
السندباد في
رحلته الثامنة
خليل حاوي - لبنان
( 1 )
دَاري التي
أَبحرتِ غرَّبتِ معي، |
تمتصُّني صحراؤُه
الحزينهْ |
وغرفتي ينمو على
عَتْبَتِها الغبارْ |
وأَرتمي والليلَ
في القطارْ |
***
رِحلاتيَ السبعُ
وما كنَّزْتُهُ |
مِنْ نعْمةِ
الرحمانِ والتجارَهْ |
يومَ صرعت الغُولَ
والشيطَانَ |
يومَ انشقَّتِ
الأكفانُ عنْ جسمي |
ولاحَ الشقُّ في
المغارهْ، |
رَوَيْتُ ما
يَرْوُونَ عنِّي عادةً |
كَتَمْتُ ما
تعْيَا لهُ العِبارَهْ |
ولم أَزَلْ أَمضى
وأَمضى خلْفَهُ |
وكيفَ أَنساقُ
وأَدري أَنني |
أَنساقُ خلف العري
والخسارَهْ |
أودُّ لو أَفرغتُ
داري عَلّهُ |
إن مرَّ تُغْويه
وتدَّعيهِ |
( 2 )
رَصَّعَتْ
جدرانَهُ الرسومْ |
اَلزفتُ والكبريتُ
والملحُ على سَدُومْ. |
يُرَبِّي
أُفعُوَانًا فاجرًا وَبُومْ |
يَفْتَضُّ سرَّ
الخصبِ في العَذَارى |
وتُخصبُ الأرحامُ
والكرومْ |
تُفَوِّرُ الخمرةُ
في الجِرَارْ. |
دنياهُ كيدُ
امرأَةٍ لم تغْتسِلْ |
من دمِه، يشتمُّ
ساقَيْها وما يُطِيقْ |
شطَّي خليجِ
الدنسِ المطليِّ بالرحيقْ |
تكويرةُ النهدينِ
من رغوتِهِ |
والثمرُ المرُّ
الذي اشتهاهْ. |
***
تمتصُّهُ الحيَّةُ
في الأنثى |
وما في دمها من
عنصر الغَجَرْ |
والنِمرُ الأعمى
وحمَّى يدهِ |
"لوركا" و"عُرسُ
الدمِ" في إسبانيا |
وسيْفُ ديكِ
الجِنِّ يوم ارتدَّ من حماهْ |
اَلعُنُقُ
العاجِيُّ نهْرٌ أَحْمَرٌ |
يا هولَ ما
جمَّدَهُ الموتُ على الشفاه. |
هذا الدمُ
المحتقنُ الملغُومُ في العُروقْ |
تعضُّهُ، تكويهِ
ألفُ حُرْقَهْ |
***
كيف استحالتْ
سمرةُ الشمسِ |
وأَطعمَ الجوعَ من
الأفيونِ |
رؤْيا خلَّفتهُ
يعلكُ اللِّجامْ |
وبعدَ حينٍ يحمدُ
الصيامْ. |
مدينةُ التمويهِ
والطهارهْ |
فتبصرُ الأدغالَ
تغْزو سورَها العتيقْ |
ليسَ يرويها سوى
التدمير والحريقْ |
***
هذا الدمُ
المحتقنُ الملغومُ في العروقْ |
( 3 )
طِفلاً جَرَتْ في
دمهِ الغازاتُ والسمومْ |
وانْطَبَعتْ في
صدرِهِ الرسومْ |
وكنتُ فيه
والصحابَ العتاقْ |
نرفِّهُ اللؤْمَ،
نحلِّي طعْمَهُ بالنفاقْ |
بجُرْعةٍ من
"عَسَلِ الخليفَهْ" |
أُغَلِّفُ الشفاهَ
بالحريرْ |
بطانةِ الخناجرِ
الرهيفَهْ |
***
خلَّيتْهُ مأْوى
عتيقًا للصحابِ العِتاقْ |
طهّرْتُ داري من
صدى أشباحِهِمْ |
لِيني، ولينِ
الحيَّةِ الرشيقَه، |
لعَلّهُ إن مَرَّ
أُغويهِ، |
وما أرسلَ صوبي
رعدَهُ، بروقَهْ. |
طلبتُ صحوَ الصبح
والأمطَارَ، ربِّي، |
لماذا اختنقَتْ
بالصمتِ والغُبارْ |
صحراءَ كلسٍ مالحٍ
بَوَارْ. |
وبعدَ طعْمِ
الكلسِ والبَوَارْ |
اَلعَتْمَةُ
العَتْمَةُ فارَتْ مِنْ |
وانسكبَت أَقنيةُ
