ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

بدر شاكر السياب - العراق

الأسلحة والأطفال

بدر شاكر السياب - العراق

 

1


 

عصافير؟ أم صبية تمرح

عليها سنا من غد يلمح؟

وأقدامها العاريه
محار يصلصل في ساقيه.
لأذيالهم رفة الشمال
سرت عبر حقل من السنبل،
وهسهسة الخبز في يوم عبيد،
وغمغمة الأم باسم الوليد
تناغيه في يومه الأول.
كأني أسمع خفق القلوع
وتصخاب بحارة السندباد...
رأى كنزه الضخم بين الضلوع
فما اختار إلاه كنزا... وعاد!
صدى عابر من وراء العصور:
من الكهف والغاب، والمعبد،
سرى دافئا من عروق الصخور
وإزميل نحاتها المجهد،
يغني بأشواقه العاتيه
إلينا: إلى القمة العاليه....
إلى أن يفل الردى بالحياه
وتلقاه أجيالها الآتيه
على صخرة حملتها يداه
تحاياه : في بسمة في الشفاه
وفي أعين حجرت مقلتاه
عليها دموعهما الجاريه.
صدى رجعته الأكف الصغار
بصفقن في الشارع المشرق
كخفق الفراشات مر النهار
عليها بفانوسه الأزرق.
وكم من أب آيب في المساء
إلى الدار من سعيه الباكر،
وقد زم من ناظريه العناء
وغشاهما بالدم الخاثر،
تلقاه، في الباب، طفل شرود
يكركر بالضحكة الصافيه
فتنهل سمحاء ملء الوجود،
وتزرع آفاقه الداجيه
نجوما، وتنسيه عبء القيود
وهم في ليالى الشتاء الطوال
ربيع من الدفء والعافيه
تلم العجائز فيه الورود
ويلمحن عهد الصبا ثانيه،
ويرقصن بين التلال
يرجحن أرجوحة في الخيال:
يعذراء في ليلة مقمره
وفي ظل تفاحة مزهره
تنام العصافير فيها...
وهم في الصباح
خطى خافقات على السلم،
وأيد على أوجه النوم
يدغدغنها في مزاح!
وأغنية من أغاني الطريق
بلحن سوى لحنها الأول
وشأو من الصوت مستعجل
وهم رفقة الأم إذ تستفيق
وإذ تشعل النار في الموقد
كخيط ترى فيه بدء الغد!
2

 
عصافير؟ أم صبية تمرح؟
أم الماء من صخرة ينضح
فيخضل عشب وتندي زهور
زهور ونور
وقبرة تصدح
وتفاحة مزهره
لخفق العصافير فيها
صدى قبلة الأم تلقي بنيها
- "دعيني.. فما تلك بالقبره!
دعيني أقل أنه البلبل
وإن الذي لاح ليس الصباح
أتلك السفين التي تعول
على مرفإ ناوحته الرياح؟
تلوح منها أكف الجنود
لألف كـ "جولييت" فوق الرصيف:
"وداعا وداع الذي لا يعود!"
وأم كما استوحشت في الخريف
وراء الدجى، دوحة عاريه
وفرت عصافيرها الشاديه!
عصافير؟ أم صبية تمرح؟
أم الماء من صخرة ينضح
ولكن على جثة داميه؟
وقبرة تصدح
ولكن على خربة باليه؟
عصافير؟!
بل صبية تمرح
وأعمارها في يد الطاغيه
وألحانها الحلوة الصافيه
تعلغل فيها نداء بعيد:
"حديد عتــ...يق
رصا....ص
حديــ.....د
وكالظل من باشق في الفضاء
- إذا اجتاح، كالمدية الماضية،
عصافير تشدو على رابيه
ترامي إلى الصبية الأبرياء
نداء تنشقت فيه الدماء
حديد عتيق"....
حديد عتيق!
رصا...ص "فحتى كأن الهواء
رصاص، وحتى كأن الطريق
حديد عتيق.
وينقض كالمعول الحافر،
صدى راعب من خطى التاجر.
له الويل.... ماذا يريد؟
حديد عتيق
رصا.....ص
حديد!
لك الويل من تاجر أشأم
ومن خائض في مسيل الدم
ومن جاهل أن ما يشتريه
- لدرء الطوى والردى عن بنيه -
قبور يوارون فيها بنيه!
"حديد عتيق
رصا.....ص
حديد.....
حديد عتيق لموت جديد!
3

