ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

بدر شاكر السياب - العراق

أم البروم

بدر شاكر السياب - العراق

 

(المقبرة التي أصبحت جزءا من المدينة)

 

رأيت قوافل الأحياء ترحل عن مغانيها

تطاردها وراء الليل، أشباح الفوانيس
سمعت نشيج باكيها،
وصرخة طفلها، وثغاء صاد من مواشيها،
وفي وهج الظهيرة صارخا يا حادي العيس
على ألم مغنيها.
ولكن لم أر الأموات يطردهن حفار
من الحفر العتاق وينزع الأكفان عنها أو يغطيها -
ولكن لم أر الأموات، قبل ثراكن يجليها
مدينتنا لتكبر ، تحضن الأحياء تسقينا
شرابا من حدائق برسفون تعلنا حتى
تدور جماجم الأموات من سكر مشي فينا
مدينتنا منازلها رحى ودروبها نار،
لها من لحمنا المعروك خبز فهو يكفيها...
علام تمد للأموات أيديها، وتختار،
تلوك ضلوعها وتقيئها للريح تسفيها؟
تسلل ظلها الناري من سجن ومستشفى
وسار على سلام نومنا زحفا
ليهبط في سكينة روحنا ألما فيبكيها.
وكانت إذا يطل الفجر، تأتيك العصافير
تساقط كالثمار على القبور، تنقر الصمتا
فتلحم أعين الموتى
بكركرة الضياء وبالتلال يرشها النور،
وتسمع ضجة الأطفال أم ثلاثة ضاعوا
يتامى في رحاب الأرض أن عطشوا وإن جاعوا
فلا ساق ولا من مطعم، في الكوخ ظلوا واعتلى النعش
رؤوس القوم والأكتاف ... أفئدة وأسماع
ولا عين ترى الأم التي منها خلال العش.
وفي الليل
إذا ما ذرذر الأنوار في أبد من الظلمة،
ودبت طفلة الكفين عارية الخطى، نسمه
تلم من المدينة، كالمحار وكالحصى من شاطئ رمل،
نثار غنائها وبكائها - لم تترك العتمة
سوى زبد من الأضواء منثور
يذوب على القبور، كأنه اللبنات في سور
يباعد عالم الأموات عن دنيا من الذل،
من الأغلال، والبوقات، والآهات، والزحمه.
وأوقدت المدينة نارها في ظلة الموت
تقلع أعين الأموات ثم تدرس في الحفر
بذور شقائق النعمان تزرع حبة الصمت
لتثمر بالرنين من النقود، وضجة السفر،
وقهقهة البغايا والسكارى في ملاهيها.
وعصرت الدفين من النهود بكل أيديها
مزقهن بالعجلات والرقصات والزمر
وتركلهن كالأكر
تفجرها الرياح على المدارج في حواشيها
وحيث تلاشت الرعشات والأشواق والوجد
وعاد الحب ملمس دودة وأنين إعصار،
تثاءبت المدينة عن هوى كتوقد النار
تموت بحرها ورمادها ودخانها الهاري،
ويا لغة على الأموات أخفى من دجى الغابه
ترددها المقاهي: "ذلك الدلال جاء يريد أتعابه"
إذا سمعوك رن كأنه الجرس الجديد يرن في السحر
صدى من غمغمات الريف حول مواقد السمر:
إذا ما هزت الأنسام مهد السنبل الغافي
وسال أنين مجداف
كأن الزورق الأسيان منه يسيل في حلم،
عصرت يدي من ألم
فأين زوارق العشاق من سيارة تعدو
على أمواتك المتناثرين بكل منحدر
سلام جال فيه الدمع والآهات والوجد،
على المتبدلات لحودهم والغاديات قبورهم طرقا
وطيب رقادهم أرقا
يحن إلى النشور ويحسب العجلات في الدرب
ويرقب موعد الرب.

21/7/1961

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا