
وخامس لا يتكلم
فاطمة ناعوت -
مصر
الآخرونَ في
المدينةِ البعيدة
يسعونَ من شقوقِ الزوايا
يُلَمْلِمون أقلامَنا
وبقايا عظامٍ سقطتْ من أصابعِنا
فوق طاولاتِ المقاهي.
****
كأني لمحتُ
في عيونِ هذا المهرِ شيئًا
يشبهُ التأثر.
****
لو !!
تتجمعُ الطرقاتُ جميعُها
تعصرُ الخطواتِ المُتعبةَ
فوقَ سطوحٍ أضجرَها الحياد.
****
إلى متى
تتركُ عبثَ أُغنياتِكَ
يتلصصُ عبرَ شقوقي
يشدُّ الوحدةَ من جدائِلِها
نحوَ مَغفرتي؟
****
في غُرفتي
أربعةُ حوائطَ صامتةٍ
وخامسٌ
لا يتكلمْ.
****
أهداني كفافيسَ
وانتزعَ منيِّ
العامريَّة.
****
للكهولةِ ذاكرةٌ
تهدهدُ الدُمى
فوق شرائطَ ملونةٍ
عقَصَتْ ضفيرتي.
****
قلمٌ في يسراي
والصفحاتُ هناك
لا تلهثُ لكنْ
تحدجُني ببرودٍ
تحتَ رتابةِ المصباح.
****
العقرَبُ الدؤوبُ
يغافلُنا في الليلِ
وينامُ أيضًا.
****
هذا الكوخُ على الحائطِ
لابدَّ له بابٌ
يفتحُ ما لن أراه.
****
شخبطاتي الأولى
دوائرُ
احتوتِ العالمَ
وضوحُ الرؤى
أتلفَ جرأتي.
****
يومُ المريخِ بثمانِ وثمانينَ أرضيّ
هل يمكنُ لحقيقةِ كتلك
أن تقدِّمَ حلاً
لمشكلةِ انشغالِكَ عني.
****
يخطُّ دائرةً
على حائطِ غرفتِه
طفلٌ
سوف تستقيمُ خطوطُه
حينَ يفسدْ.
****
العيونُ البُنيَّةُ
تعلمَّت الانكسارَ
بعد أن جربَت
قراءةَ الزجاجِ
فوقَ أنفك.
****
أهداني وردةً
و حجبَ الهواءَ
عن صومعتي.
****
رأيتُها تبكي يومَ المحاكمةِ
مع إنهَّا لم تعي كلمةً
من دِفاعِه الطويل
رأيتُها تبكيه اليوم
امرأةَ سقراط.
****
قُبلَتي الأولى
أطلقْها من شفتيك
علَّها تجرِّبُ
أراضٍ جديدة.
****
هاتِ خاتمَكَ الذي
تحَّورَ إصبعي عمرًا
ليشاكلَه.
****
شجرةَ الأقدارِ البديلةِ
لم تترفقي بي.
****
ما كانَ لكَ
أن تخبئهُ عني
ربيعًا محتملاً
ثمَّ تهدينيه
وقتَ زحفَ الخريفُ
فوقَ ربوعي.
****
ليستْ سوى
دعاباتٍ ملونةٍ
يبتكرُها ساحرٌ صغير
يضئُ فوقَ كفِّكَ.
****
ربما في تناسخٍ آخرَ
في بُعْدٍ رابعٍ
التقينا
وجعلتَ من جنونِ العامريةِ
مَهدًا لقصائدِك.
****
أتخفَّى من السابلةِ الذّين
أشباحُهم
لا تنظرُ للوراء
يُضمّدونَ الطرقاتِ التي
أجهدتها الأقدام
بينما عيونُهم تتدلى نحو سماءٍ
مجَّتْ رتابةَ الأشياء.
****
بما أن :
العذراءُ نسيتْ في المحرابِ شيئًا … (1)
تواريخُ الميلادِ مغلوطة جدًا …(2)
والتوزيعُ الجغرافيُّ للجامعاتِ
حماقةٌ كبري …(3)
إذن :
الأشياءُ كلهُّا
ليستْ في مواضعِها بالتأكيد… هـ ط ث
****
الأوراقُ بيضاءُ لم تزل
أمَّا مسوداتُ القصائدِ تلك
فليست موجودة أصلاً.
****
ماذا لو
أتيتني غدًا
لتكنسَ الليلَ الذي
يربضُ تحتَ نافذتي كلَّ صباح.
****
التوافيقُ والتباديلُ جميعُها
تؤدي إلي معادلاتٍ مغلوطة.
****
افحصْ بريدَكَ
ربما يحملُ قرارَ زنبقةٍ
تمردت على الأركانِ المظلمةِ
فرَّتْ إلى حيثُ أصقاعٍ
أكثرَ رحابةً
أسطعَ ضوءً.
****
يا فتى
نقوشُك على جُدُر المعبَدِ
شكلت قصائدَ
لا تحملُ ملامحي.
****
أنسَكِبُ في محبرتي
كلَّ ليلٍ
ثمَّ أخرجُ عصفورًا
يتعلمُّ البداهات.
****
قصفَ قلمي
و صالحني
بدفاترَ بيضاء.
****
على عجلٍ
نراجعُ دروسًا
أفلتتْ من ذاكراتِنا
ثم ننظرُ إلى الأعلى
في انتظارِ المخلِّص.
****
الراهبُ الذي
دلفَ من رواقِ كفافي
ثمَّ
صفقَ البابَ
في وجوهِنا.
****
ربما واتتني الشجاعةُ يومًا
و نفضتُ فوق رأسِكَ
ذاكرتي كلَّها.
****
يا من تقرأني الآنَ
لا تصدق حرفًا
فكما تعلمُ
الشعراءُ كذَّابون.
****
الريشةُ التي
رسمتْ وجهَكَ
على نحوٍ
لايناسبُ قداستَه
أحرى لها
أن تنتحِر.
****
الوسادةُ المبتلةُ
وحدها
لا ترى
أقنعةَ النهار.
****
زجاجُهُ الذَّي
انسكبَ في عيوني
لوَّنَ الأشياءَ
ثمَّ
مزَّقَ شَبَكْيَتي.
****
جدولَّةُ الفروضِ
حساباتُ البدائلِ
أرشَفَةُ الأحداثِ
ثمَّ
غربلَةُ غيرِ الممكنِ
عن
غيرِ الممكن
تلكَ طقوسي الصباحيةُ التي
تؤديها
يقظتي التامَّةُ
أثناءَ غفوتي.
القمرُ الذّي
يغادرُنا غاضبًا كلَّ نهارٍ
يقضي قيلولَتَهُ
ناثرًا فضائحَنا
على المجرَّاتِ الأُخر.
****
ليستْ من البديعِ في شيء
أو مسّرحةً
كما قالَ أحدهم يومًا
مُعتمرًا قِناعَ الواقعيةِ
فقد رأيتُ المجازاتِ
تتحركُ على قدمين.
****
اندهشَ طفلي كثيرًا
وقتَ تنبَّه
أني لا أكتبُ باليُمْنى
بينما اندهشتُ
لماذا لم أُورِثهُ
هذه النقيصةَ أيضًا !
****
نكتبُ الشعرَ
لأننا
لمْ نتعلمْ شيئًا أفضلَ.
****
كنتَ ثاقبَ النظرِ جدًا
وقتَ انتخبتَ يهوديًا
بمعطفٍ أبيضَ
لمَهَمَّةِ انتزاعي
من رَحِمٍ يتمزقْ
قبل خمسةٍ وثلاثينَ أيلولاً
لخصَّتَ التاريخَ أبي
بنقرةِ هاتفْ.
****
الإفريقيَّةُ التي
هندستْ فوضانا
بلسانٍ فرنسيٍّ،
سيدتي..
الفوضى أبجدياتٌ عربية
****
حاصرتْ براءتُهُ
يقيني
أمامَ الجزيرةِ
حينَ التقطتْ عدسةٌ
رصاصاتٍ ثلاث
في بؤرتِها
"إسعافَ يا الله"
........