الأوساخِ في المدينَهْ، |
تَفُورُ في الليلِ
وفي النهارْ |
يعُود طعْمُ الكلس
والبَوَارْ |
وذاتَ ليلٍ
أرْغَتِ العَتمةُ |
واجترَّتْ ضلوعَ
السقفِ والجدَارْ، |
كيف انطوى السقفُ
انطوى الجدارْ |
كالخرقةِ
المبتلَّةِ العتيقَهْ |
على بحارِ
العَتْمَةِ السحِيقَهْ، |
حفُّ الرياحِ
السودِ يُحْفيهِ |
أغلقتِ
الغَيْبوبةُ البَيْضاءُ عَيْنَيَّ |
( 4 )
في شاطىءٍ من
جُزُرِ الصَّقيعْ |
كنتُ أَرى فيما
يَرَى المُبَنَّجُ الصريعْ |
صحْراءَ كلْسٍ
مالحٍ، بَوارْ، |
تمرجُ بالثلجِ
وبالزهرِ وبالثِّمارْ |
تلْتمُّ وتحيا
قُبَّةً خضراءَ في الرَّبيعْ |
لن أَدَّعي أَنَّ
ملاكَ الربِّ |
ألقى خمرةً بكرًا
وجمرًا أخضرًا |
في جسدي
المغْلُولِ بالصقيعْ |
صحوٌ عميقٌ موجُهُ
أُرجوحةُ النجومْ. |
لن أَدَّعي، ولستُ
أَدري كيفَ، |
لعلَّهُ البحرُ
وحفُّ الموجِ والرياحْ |
لعلَّها
الغَيْبوبةُ البيضاءُ والصقيعْ |
شدَّا عروقي
لِعُروقِ الأرضِ |
كانَ الكفنُ
الأبيضُ درعًا |
والشراعُ الغَضُّ
والجناحْ، |
طفل يغَنّي في
عروقي الجهلُ، |
عريانٌ وما
يُخلجني الصباحْ، |
غصَّتْ، أَبرقتْ
وارتعَشَتْ دموعْ |
هلْ دعوةٌ للحُبِّ
هذا الصوتُ |
والطيفُ الذي
يلْمعُ في الشمس |
تجسَّدْ واغْترفْ
من جَسَدي |
أَحيا على جمرٍ
طريٍّ طَيبٍ وجوعْ |
( 5 )
من مَرَحِ
الأمواجِ في الخلِيجِ |
كانَتْ خُطَاها
تكسرُ الشمسَ |
على البلَّورِ،
تسقيهِ الظلالَ |
لم تَرَها عينٌ من
العُيونْ. |
أَطيَبُ ما تزهو
به الفصولْ |
في الكرم
والينْبوعِ والحقولْ، |
( 6 )
تُفتِّقُ المرجانَ
والمرجَ |
من همِّكِ
المعْقودِ والغُبارْ |
واحتفلي بالحلوةِ
البريئهْ |
ما عكَّرَ
الشَّلالَ في ضحكتها |
وما دَرَتْ كيْفَ
تروغُ الحيَّةُ |
الملْساءُ في
الأقبيَةِ الوَطيئهْ، |
اِحتفلي بالحلوَةِ
البريئهْ |
ما بيْدرُ الحنطةِ
والمروجْ |
ما سُمْرةُ
الصَّيْفِ على الثمارْ |
خلَّيْتُ للغَيرِ
كنوزَ الأرضِ |
يكفيني شبِعْتُ
اليومَ وارتَوَيْتْ، |
تُعْطي وتدري
كلَّما أَعطَتْ |
تَفُورُ الخمْرُ
في الجِرَارْ |
في شفَتيْها
تُزبدُ الخمْرُ |
وتصفُو الخمرُ في
القَرارْ |
( 7 )
وليلُ أَمسِ كانَ
ليلَ الجنِّ |
مال إليْنا
الزنبقُ العريانُ |
أَدفأناهُ باللمسِ
وزودْناهُ بالطيُوبْ |
رُحْنا مع
القافلَةِ المغَرِّبَهْ |
في أرخبيلِ
"الجُزُرِ الحِيتانِ" |
حوَّلْنا استرحنَا
والتحَفْنَا الليْلَ والغُيُوبْ،
|
خَفَّ إليْنا ألفُ
جارٍ مُتعَبٍ وجارْ |
( 8 )
ولم أزَلْ أَمضى
وأَمضى خلْفَهُ |
أُحسُّهُ عنْدي
ولا أَعيهِ |
أَودُّ لو أفرغتُ
داري علَّهُ |
إنْ مرَّ تُغْويهِ
وتدَّعيهِ |
أُحسُّهُ عنْدي