 
حد....يد
لمن كل هذا الحديد!
لقيد سيلوى على معصم،
ونصل على حلمة أو وريد،
وقفل على الباب دون العبيد،
وناعورة لاغتراف الدم.
رصا...ص
لمن كل هذا الرصاص؟
لأطفال كورية البائسين
وعمال مرسيليا الجائعين،
و أبناء بغداد والآخرين
إذا ما أرادوا الخلاص
حديد
رصاص
رصاص
رصاص!
(حديد....)
وأصغي إلى التاجر،
وأصغي إلى الصبية الضاحكين
وكالنصل قبل انتباه الطعين،
وكالبرق ينفض في خاطري
ستار، وكالجرح إذ ينزف -
أرى الفوهات التي تقصف
- تسد المدى - واللظى، والدماء
وينهل كالغيث ملء الفضاء،
رصاص ونار : ووجه
عبوس لما اصطك فيه الحديد.
حديد ونار، حديد ونار..
وثم ارتطام، وثم انفجار،
ورغد قريب، ورعد بعيد
وأشلاء قتلى، وأنقاض دار!
حديد عتيق لغزو جديد
حديد ... ليندك هذا الجدار
بما خط في جانبيه الصغار
وما استودعوا من أمان كبار:
سلام
كأن السنا في الحروف
تخطى إليها ظلام الكهوف
بآمال إنسانها الأول
وما اختط من صورة في الحجار
تحدى بها لموت: فهي انتصار
وتوق إلى العالم الأفضل؟
حديد
رصا....ص
حديد عتيق
رصاص... ليخلو هذا الطريق
من الضحكة الثرة الصافيه
وخفق الخطى والهتاف الطروب.
فمن يملأ الدار عند الغروب
بدفء الضحى واخضلال السهوب؟
لظى الحقد في مقلة الطاغيه
ورمضاء أنفاسه الباقيه
يطوفان بالدار عند الغروب
وأطلالها الباليه!
حديد عتيق
نحاس عتيق
وأصداء صفارة للحريق!
4

 
حديد
حديد
وأم تبيع السرير العتيق،
تبيع الحديد الذي أمس كان
مهادا عليه التقى عاشقان
وشد نداء الحياة العميق
ذراعا بأخرى، فما تخفقان!
فيا حسرتا حين يمسي غدا
شظايا تدوي وبعض المدى
تنحي بها عن ذراع ذراع
وينهد مهد، ويخبو شعاع
أمن حيث كان التقاء الشفاه
على الحب ينسجن خيط الحياه -
يحوك الردى غزله الأسودا
دما أو دخانا؟ يحوك الردى شباكا من النار حول البيوت
على صبية أو صبايا تموت؟
ويرتد حتى حديد السرير
جناحا عليه المنايا تغير،
وحتى الذي في عيون الدمى
من المعدن الزئبقي الحسير.
رصاصا أبح الصدى مرزما
5

 
حديد عتيق حديد حديد
وأقدامها العاريه
محار يصلصل في ساقيهن
ويعتاد بالي - كرعد بعيد
ضجيج الخطى وانهيار الصخور
وخفق الفوانيس في المنجم
وما نض من عاريات الظهور
وما انسخ في سعلة من دم!
وملء السنا من غبار الحديد
نواقيس فيها يرن السكون...
وأجراس مركبة من بعيد
يخف لها صبية يلعبون:
نواقيس في الفجر، واليوم عيد،
وفي الماء أظلال جسر جديد،
وهمس النواعير، والزارعون،
وفي كل حقل - كنبض الحياه -
تهز المحاريث قلب الثرى
وتبني القرى:
قرى طينها من رميم الطغاه
وتخضل حتى الصخور الضنينه
ويثمر حتى سراب الفلاه
مدينه
فأخرى فأخرى، إلى منتهاه!
حديد ..... حديد
وأقدامها العاريه،
وخفق الفوانيس في المنجم
وأعماقه الرطبة الداجيه
كظل الردى - فاغرات الفم،
كبئر من الظلمة الطاميه
ستمتاح منها ألوف القبور،
ويهوي - مع الزعزع العاتيه -
عمى من دجاها على كل نور:
على النور من باب كوخ مضاء
ومن كوة في خيام الرعاء
ومن شرفة ظلها الياسمين
- "دعيني أقل أنه البلبل
وأن الذي لاح ليس الصباح -
على النور من موقد السامرين
ومن مدرج بالسنا يغسل
على كل نور، تذكر الرياح
ظلال الطواغيت في المنجم
كناعورة لاغتراف الدم.
تذر الرياح الرياح، الرياح،
أراجيح في الملعب المظلم
وخفق الفوانيس والأنجم
وخفق الخطى والأكف الصغار
وخفق الفراشات مر النهار
عليها بفانوسه المعتم.
فمن يملأ الدار عند الغروب
بدفء الضحى واخضلال السهوب؟
رصاص حديد رصاص حديد
وآهات ثكلى، وطفل شريد!
ومن يفهم الأرض أن الصغار
يضيقون بالحفرة البارده؟
إذا استزلوها وشط المزار
فمن يتبع الغيمة الشارده؟
ويلهو بلقط المحار؟
ويعدو على ضفة الجدول؟
ويسطو على العش والبلبل؟
ومن يتهجى - طوال النهار -
ومن يلثغ الراء، في المكتب؟
ومن يرتمي فوق صدر الأب
إذا عاد من كده المتعب؟
ومن يؤنس الأم في كل دار؟
أسى موجع أن يموت الصغار
أسى ذقت منه الدموع، الدموع
أجاجا ومثل اللظى في الفم
وأحسست فيه اشتعال الدم
بعيني، من نازفات الضلوع
عويل من القرية النائيه
وشيخ ينادي فتاة الغريق
بهذا الطريق وذاك الطريق،
ويسعى إلى الضفة الخاليه
يسائل عنه المياه
ويصرخ بالنهر... يدعو فتاه،
ومصباحه الشاحب
يغني سدى زيته الناضب:
محال تراه!
ويحنو على الصفحة القاتمه
يحدق في لهفة عارمه
فما صادفت مقلتاه
سوى وجهه المكفهر الحزين
ترجرجه رعشة في المياه
تغمغم لا لن تراه
6

 
حديد عتيق ورعب جديد
حديد
رصا.....ص
لأن الطغاه
يريدون ألا تتم الحياه
مداها، وألا يحس العبيد
بأن الرغيف الذي يأكلون
أمر من العلقم
وأن الشراب الذي يشربون
أجاج بطعم الدم
وأن الحياة الحياة انعتاق،
وأن ينكروا ما تراه العيون:
فلا بيدر في سهول العراق،
ولا صبية في الصحى يلعبون
ولا همس طاحونة من بعيد،
ولا يطرق الباب ساعي البريد
ببشرى، ولا منزل
يضيء الدجى منه نور وحيد
سخي كما استضحك الجدول
ولا هدهدات، ولا جلجل
يرن بساق الوليد
وبين الربى في رقاب الجداء،
ولا وسوس الشاي فوق الصلاء،
ولا قصة في ليالى الشتاء.
لأن الطواغيت لا يسمعون
صداع العصافير في المغرب
- كما صلصل الفضة القامرون -
ولا زفة السنبل المذهب.
لأن الطواغيت لا يحلمون
بغير المبيعات والأسهم.
وأن الطواغيت لا يسمعون
سوى رنة الفلس والدرهم.
لأن الطواغيت لا يبصرون
على الشاطئ الأسيوي البعيد
سوى أن سوقا يباع الحديد
وتستهلك الريح والنار فيها
تدر العطايا على فاتحيها.
7