تلقَّف َالصغيرُ عينيَّ
ثمَّ توحدّنا في شرودٍ
يراجعَ البداهاتْ.
****
"آيـات"
التي طرحَتْ من عمرِها
ثمانيةَ عشرَ عامًا
أشهرت الصفرَ صريحًا
في وجهِ صهيون.
****
الذينَ أحببتُهم جدًا
و رحلوا مرةً
لن تُفزعَني مُجددًا
فكرةُ رحيلِهم.
****
أقفُ في السماءِ كلَّ صبحٍ
أغالبُ الضَحِكَ الذِّي
يباغتُني كلمَّا
رمقتُ البشرَ هؤلاء
مرصوصينَ في أدراجٍ
على نحوٍ منتظم
ربما لأنني حتى الآن
لم أجدْ دُرجًا
يلملمُ عُريي.
****
للنافذةِ الشرقيةِ
ذاكرةٌ
طولُها تسعةُ أمتارٍ
و عمقُها
اثنانِ وعشرينَ عامًا.
****
تعلمتُ من الرياضياتِ شيئًا
الحروفَ تكذبُ دائمًا
أمَّا الأرقامَ
تكذبُ أيضًا.
****
شظايا البللورِ التي
لملمتُها من بقاعٍ كثيرة
سأعلمُها الأسماءَ كلَّها
أدفنُها فوق السطوحِ
ثمَّ
أفتشُّ عن جيبٍ منسيٍّ
في حقيبةِ العجوزِ المسافرةِ
في رحلةٍ أخيرة.
****
عندما يقولُ لكَ الشاعرُ
" رأيتُ الشمسَ ضاحكةً "
لا تصدقْهُ
ليس لأن هذا مجاز
ولكن لأن الشمسَ
لا تضحكْ.
****
فقط لو حَذَّرْتِنِي "سيبيل"
قبلَ أن أُوقِّعَ
هذا العَقْدَ
ما استدرجني "أبولو"
نحوَ الخلودْ.
****
المقالةُ
لا تحوي سوى بديهياتٍ
و لذلك
أعدتُ قراءتَها
للمرَّةِ الألفْ.
****
السَريرُ الذّي تحوَّلَ
بمضي الوقتِ
إلى مَكتبةٍ مرتبكةٍ
لن يجِدَ ما يقصُّه لأصدقائِه.
****
جذوعُ الأشجارِ التي
طالبتْ بمفرداتِها
في ساحةِ قضاءٍ عادل
سوف تتركُنا ذاتَ يومٍ
بلا مناضدَ أو أسرَّةٍ.
****
الطابيةُ المحترمةْ
ضاقتْ بقفزاتِ الحِصانِ حولَها
فانتحرتْ.
****
تكلمتُ ولَمْ يرَني
لَمْ يرنَي !!!
يا سقراطُ يا كاذبْ!
****
المنتحرونَ البلهاء
يعودون بأثوابٍ جديدة
وضحكاتٍ مرتبكة.
****
غدًا أعترفُ لك
أني لم أحبّك
فقط لو جاء الـ "غدًا ".
****
البوهيمية القديمة
أخفقتْ في الرقصِ فوق الماء
تجرِّبُ خطواتٍ مبتكرة
في الهواء.
****
وسامتُكَ مُكرَّرةٌ جدًّا
لحدِّ أن أرصدَ ملامحَكَ
في كلِّ وجهٍ أراه.
****
اتبِّعْ تعاليمَ طاغور
ودَعْ أنفى
أو رئتيَّ
****
قال قيْس :
" يا وَرْدُ ، أحبُّ نصفَ العامرية"
فأخذَ نصفَها وسافر.
****
حِصانان وطابية !
لا يكتملُ الدَورُ أبدًا
لابد من وجودِ فارسٍ قديم.
****
لن أمارسَ طَقسي المسائيَّ
في غسلِ عيني من وجهِكْ
سأدعه يسقطُ من تلقاءِ ذاته
خلف الشبكية.
****
لا أكتبُ
القلمُ
أعتقَهُ زوالُ السبب.
|
|