كان الحنينُ مَدى عَذْبا، وكان لنا
من وجهها كوكب في الليل سيارُ
هذا دخان القِرى، مازال يتبعنا
وملء أحلامنا زرعٌ، وأجنحة ٌ
وصبْية ٌ
وطريقٌ في الحقولِ إلي الموتَى
وصَبَّارُ
فملتقى الأرضِ بالأفقِ الذي اشتعلت
ألوانهُ شفقا
فالقاطرات التي غابت مولولةَ ً
في بؤرة الضوءِ
فالحزن الذي هَطَلَتْ
عليَّ أمطارهُ يوما
فصِرت إلي طيري
وسافرت من حزنِ الصبيٌِ إلي
حزنِ الرجالِ، فكلّ العمرِ أسفارُ
يا صاحبِيٌ قِفا!
فالشمس قد رجعت
ولم تَعِد بغَدٍِ
كلّ المقاهي انتظارٌ ساءَ ما فَعلَتْ
بِنَا السنون التي تمضي
ونحن علي موائدٍ في الزوايا
ضارعين إلي شمس تخلَّلتِ البللٌورَ واهنة ً
ولامَستْ جلدَنا المعتل، وانحسرتْ
عَنٌَا إلي جارنا
فما نَعِمْنا، ولم يْنَعم بها الجارُ
يا صاحبيّ
أخمرْ في كئوسِكما
أَمْ في كئوسكما هَمٌّ وتَذكارُ!
وما الذي تنفع الذكري إذا نَكأَتْ
في القلب جرحا، علمْنا لا دواء لهُ
حتي نعودَ
وما يبدو أن اقتربتْ
أَيَّام عودِتنا، والجرح نَغَّارُ
ها نحن نفرِط فوق النهرِ وردتَنا
وتلك أوراقها تنأي، ويأخذها
ورادَ أحلامِنا موجٌ وتيارُ
يا صاحبيَّ
أحقا أنَها وسِعَتْ
أعداءَها
وجفَت أبناءَها الدارُ؟
لو أنَها حوصرت حتى النهايِةِ
حتى الموتِ، لو سحَبَتْ
علي مفاتِنِها غلالة من مياهِ النيلِ
واضطَجعتْ في قاعِهِ
لو سفَتْها الريح فانْطمَرَتْ
في الرمِل وانْدلعَتْ
من كل وردةِ جرح وردة ٌ
فالمدى عشب ونجوَّارُ
هذا دخان قراها يقتفي دَمَنا
ومِلء أحلامِنا زرع، وأجنحة
ومِلء أحلامِنا ذئب نَهَشّ لهُ
نسقيه من كأسنا الذاوي
ونسألهُ عنها
وننهارُ!