ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود سامي البارودي - مصر

ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ

محمود سامي البارودي - مصر

 

ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ         وَراحَ بِالْجِدِّ مَا يَأْتِي بِهِ الْهَزَلُ
وَعَادَ مَا كَانَ مِنْ صَبْرٍ إِلَى جَزَعٍ           بَعْدَ الإِباءِ؛ وَأَيَّامُ الْفَتَى دُوَلُ
فَلْيَصْرِفِ اللَّوْمَ عَنِّي مَنْ بَرِمْتُ بِهِ       فليسَ للقلبِ في غيرِ الهوى شغلُ
وَ كيفَ أملكُ نفسي بعدَ ما ذهبتْ        يومَ الفراقِ شعاعاً إثرَ منْ رحلوا ؟
تَقَسَّمَتْنِي النَّوَى مِنْ بَعْدِهِمْ، وَعَدَتْ        عنهمْ عوادٍ ؛ فلا كتبٌ ، وَ لاَ رسلُ
فالصبرُ منخذلٌ ، وَ الدمعُ منهملٌ           وَالْعَقْلُ مُخْتَبِلٌ، وَالْقَلْبُ مُشْتَغِلُ
أرتاحُ إنْ مرَّ منْ تلقائهمْ نسمٌ            تَسْرِي بِهِ فِي أَرِيجِ الْعَنْبَرِ الأُصُلُ
ساروا ، فما اتخذتْ عيني بهمْ بدلاً          إِلاَّ الْخَيَالَ، وَحَسْبِي ذَلِكَ الْبَدَلُ
فَخَلِّ عَنْكَ مَلامِي يَا عَذُولُ، فَقَدْ       سرتْ فؤادي - على ضعفٍ بهِ - العللُ
لاَ تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلاً؛ فَأَيْسَرُهُ               خَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُ
يَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِ              وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُ
فكيفَ أدرأُ عنْ نفسي وَ قدْ علمتْ         أَنْ لَيْسَ لِي بِمُنَاوَاة ِ الْهَوَى قِبَلُ؟
فَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى شَيْءٍ هَمَمْتُ بِهِ         فِي الْحُبِّ، لَكِنْ قَضَاءٌ خَطَّهُ الأَزَلُ
وَ للمحبة ِ قبلي سنة ٌ سلفتْ           فِي الذَّاهِبِينَ؛ وَلِي فِيمَنْ مَضَى مَثَلُ
فإنْ تكنْ نازعتني النفسُ باطلها            وَأَطْلَعَتْنِي عَلَى أَسْرَارِهَا الْكِلَلُ
فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَة ً             وَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُ
بِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُ              حُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَها الْعَطَلُ
كَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ، فَانْتَبَذَتْ         يمناهُ وَ انبثَّ في أعطافهِ الطفلُ
زُرْقٌ حَوَافِرُهُ، سُودٌ نَوَاظِرُهُ              خُضْرٌ جَحَافِلُهُ، فِي خَلْقِهِ مَيَلُ
كأنَّ في حلقهِ ناقوس راهبة ٍ            باتتْ تحركهُ ، أوْ راعدٌ زجلُ
يَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَا           فما تبينُ لهُ شدا ؛ فتنخذلُ
يرى الإشارة في وحى ؛ فيفهمها       وَ يسمعُ الزجرَ منْ بعدٍ ؛ فيمتثلُ
لاَ يملكُ النظرة َ العجلاءَ صاحبها      حـــتى تمــرَّ بعطفيهِ فتحتبلُ
إنْ مرَّ بالقومِ حلوا عقدَ حبوتهمْ       وَ استشرفتْ نحوهُ الألبابُ وَ المقلُ
تَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ؛ فَهْوَ يَتْبَعُهَا            وَ يستشيطُ إذا ها هي بهِ الرجلُ
أُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَاماً، وَيَصْحَبُنِي     ماضي الغرارِ إذا ما استفحلَ الوهلُ
يَمُرُّ بِالْهَامِ مَرَّ الْبَرْقِ فِي عَجَلٍ         وَقْــتَ الضِّرَابِ، وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ بَلَلُ
تَرَى الرِّجَالَ وُقُوفاً بَعــْدَ فَتْكَتِهِ       بِهـــِمْ، يُظـَنُّونَ أَحْيَاءً وَقَدْ قُتِلُوا
كأنهُ شــــعلة ٌ في الكفَّ قائمة ٌ    تهفـــو بها الريحُ أحياناً ، وتعتدلُ
لولاَ الدماءُ التي يسقى بها نهلاً           لكـــادَ منْ شدة ِ اللألاءِ يشتعلُ
يَقــُلُّ مَا بَقِيَتْ فِي الْكَفِّ قَبْضَتُهُ      كُــلَّ الْحَــدِيدِ، وَلَمْ يَثْأَرْ بِهِ فَلَلُ
بَــلْ رُبَّ سَــارِيَة ٍ هَطْلاَءَ دَانِيَةٍ     تَنْمُو السَّــوَامُ بِهَا، وَالنَّبْتُ يَكْتَهِلُ
كــأنَّ آثــارها في كــلَّ ناحية ٍ     ريطٌ منشرة ٌ في الأرض ، أو حللُ
يَمّـَمْتُهَا بِرِفَــاقٍ إِنْ دَعَوْتُ بِهِمْ        لبوا سراعا ، وَ إن أنزلْ بهمْ نزلوا
قصداً إلى الصيدِ ، لا نبغي بهِ بدلاً        وَ كلُّ نفسٍ لها في شأنها عملُ
حَــتَّى إِذَا أَلْمَعَ الرُّوَّادُ مِنْ بَعَدٍ           وَ جــاءَ فارطهمْ يعلو ويستفلُ
تغازتِ الخيلُ ، حتى كدنَ منْ مرحٍ          يذهبنَ في الأرضِ لولاَ اللجمُ وَالشكلُ
فما مضتْ ساعة ٌ ، أوْ بعضُ ثانية ٍ          إِلاَّ وَلِلصَّيْدِ فِي سَاحَاتِنَا نُزُلُ
فكانَ يومــاً قضــينا فيهِ لذتنا          كما اشتهينا ؛ فلا غشٌّ ، وَ لاَ دغلُ
هذَا هُوَ الْعَيْشُ، لاَ لَغْوُ الْحَدِيثِ، وَلاَ       مَا يَسْتَغِيرُ بِهِ ذُو الإِفْكَة ِ النَّمِلُ
إنَّ النمــيمة َ وَ الأفواهُ تضرمها         نَارٌ مُحَرِّقَة ٌ لَيْسَتْ لَهَا شُــعَلُ
فَاتْبَعْ هَوَاكَ، وَدَعْ مَا يُسْتَرَابُ بِهِ           فأكثرُ الناسِ - إنْ جربتهمْ - هملُ
وَاحْذَرْ عَدُوَّكَ تَسْلَمْ مِنْ خَدِيعَتِهِ         إنَّ العداوة َ جرحٌ ليسَ يندملُ
وَ عالجِ السرَّ بالكتمانِ تحمدهُ            فَرُبَّمَا كَانَ فِي إِفْشَائِهِ الزَّلَلُ
وَلاَ تَكُنْ مُسْرِفاً غِرّاً، وَلاَ بَخِلاً         فبئستِ الخلة ُ: الإسرافُ ، وَ البخلُ
وَ لا يهمنكَ بعضُ الأمرِ تسأمهُ         لا يَنْتَهِي الشُّغْلُ حَتَّى يَنْتَهِي الأَجَلُ
وَاعْرِفْ مَوَاضِعَ مَا تَأْتِيهِ مِنْ عَمَلٍ        فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يَحْسُنُ الْعَمَلُ
فالريثُ يحمدُ في بعض الأمورِ ، كما     في بعض حالاتهِ يستحسنُ العجلُ
هَذَا هُوَ الأَدَبُ الْمَأْثُورُ، فَارْضَ بِهِ        علماً لنفسكَ ؛ فالأخلاقُ تنتقلُ
منْ كلَّ بيتٍ إذا الإنشادُ سيرهُ             فليسَ يمنعهُ سهلٌ ، وَ لا جبلُ
لمْ تبنَ قافية ٌ فيهِ على َ خللٍ              كلا، وَ لمْ تختلفْ في رصفها الجملُ
فلاَ سنادٌ ، ولا حشوٌ ، وَ لاَ قلقٌ          وَ لا سقوطٌ ، وَ لاَ سهوٌ ، وَ لا عللُ
تغايرتْ فيهِ أسماعٌ وَ أفئدة ٌ           فَــكُلُّ نَادٍ «عُكَاظٌ» حِــينَ يُرْتَجَلُ
لا تنكــرُ الكاعـبُ الحسناءُ منطقهُ     وَ لا يعــادُ عـلى قومٍ ، فيبتذلُ

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا