إلى الشعر
نازك
الملائكة - العراق
من بَخور المعابدِ في بابل الغابرهْ
|
من ضجيج النواعيرِ في فَلَواتِ الجَنوبْ
|
من هتافاتِ قُمْريّةٍ ساهرهْ
|
وصدى الحاصدات يغنّين لحنَ الغروبْ
|
ذلكَ الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوبْ
|
مُثخَنًا بعبيرِ مساءٍ حزينْ
|
أثقلتهُ السنابِلُ بالأرَجِ النَّشْوانْ,
|
من هُتافاتِ ضفدعةٍ في الدجى النعسان
|
**
ذلك الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوب
|
قمريَّ العُذوبةِ فيه صَدًى من ليالي المطر
|
وهي تمتصّ سَكْرى, رحيق السَّماءْ
|
الرحيقَ الذي عطّرتْهُ الغيومْ
|
**
وسأجمَعُ ذرّاتِ صوتِكَ من كل نَبْعٍ بَرودْ
|
حيث تهمسُ حتى الزنابقُ بالأُغنياتْ
|
حيثُ يحكي الصنوبرُ للزَّمَنِ الجوّالْ
|
بالشَّذى, قصصًا عن غرامِ الظِّلالْ
|
بالسواقي, وعن أغنياتِ الذئابْ
|
لمياهِ الينابيعِ في ظُلَلِ الغاباتْ
|
عن وقَارِ المراعي وفلسفة الجَدْولِ المُنْسابْ
|
عن خَروفٍ يُحسّ اكتِئابًا عميقْ
|
يقضِمُ العُشْبَ والأفكارْ
|
مُغْرَقًا في ضَبابِ وجودٍ سحيقْ
|
**
وسأجمعُ ذرّاتِ صَوْتِك من ضَحِكاتِ النعيمْ
|
من أماسيِّ دِجلةَ يُثْقلُ أجواءَهُ بالحنينْ
|
وهي تَرْطُمُ شاطئَهُمْ, وضياءُ القَمَرْ
|
قَمَرِ الصيفِ يملأ جوّ المَساءِ صُوَرْ
|
والنسيمُ يمرّ كلمس شِفاهْ
|
ليلةٌ شهرزاديّةُ الأجواءْ
|
كلّ شيءٍ يُحسّ ويحلُمُ حتى السكونْ
|
**
وسأسمَع صوتَكَ حيثُ أكونْ
|
في انفعال الطبيعةِ, في لَحَظاتِ الجنونْ
|
حينَ تُثْقل رجعَ الرُّعودْ
|
ألفُ أسطورةٍ عن شَبابِ الوجودْ
|
عن عصورٍ تَلاَشَتْ وعن أُمَم لن تعودْ
|
وأقاصيصَ غنَّتْ بها شهرزادْ
|
وسأسمَعُ صوتَكَ كلّ مَسَاءْ
|
وتلوذُ المتاعبُ بالأحلامْ
|
وينامُ الطموحُ تنامُ المُنَى والغَرَامْ
|
وتنامُ الحياةُ, ويبقى الزَّمَانْ
|
مثل صوتك, ملء الدُّجَى الوَسنانْ
|
صوتك الأبديّ الذي لا يَنَامْ
|
وأُحسّ صداهُ الملوّنَ يملأ كل طريقْ
|
أنا أدركتُ - يا فرحتا - سرّهُ المَعْسُولْ
|
أنا أدركتُهُ أنا وَحْدي وصمْتُ الزَّمَانْ
|
[ 1950 ]
|