|

دم الشاعر
عبد الوهاب
البياتي - العراق
( 1 )
|
صوت الشاعر فوق نحيب الكورس يعلو،
|
|
منفردً، منحازًا ضد الموت وضد تعاسات البشر الفانين،
|
|
بنار سعادته السوداء يجوب العالم، منفيًّا يتطهر،
|
|
لا اسم له، وله كل الأسماء، بقانون أزلي يتحول،
|
|
يقتل هذي الوحشة، يقضي بالشعر عليه،
|
|
كم هو شرير أن يسكنك الشعر: (إلهي، بين يديك أنا قوس، فاكسرني)،
|
|
ومحب محبوب، فاهجرني، كم هو شرير هذا الحب القاسي،
|
|
لا اسم له، وله كل الأسماء،
|
|
فتيًّا كالريح على أبواب المدن المسحورة يأتي أو لا يأتي،
|
|
كرماد حريق يتوهج في قلب الشاعر منطفئًا أو مشتعل،
|
|
يولد مبتورًا أو مكتملاً ينمو في أدغال النفس الوحشية
|
|
طفلاً يحبو في أصقاع النور، ليشعل نار الإِبداعْ.
|
( 2 )
|
كم هو شرير أن يسكنك الشعر ويعلو صوتك فوق نحيب الكورس، منفردً،
يأخذ بالألباب. |
( 3)
|
فعلامَ الضجة في سوق الورّاقين، علامَ يزايد هذا الوزّان؟
|
( 4)
|
وزنتك يا وزّان الشعر، فكنت خفيفًا في الميزان
|
( 5 )
|
نائية تلك الأرض، ربيع يزهر فيها وهو مريض،
|
|
يُجبر أن يتفجر موسيقى وزهورًا حمراء وأمطارً،
|
|
وعليها يتأوه تحت ضياء المصباح الزيتي وتحت الأيقونات،
|
|
وحيدًا مهجورًا عمرُ الخيام; وعائشة تبحث عن وجهي
|
|
في مرآة الزمن المكسور معلِّقة رأسي فوق خيام قبيلتها نذرًا
للطير، |
|
ربيع شهوانيٌّ أسودُ في عينيها يدعوني;
|
|
وأنا في القرن العشرين، بنار صواعق حبي أدعوه،
|
|
كمجوسيٍّ يهذي في أعياد الجسد الأرضية تحت الأقمار السبعة;
|
|
في بار إغريقي، أدفن وجهي في نار ضفائرها الحمراء وأرقص حتى
الفجر، |
|
أقول سلامًا للنار (ولكن النار)
|
|
تأخذ شكل العنقاء، وتصبح عائشة في الفجر رمادًا
|
|
وتطير إلى أرض أخرى، بين يديك أنا قوس،
|
|
فاكسرني، ومحب محبوب، فاهجرني;
|
|
كم هو شرير هذا الحب القاسي، لا اسم له، وله كل الأسماء.
|
( 6 )
|
رجل بالموت مضاء، قلق، تحبسه أعمدة ووهاد وجسور،
|
|
يركع في منتصف الليل أمام العنقاء. هنالك عاصفة تعوي وتزمجر عبر
البار الإغريقي. |
|
- معذرة لا أكتب شيئً، بل لم أكتب منذ انتحرت عائشة أو رحلت،
فالموت فراق، |
|
والعكس صحيح أيضً، والشاعر إنسان مثلي أو مثلك، لا تاريخ له،
إلاّ تاريخ الروح. |
|
يمد الرجل المسكون بضوء الموت يدًا لصديقته ويُسرُّ لها شيئً،
|
|
يضحك. تبكي. عائشة في المرآة بنار ضفائرها الحمراء ترقص حتى
الفجر، تقول سلامً، للنار. |
( 7 )
|
هذا الباب المغلق والمتراس.
|
( 8 )
|
بدم الشاعر، هذا الحب القاسي، يكتب تاريخ الروح
|
[ من ديوان (مملكة السنبلة) ] |