( في ذكرى محمد شكري )
أضواؤها ، من إسبانيا ، دَعتني
كعـِقـدٍ ضائع من اللآلئ
لأركب َسفينة ً
اسمُها "ابن بطـّوطة"
أقلعت بي ، من "الجزيرة الخضراء"
في رمَضان . والآن ، من نافذتي في طنجة
بأعلى الأدراج المسمّـا ة
"نزلة الإسبان"، أرى سُبـّحة ً
من الأنوار الغائمة تـُسوّرُ جبل طارق .
النزلة ُ مائتان ونيّف من الأدراج
حتى تنزل الى البحر—
من يدري أيّة ُ حوريّة مُجَلبَبة ستصعقني
بآيةِ عينيها الضاريتين هناك !
روائحُ الأرض كلـّها أمامي
في صينيّـة بائع الأفاويه
وبيّاع ُ عِرق السوس بالزنجبيل
يهزّ في وجهي سُترتَـه ُ المُـجَغـْرَفة بأقداح الماء .
آنَئذٍ أتذكّـرُ كم أنا عطشان !
وأيّ صيف ٍ يستيقظ ُ في كبـِـدي
وأيّ طيف ٍ من الماضي
هو هذا الطبّـالُ الآتي من آخر الزنقة
يتبعه ُ زمّـار ٌ وعدّ ة ُ أطفال
كأنّهم يدرون جيّدا ً أنني واحد ٌ
منهم ، طبلتي الصغيرة تحت إبطي
تُـعلن ُ عن أفراحي المقبلة
وعيدِ أحزاني
أنا الصائم ُ الذي سيُفطرُ غدا ً
أنا الجائعُ الذي سيأكلُ هذا الرغيف
قبل َ أن ينام .
رؤيا في " فندق النصر "
( إزمّـور بالمغرب )
الى صدّوق نور الدين
الشمسُ في الأعلى
طافية ٌ، كبيضة اللقلق ، فوق السقوف
ولا أحدَ ، في الأسفل ِ، يتحرّك :
إنّها القيلولة .
نافذتي تـُطلّ على بُستان ٍ أشواكهُ
أعلى من السقوف ، امرأة ٌ
تنشرُ عليها ملاءاتٍ ، قنابيزَ أطفال . ها هيَ
تخرجُ من بيتها المتواضع ، وتأتي
لتلمّ غسيلها . جـّلابتها المقلـّمة
راية ُ الغسَـق .
قدَماي
مجَذ ّرتان في هذا السرير
حيثُ ألقيتُ ، منذ ُ يومين ، مرساتي .
الفندقُ يطفو بين يدَي عرّ افة
تسافرُ في خيمتها الوبريّة الى جبال الأطلس
كلّ ليلة .
عُظاءة ٌ كانت تتسلـّـقُ ساق َ طاولتي
حيثُ تستقرّ منفضة ٌ ، وكأسٌ ، وقنـّينة
ألقتْ نظرة ً غيرَ آبهة
على يدي التي يتصاعدُ منها دُخانُ لــُـفافة
ومضَت مثل أميرة متغطرسة
في طريقها الى المنفى .
البُستانُ نائمٌ
تسيلُ على شوكهِ أوّلُ قطرات الندى .
نافذتي مفتوحة ٌ تستقبلُ حاشية ً
من البعوض ، وثمّة
مَن يحملُ فانوسا ً ويبحثُ عن شئ ٍ ما
في الخرابة .
أزمّـور... وهذه ليلتي الثالثة .
كمظلــّيّ ٍ لم تنفتح مظلـّـتـُه ُ
تسقط ُ في كأسي بعوضة .
مخدّ ة ٌ تحتَ رأسي
تتكهرَبُ بالأرَق ، فأرمي بها الى الجدار .