأكرمه,
وفتن به وشاهد من حججه ما لم يكن للعرب به أنسة.. ثم حدثه يوما عن مكتبة
الاسكندرية, فقال يحيي النحوي لعمرو: إن ما لا نفع لكم به نحن أولي به, سأله
عمرو عما يحتاجه, فقال كتب الحكمة.. ثم انتهي الأمر بعمرو الي أن استشار عمربن
الخطاب في أمرها فكتب إليه: إن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه
غني, وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامها..
أيضا ذكر حادثة الحرق أبوالفرج بن العبري في كتابه مختصر الدول, وعن هذين
الكتابين العربيين نقل الأوروبيون, وظل هذا شائعا حتي جاء القرن الثامن عشر وأعلن
المؤرخ الانجليزي جيبون شكه في الأمر, في كتابه الشهير: اضمحلال الامبراطورية
الرومانية وسقوطها, الجزء الثالث ـ الفصل الحادي والخمسون
قال: كان عمرو أكثر حبا للاستطلاع وأكثر تحررا من بقية أصحابه, وكان يحلو له أن
يتحدث الي يوحنا( يحيي النحوي) في النحو والفلسفة.. وقد تشجع يوحنا وطلب
المكتبة الملكية, وكانت الشيء الوحيد من أسلاب الاسكندرية, التي لم يتقاسمها
الفاتحون, ولكن نزاهة عمرو جعلته يستأذن عمر بن الخطاب فأجاب بما سبق, ونفذ
عمرو الحكم في طاعة عمياء, فوزعت هذه المكتبة ومجلداتها المكتوبة علي الورق أو
الرق علي حمامات المدينة لتسخين المياه
وكان عددها أربعة آلاف حمام, وقد بلغت هذه المؤلفات من الكثرة حدا لا يصدق,
بحيث ان ستة أشهر لم تكن كافية إلا بصعوبة لاستهلاك هذا الوقود الثمين. ثم يعلق
جيبون: لكني أميل بشدة ـ وهذا رأيي الخاص ـ الي إنكار هذه الواقعة.. ودليله أن
كاتبين مصريين عاشا قرب فتح الاسكندرية لم يذكرا هذه الحكاية.. ثم يتحدث بشكل عام
أنه بسبب الجهل وكوارث الحروب وتعاقب الأجيال, يكون من العجيب عدم فقد المكتبات
والكتب وقد حرمنا الكثير من مؤلفات الإغريق الشعرية والمسرحية في اليونان.
وأنا شخصيا مع جيبون فيما ذهب إليه, وكان ذا عقلية جبارة, لكن الثابت أن العرب
دمروا كثيرا من المعابد الأثرية بغية الفوز بما فيها من معادن نفيسة, وكذلك فعل
المصريون من قبلهم, ولهذا حديث آخر.
(نقلاً عن
الأهرام)
|