
وجوه السندباد
خليل حاوي - لبنان
( 1 ) وَجْهانِ
لَمْ تَرَ الغربةَ
في وجهي |
آمِنٌ في مَطْرحٍ
لا يعْتريهْ |
ما زَوَّرَ
العُمرُ وحفَّر، |
كيفَ مرَّ العُمرُ
من بعْدي، |
فظلَّتْ طفلةُ
الأمسِ وأَصغَرْ |
... ليلُنَا في
الأرْزِ من دهرٍ تُراهُ |
- أدري أنَّ لي
وجهًا طريًّا |
وجهيَ المنْسوجَ
من شتَّى الوجوهْ |
( 2 ) سجينٌ في
قطارْ
مُرَّةً كانتْ
ليَاليهِ الرتيبَهْ، |
يمسحُ الغَبرةَ عن
أمتعة ملءَ الحقيبَهْ. |
حَجَرٌ تحملُهُ
الدوَّامةُ الحرَّى، |
ما دَرَى ما نكهةُ
الشمسِ، |
ورشاشُ الملحِ في
ريج البحارْ. |
***
تأكلُ الغبرةُ
أشيَاءَ الحقيبَهْ |
تأكلُ الوجهَ الذي
خلَّفَهُ |
( 3 ) مع الغَجَر
مَنْ تُرَى
يحْتلُّ ذاكَ الفنْدقَ الريفيَّ، |
عُرسُ الجنِّ
فيه... مُحْرَقَهْ! |
مَنْ تُرَى يرتاحُ
في حُمَّى السريرْ! |
"ثوبي
الدِّمَشْقِي الحرير ْ |
لستُ أَدري، لَم
أَسَلْ مَنْ مَزَّقَهْ" |
***
أَتْقَنَ الدوخةَ
من خَصْرٍ لخَصْرٍ، |
وعلى قُمْصانِهِ
ألفُ أثَرْ. |
وحمَّى المعْدنِ
المصْهورِ، |
في البركانِ، في
وَهْجِ الثمارْ، |
موجةٌ تغزلُ في
المرجِ فراشاتٍ، |
تغْفو في قوارير
البَهارْ، |
عمرُهُ ثانيةٌ
عَبْرَ الثواني |
يتلقَّاه، وينْسى
ما عَبَرْ، |
وجهُ من تبصُقُهُ
الدوامةُ الحرَّى |
لِبَنَاتِ
"البارِ" ما في جيْبهِ، |
( 4 ) بعْد الحمَّى
وجهُ مَنْ يصْحو
من الحمَّى: |
( 5 ) جنَّةُ
الضجَر
وجهُ ذاك
الطَّالبِ القاسي |
على أعصَابِ عينٍ
متعَبَهْ |
في زوايا متحَفٍ،
في مكتَبَهْ |
|
ثم يرتاحُ إلى
الصَّمتِ العَريقْ |
يبوخُ اللونُ فيه
والبريقْ، |
( 6 ) اَلأَقنعَهْ،
اَلقرينهْ، جسْرُ واترلو
سوفَ يحكي ما حكى
المذياعُ، |
جوُّنا المشحونُ
بالإِشعاعِ |
وطاب الشعْرُ..
نِعْمَ التوطئهْ.. |
"ما بِنا لا ما
بِنا من حاجةٍ |
للضوءِ.. أَو
للمدفأَهْ.." |
***
حلوةً كانت، وكانت
طيِّعَهْ! |
***
والضوءُ الذي يجلو
فراغ الأقنعَهْ |
وقنَاعٌ مسَّهُ،
حدَّقَ فيهِ، |
لو دعاهُ? آه لن
يمضى معَهْ |
"أَنْتَ! هلْ
أَنتَ? بَلَى، |
ضبابٌ موحل يُعْمي
مصَابيحَ الطَّريقْ، |
إنَّ في وجهكَ
بعْضَ الشبْهِ |
- فلأَكُنْ ذاكَ
الصَّديقْ |
كُنْتُ أَمشي معهُ
في دربِ "سوهو" |
وهو يمشي وحدَهُ
في لا مكانْ |
وجههُ أَعتقُ من
وجهي ولكنْ |
وجههُ يَحْكي
بأَنَّا توءَمانْ. |
حيْثُ الموجُ
إِثْرَ الموجِ |
حولي أُفعُوانً،
أُخْطُبوطًا |
وَسِخَ الأظفارِ،
أَشداقًا رهيبَهْ، |
"مُتعَبٌ أَنتَ
وحضنُ الماءِ |
مرجٌ دائمُ
الخضرةِ، نيسانٌ، |
مخمليُّ اللينِ
شفَّافٌ حرير، |
أَعشابٌ، تعَازيمٌ
عجيبَهْ |
تسقيهِ غِوَى
سُمْرتهِ الأولى المَهيبَهْ |
هذا اللولبُ
الملتفُّ حولي، |
ذلك التيارُ دوني
والدُّوارْ، |
متعَبٌ.. ماءٌ..
أَراجيحُ الحريرْ.. |
كانَ الجسرُ
ينحلُّ ويهوي، |
وتلمَّستُ صديقي،
أينَ أنتَ، |
وفي حَلْقي
وأعصابي ضَبابْ |
ربَّما عادتْ إلى
عنصُرِها الأَشياءُ |
( 7 ) في عَتمَة
الرَّحِم
يتمطَّى
أُفْعُوانً، أُخطُبوطً، |
رَحِمُ الأرضِ ولا
الجوُّ اللعِينْ |
على أعصَابِنَا يا
عابرينْ، |
نحنُ في عَتْمَةِ
قبوٍ مُطْمئنِّ |
نمسحُ الحمَّى،
ونصْحو، ونغنِّي |
ونخفِّي العُمرَ
من دربِ السنِينْ |
على أعصَابِنا يا
عابرينْ. |
( 8 ) الوجهانِ
غصَّ بالدمعَةِ في
مقهى المطَارْ، |
وهي تحكي ما
حَكَتْهُ لي مِرارْ، |
وكأَنَّ العُمْرَ
ما فاتَ على زهوِ |
الصَبايا وحكاياتِ
الصِغَارْ |
( 9 ) الوجه
السرمدي
عشتِ في حنوةِ
بيتٍ، ما وقاكِ |
أَنه بيت على
الصَّخْرِ تعَمَّرْ، |
يحفرُ الموْجُ،
وتدوي الْهمْهَمَهْ |
من الموجِ، وما
محَّى، وحفَّرْ، |
وأنا عُدتُ من
التيَّارِ وجهًا |
بعْضنا ماتَ،
ادفنِيهِ، ولماذا |
نعْجِن الوهمَ
ونطْلي الجُمْجُمَهْ |
***
أسندِي الأَنقاضَ
بالأَنقاضِ |
شُدِّيها.. على
صدري اطمئنِّي، |
غدًا تخضرُّ في
أعضاء طفلٍ |
|
|
|