ولا أَعيهِ. |
***
دقَّاتُ قلْبي
مثلُ دَلْفٍ أَسودٍ |
وكانَ ما عاينتُ
ممَّا ليْسَ |
وفورَتْ من
عَتْمتى منارَهْ |
أُعاينُ الرؤيا
التي تصرعني حينً، |
كيْفَ لا أَقوي
على البشارَهْ؟ |
مَتَى مَتَى
تُسعِفُني العبارَهْ? |
وطالما ثُرْتُ،
جلدتُ الغُولَ |
فكانتِ الأَلفاظُ
تجري من فمي |
شلاَّلَ قطْعَانٍ
مِن الذئابْ، |
واليَومَ، والرؤيا
تغَنِّي في دمي |
برعشَةِ البرق
وصحو الصباحْ |
وفطرةِ الطيرِ
التي تَشْتَمُّ |
ما في نيَّةِ
الغاباتِ والرياحْ |
تُحِسُّ ما في
رَحِمِ الفَصْلِ |
تَرَاهُ قبلَ أن
يولدَ في الفُصُولْ، |
( 9 )
تحتلُّ عَيْنيَّ
مروجٌ، مُدْخَناتٌ |
وإلَهٌ بَعْضُهُ
بَعْلٌ خصِيبٌ |
بعْضُهُ جبَّارُ
فحْمٍ ونارْ، |
ملْيُونُ دارٍ
مثلُ داري ودارْ، |
تزهو بأَطفالٍ
غصُونِ الكرمِ |
يحتلُّ عيْنيّ
رِواقٌ شمختْ |
أَضلاعُهُ
وانعَقَدَتْ عَقْدَ |
زنودٍ تبتنيهِ،
تبتني المَلْحَمَهْ |
تكدَّسَ البلَّورُ
من رؤيا عيُونٍ |
ضوَّأَتْ واحترقتْ
في حلَكِ الظَلامْ |
وفرَّخَتْ أَعمدةُ
الرخامْ |
من طينَةِ
الأَقبيَة المعْتِمَهْ |
تلْك التي مصَّتْ
سيُولَ الدمعِ، |
من طحينِ اللحْمِ
والعِظَامْ |
واختمرتْ لألفِ
عامٍ أَسودٍ وعامْ |
فكيْفَ لا يفرخُ
منْها ناصعُ الرخامْ |
أَعمدةً تنمو
ويعْلوها رِواقٌ أَخضَرٌ |
صَلْبٌ بوجهِ
الريحِ والثلوجْ |
اَلمِحورُ
الهادىءُ والبرجُ الذي |
يصْمدُ في
دوَّامَةٍ تبتلِعُ البروجْ |
***
رؤيا يقين العَينِ
واللمسِ |
وليْست خَبَرًا
يحدو به الرواةْ |
***
بالشمْسِ لو لم
أرَكُمْ تغْتَسِلُونَ |
الصُّبحَ في
النِّيلِ وفي الأردنِّ والفُراتْ |
وكلُّ جسمٍ ربوةٌ
تجوهرتْ في الشمْسِ، |
ظلٌّ طيِّبٌ،
بحيرةٌ بريئهْ. |
أَمَّا التماسيحُ
مَضَوا عن أرضِنَا |
ما نبتَتْ مطرحَها
جلُودْ، |
حاضرُهُم في
عَفَنِ الأمس الذي |
أَسماؤهمْ تحرقُها
الرؤيا بعَينيَّ |
***
ربِّي، لماذَا شاع
في الرؤيا |
أَحببتُ لو كانت
يدي سيْل، |
من عَفَنِ الأمس
تنمِّي الكرْمَ والطيُوبْ، |
وينبعُ البَلْسَمُ
من جرحٍ |
أَحببتُ، ل، ما
زالَ حبّي مطرًا |
يسخُو على
الأخضَرِ في أرضي، |
تحرقها الرؤيا
بعَينيَّ دخانًا |
( 10 )
رِحلاتيَ السبْعُ
رواياتٌ عن |
الغُولِ، عن
الشيطَانِ والْمَغارَهْ |
عن حِيَلٍ تعْيا
لها المَهارَهْ، |
أُعيدُ ما تحكي
وماذَ، عَبَثً، |
ضيَّعتُ رأس
المالِ والتجَارَهْ، |
لريشةٍ تجوِّدُ
التمويه تُخفِي |
الشحَّ في أقنِية
العِبَارَهْ |
ضيَّعْتُ رأس
المالِ والتجارَه، |
عدتُ إليكم شاعرًا
في فمه بشارَه |
بِفِطرةٍ تحسُّ ما
في رَحِمِ الفَصْلِ |
تراهُ قَبْلَ أن
يولدَ في الفُصُولْ
| |
|
|