 
بأقدام أطفالنا العاريه
يمينا وبالخبز والعافيه:
إذا لم نعفر جباه الطغاه
على هذه الأرجل الحافيه
وأن لم نذوب رصاص الغزاه
حروفا هي الأنجم الهاديه
(فمنهن في كل دار كتاب
ينادي: قفي واصدأي يا حراب)
وإن لم نضو القرى الداجيه
ولم نخرس الفوهات الغضاب
ونجل المغيرين عن آسيه...
فلا ذكرتنا بغير السباب
أو اللعن أجيالنا الآتيه!
سلام على العالم الأرحب،
على الحقل، والدار والمكتب
على معمل للدمى والنسيج
على العش والطائر الأزغب،
على التوت وسنان فيه الأريج
ووقع المجاديف في المغرب
على زهرة في وساد العروس،
على صبية في انتظار الأب،
على شاعر تستحم الشموس
بعينيه، يصغي إلى جندب
سلام على العالم الأرحب.
سلام على (الكنج) فاض النعيم
ورنت أغاريد، في ضفتيه:
قرى من سنا عاصرات عليه
عناقيد من ضوئهن العظيم.
سلام على الصين والحاصدين
وصياد أسماكها الأسمر،
وما أنبتت من دم الثائرين
وما افتر في البيرق الأحمر
على صبية في قراها البعاد
وفي ظل تفاحها المزهر
وما جررت في ليالى الحصاد
ثياب العذارى على البيدر.
سلام لأن الربيع
يمر بودياننا كل عام،
وما زال قوس الغمام.
ولولا الذي كدسوا من نضار
به يستضيئون دون النهار
تجوع الملايين عن جانبيه
وينحط، في كل يوم، عليه
دم من عروق الورى أو نثار
كذر الغبار -
لما هزت الأمهات المهود
على هوة من ظلام اللحود،
ولم تذرف الدمع عبر البحار
وعبر الصحاري، نساء الجنود،
ولم يرفع الزارع الأشيب
إلى مقلتيه، اليد الراجفه
يحدق في عتمة العاصفه
ويصغي وفي روعة "القاصفه"،
ولم يبك صرعى بنيه الأب
جزوعا بأن يثكل الآخرين،
ولا شردت نومه العاشقين
كوابيس من أعين الهالكين
وغرنان صفارة تنعب:
"وغي..."، فاستفاقوا ولا كوكب
ولا لمعة من سراج تبين
سوى قعقعات السلاح
وعصف الرياح
ولا ساءل الأم طفل غرير:
إلا بلدة ليس فيها سماء؟
- فلا قاذفات المنايا تغير
ولا من شظايا تسد الفضاء -
ولا اختص في الصرصر اللاجئون
ولآلاء "يافا" تراه العيون
وقد حال من دونه الغاضبون
بما أشرعوا من عطاش الحراب
وما استأجروا من شهود كذاب
وما صفحوا بالردى من حصون.
سلام على العالم الأرحب
على مشرق منه أو مغرب
سلام لآفون روى عروق
شكسبير والزهر والداليه.
أفق شاعر النور، أن الشروق
تهدده غيمة داجيه،
سعى "مكبث" تحتها في احتراس
لقتل النعاس...
لقتل النعاس "روبسبير"
و "الوار" والغابة الحالمه
وعشاقها في المساء الأخير
تذريهم قوة ظالمه
كدوامة من رياح السعير:
على "تونس" من لظاها ظلال
وحول "الرباط" المدمي هدير
وفي جيرة الصين حل انخذال
بقطعانها الفظة الضاربه
لك المجد يا آسيه!
سلام لفينيس والكرنفال
وأضوائه الثرة الزاهيه،
وهمس المحبين بين الظلال
وفي دفء قمرائه الضاحيه.
8

 
عصافير أم صبية تمرح؟
أم الماء في صخرة ينضح؟
وأقدامها العاريه
مصابيح ملء الدجى تلمح،
هتكنا بها مكمن الطاغيه
وظلماء أو جاره الباليه.
علينا لها: إنها الباقيه
وأن الدواليب في كل عيد
سترقى بها الريح... جذلي تدور!
ونرقى بها من ظلام العصور
إلى عالم كل ما فيه نور.
(رصاص، رصاص، رصاص، حديد
حديد عتيق).....
لكون جديد!
***

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا